كربلاء (العراق) - أثار اغتيال الناشط العراقي إيهاب الوزني موجة غضب شعبي في كربلاء وفي الناصرية والديوانية في جنوب العراق، حيث خرجت مظاهرات حاشدة تنديدا بالاغتيالات وبالنفوذ الإيراني وبما اعتبره المحتجون تقصيرا أمنيا من قبل الحكومة العراقية التي يقودها رئيس المخابرات السابق مصطفى الكاظمي. والوزني لم يكن الأول الذي يتم اغتياله بسبب مواقفه المنددة بالفساد وبنفوذ إيران. ورفعت مختلف اللجان التنسيقية للتظاهرات في تلك المدن، ذات الغالبية الشيعية وهي مناطق ريفية تطغي عليها التقاليد العشائرية، شعارات "ثورة تشرين" التي طالما رفعها الوزني ورفاقه ضد الفساد وسوء إدارة الدولة ورفض سيطرة رجال الدين والجماعات المسلحة ونفوذ إيران في العراق، مع المطالبة بالعدالة "للشهداء". وخلال تشييع الوزني ردد مئات المشيعين في كربلاء شعارات يدعو بعضها إيران إلى الخروج أو "الشعب يريد إسقاط النظام". وذكرت قناة روسيا اليوم ومواقع إخبارية عراقية أن حشودا من المحتجين تجمعت أمام القنصلية الإيرانية في محافظة كربلاء وانهم أغلقوا الطريق المؤدي إليها باحراق الاطارات المطاطية. وأعلنت شرطة كربلاء بعيد الحادث أنها لا تدخر جهدا للعثور على "الإرهابيين" الذين يقفون وراء الجريمة، لكن الحراك الشعبي يبدو كمن فقد الأمل في اعتقال الجناة ومحاسبتهم بسبب نفوذ ميليشيات إيران التي يحملها معظم المحتجين المسؤولية عن سلسلة اغتيالات طالت نشطاء وحقوقيين منذ اندلاع ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019. وقال الكاظمي في بيان إن "قتلة الناشط الوزني موغلون في الجريمة وواهم من يتصور أنهم سيفلتون من قبضة العدالة، سنلاحق القتلة ونقتص من كل مجرم سولت له نفسه العبث بالأمن العام، بينما وأعلنت عائلة الوزني أنها لن تتقبل التعازي بمقتله طالما لم يُكشف عن الفاعلين. ويرى الناشطون أن حكومة الكاظمي لم تنصف الناشطين الذين اغتيلوا بعد مرور عام على توليه الحكم، فيما يدعي بعض مستشاريه أنهم جزء من "ثورة تشرين (أكتوبر)". واتهم عضو مفوضية حقوق الإنسان الحكومية علي البياتي السلطات بالضعف، قائلا إن اغتيال الوزني "يطرح السؤال مرة أخرى: ما هي الإجراءات الحقيقية التي اتخذتها حكومة الكاظمي لمحاسبة الجناة على جرائمهم". بدوره، قال حزب 'البيت الوطني' الذي خرج من رحم 'ثورة تشرين' ويسعى للمشاركة في الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول القادم، في بيان "كيف يمكن لحكومة تسمح بمرور مدافع كاتمة الصوت وعبوات أن توفر مناخا انتخابيا آمنا؟"، داعيا إلى "مقاطعة النظام السياسي بالكامل". ومثلما حدث لدى اغتيال عشرات الناشطين برصاص رجال يستقلون دراجات نارية قبل أن يتواروا في الظلام، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية القتل، لكن الناشطين في العراق كما الأمم المتحدة يتهمون "ميليشيات" بالوقوف وراءها. وقال ناشط مقرب من الوزني متحدثا في الطبابة العدلية في كربلاء "إنها مليشيات إيران، اغتالوا إيهاب وسيقتلوننا جميعا، يهددوننا والحكومة صامتة". ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في خريف 2019، اغتيل نحو ثلاثين ناشطا واختطف العشرات بطرق شتى ولفترات قصيرة، ففي يوليو/تموز 2020، اغتيل المحلل المختص على مستوى العالم بشؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي أمام منزله على مرأى من أولاده في بغداد. وكما هي الحال في كل مرة، تكتفي الجهات المسؤولة بإعلان عدم قدرتها على كشف هوية مرتكبي هذه الاغتيالات التي تقف وراءها دوافع سياسية في بلد شهد حربا أهلية بلغت ذروتها بين 2006 و2009. في فبراير/شباط الماضي، خاطب الوزني رئيس الوزراء على صفحته على موقع فيسبوك، قائلا "هل تدري ما يحدث؟ هل تعلم أنهم يخطفون ويقتلون أم أنك تعيش في بلد أخر غيرنا؟". ومنذ فترة طويلة، كان أقارب الوزني يشعرون بالخوف على الرجل الذي لم يكن يتردد في التعبير عن رأيه، ففي نهاية العام 2017، ولدى تصويت محافظة كربلاء على مرسوم محافظ بخصوص "الفحشاء" يحظر عرض فساتين السهرة وملابس نسائية داخلية على واجهات المحلات، هاجم الوزني كل من يعبرون عن فكر متشدد. وقال حينها إن "هذا النوع من القرارات التي تتحدث عن الدين لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن أيديولوجية داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)". ولكنه بدا متفائلا خلال لقاء آخر معه في أغسطس/اب 2020، خلال موكب تشييع "شهداء ثورة تشرين" في كربلاء، إذ قال حينها "لكل الطغاة نهاية، حتى لو أستغرق الأمر وقتا طويلا للوصول إلى ذلك في بعض الأحيان". ودعا رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة اليوم الأحد أجهزة وزارة الداخلية إلى الإسراع في الكشف عن قتلة الناشط المدني إيهاب جواد الوزني وسط مدينة كربلاء. وقال الكاظمي خلال جلسة لمجلس الوزراء إن " قتلة الناشط الوزني موغلون في الجريمة، وواهم من يتصور أنهم سيفلتون من قبضة العدالة وسنلاحق القتلة ونقتص من كل مجرم سولت له نفسه العبث بالأمن العام"، مضيفا "المجرمون أفلسوا من محاولات خلق الفوضى وتوجهوا إلى استهداف النشطاء العزّل، لكن القانون سيحاسبهم مثلما سقط آخرون في قبضة العدالة من قبل". وكتم هجوم مسلح فجر الأحد في كربلاء صوت الوزني مُحدثا صدمة بين مؤيدي "ثورة تشرين" التي خسرت عددا كبيرا من ناشطيها المناهضين للفساد ولتدخل إيران في شؤون العراق. في ليلة من "ليالي القدر" خلال شهر رمضان وأثناء عودته إلى منزله في ساعة متأخرة من بعد منتصف الليلة الماضية ظهر مسلحون على دراجات نارية في أحد أزقة كربلاء، المدينة الشيعية المقدسة في الجنوب حيث تنتشر فصائل مسلحة موالية لإيران. ولا بد أنه فهم على الفور ما ينتظره، هو الذي نسق تظاهرات كربلاء وشارك على مدى سنوات في جميع النضالات الاجتماعية في المدينة التي يعيش فيها عدد صغير من العائلات الكبيرة التي تعرف بعضها بعضا. وقبل نحو سنتين، في ديسمبر/كانون الأول 2019، نجا من مصير مماثل قُتل خلاله أمام عينيه رفيقه فاهم الطائي الذي فقدته أسرته وهو في الثالثة والخمسين من عمره، برصاص أطلقه مسلحون على دراجات نارية من مسدسات مجهزة بكاتم للصوت. ولا بد أن مسلحين مثلهم اغتالوا الوزني أمام منزله وأمام كاميرات المراقبة. وقد شهد العراق منذ اندلاع 'ثورة تشرين' الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حملة واسعة من الاغتيالات وعمليات الخطف والتهديدات ضد منظمي الاحتجاجات التي لم تر لها البلاد مثيلا من قبل وسقط خلالها نحو 600 قتيل بينهم من كان في التظاهرات أو قرب منازلهم.
مشاركة :