كم تستفيد من عصاك السحرية؟

  • 5/10/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن جميع مجالات الأبحاث الجديدة تسلط الضوء على امتلاكنا لإمكانات ثرية وهائلة في التكيف والتغيير، وتثبت أننا لسنا مبرمجين وراثيا كي نكون مقيدين على حال بعينه بقية حياتنا، فنحن لسنا محكومين من قبل موروثاتنا، بل نملك الأعاجيب في إعادة برمجة شخصياتنا، ففي كل مرة نتعلم فيها شيئا جديدا، تنكشف أمامنا إمكانات فريدة لم نكن على دراية بها مسبقا، ونتيجة لذلك يتم التغيير ويحدث التعلم، فكلما تعلمت أكثر صنعت المزيد من الوصلات العصبية في دماغك، حيث تظهر الدراسات الأخيرة أن ساعة ونصف الساعة من التركيز العميق على أي موضوع يضاعف عدد وصلات دماغك المرتبطة بذلك الموضوع، لكن نفس الأبحاث تؤكد أيضا أنك ما لم تقم بتكرار ما قد تعلمته ومراجعته أو التفكير فيه، فسوف تجف تلك الوصلات خلال ساعات أو أيام، ولذلك فمن المهم القول إنه إذا كان التعلم هو صناعة وصلات عصبية جديدة، فالتركيز والتكرار هو آلية الاحتفاظ بتلك الوصلات، فبمجرد أن يستوعب المرء معلومة أو فكرة جديدة، ثم التوجه لشخص بجانبه وشرح تلك المعلومة، فإنه يقوم بتقوية تلك الدارات العصبية، وتعزيز كثافة النسيج ثلاثي الأبعاد لمادة الدماغ، مما يتيح له أن يربط بنجاح بين تلك الدارات لاستهلال تلك المعرفة الجديدة في تجربة جديدة، وبعبارة أخرى، عندما يصبح بإمكانك تذكر ومناقشة نموذج الفهم الجديد، فإنك تبدأ بذلك في تركيب المعدات العصبية تحضيرا لتجربة ما، فكلما ازدادت معرفتك بالذي تفعله ولماذا تفعله، تصبح كيفية فعله أسهل، لأن التجربة تثري الدارات في الدماغ لتكوّن شبكات جديدة، وينتج حينها مواد كيميائية تصنع مشاعر البهجة أو الامتنان من ذلك الحدث الجديد، وبذلك يتدرب الجسم كيميائيا على استيعاب ما فهمه الذهن فكريا، ومن المنصف القول إن المعرفة تتعلق بالذهن، أما التجربة فتتعلق بالجسم، وهكذا تعيد صياغة برنامجك البيولوجي، وتومئ لموروثات جديدة بطرق جديدة، وذلك لقدوم معلومات جديدة من البيئة، وهذا ما يؤكده علم «ما فوق الوراثة Epigenetics»، فإذا كنت تستطيع إيجاد تجربة ما مرة، فيلزمك أن تكون قادرا على فعل ذلك ثانية، وإن كان بإمكانك إعادة إنتاج أي تجربة مرارا، فسوف تقوم في النهاية بتكييف ذهنك وجسمك من الناحية الكيميائية والعصبية كي يشرعا في العمل ككيان واحد، وحين تقوم بشيء ما مرات كثيرة بحيث يعرف الجسم، وكذلك الذهن، يصبح الأمر تلقائيا وطبيعيا وبلا عناء، وبعبارة أخرى يصبح مهارة أو عادة، وبمجرد أن تحقق ذلك المستوى، لم يعد يتوجب عليك التفكير بوعي حول القيام به، وتصبح المهارة أو العادة حينئذ أشبه بحالة كينونة دون واعية، ويترسخ الأمر فطريا بداخلك، وهكذا يشرع أشخاص عاديون حول العالم في القيام بأمور غير عادية، ويتحولون بذلك من المعرفة إلى التجربة إلى الحكمة، ومن التفكير إلى التنفيذ إلى الكينونة، ومن التعلم بالذهن إلى ممارسته باليد ومعرفته بالقلب، ويكمن جمال الأمر بأننا جميعا نملك تلك الآلية البيولوجية والعصبية، ويمكننا الاستفادة من تلك العصا السحرية في خلق حياة أفضل، وفي التحول من موقع الضحية إلى المتحكم في صناعة حياتك.LamaAlghalayini@

مشاركة :