لقد حدثت جميع الهجرات الكبيرة في التاريخ، بما في ذلك هجرات الشعوب الكبيرة، وفقاً لسيناريو واحد. انفجار ديموغرافي في أحد الأماكن، ومن ثم شحّ في الموارد لجميع السكان، فيلفظ المجتمع المهاجرين نحو الخارج، إذا كان هناك مكان وإمكانية لحركتهم، أو يقع في أخطر أزمة اجتماعية واقتصادية تدمر الفائض من السكان في الثورات والحروب الأهلية، إذا ما استحالت الهجرة الجماعية. وعادة ما تكون الهجرات الكبيرة في التاريخ مصحوبة بالحروب، وغالباً ما تكون بسبب تهجير السكان السابقين، وأحياناً عن طريق الإبادة الجماعية. إلا أن الوضع الآن مختلف. فالهجرة عفوية وفردية، وبالتالي فإن فرص إعادة التوطين الناجحة، بل واحتلال موقع مهيمن في الأماكن الجديدة، أقل بالنسبة للمهاجرين. لكن هذا في حالة الحفاظ على دول قوية في بلاد المقصد، قادرة على ضبط الحدود وكبح موجات الهجرة. أما في حالة الأزمات والاضطرابات الداخلية، فتختفي هذه القدرة. ونحن نرى أن دول أوروبا وأمريكا الشمالية قد انتقلت إلى الانكماش الديموغرافي، حيث يبلغ عدد الأطفال لكل امرأة هناك أقل بكثير من مستوى 2.1، والذي يعدّ كافياً للحفاظ على تعداد السكان عند نفس المستوى، حيث استقر تعداد السكان في أمريكا اللاتينية. ففي المكسيك، على سبيل المثال، يبلغ هذا الرقم 2.1 طفل لكل امرأة، وفي معظم البلدان الصغيرة، تكون الخصوبة أعلى قليلاً، وهي أقل فعلياً في البرازيل. في آسيا ككل، يتلاشى النمو السكاني أيضاً. في الصين، يبلغ معدل المواليد 1.7 لكل امرأة، وذلك على الرغم من إلغاء قاعدة "طفل واحد لكل أسرة"، وسوف يبدأ تعداد سكان الصين في الانخفاض خلال السنوات القادمة. في الهند يبلغ المعدل 2.2، في إندونيسيا 2.3، في عدد من البلدان، تبلغ الأرقام أقل من ذلك بكثير. ومن بين البلدان الأكثر كثافة سكانية، فلدى باكستان وحدها 3.6 طفل لكل امرأة. كذلك تنمو إفريقيا بمعدلات مذهلة، حيث يبلغ عدد الأطفال في الكونغو لكل امرأة 6 أطفال، ونيجيريا 5.4، وإثيوبيا 4.3. لا تزال إفريقيا تعاني من انفجار سكاني. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يزداد عدد سكان القارة السمراء بمقدار 300 مليون نسمة. وقد بلغ تعداد السكان في الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية، عام 2020، حوالي 437 مليون نسمة. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يتجاوز عدد سكان هذه الدول 500 مليون نسمة، حيث تبقى المنطقة العربية ثاني أسرع المناطق في العالم نمواً في عدد السكان. ويبلغ معدل النمو في موريتانيا 4.6 طفل لكل امرأة، السودان 4.4، اليمن 3.8، العراق 3.7، مصر 3.3، الجزائر 3.1، عمان 2.9، سوريا، الأردن وجيبوتي 2.8، المغرب 2.4، السعودية وليبيا 2.3. تعاني جميع الدول العربية غير النفطية تقريباً من عجز في التجارة الخارجية وفي الحساب الجاري، فضلاً عن دين عام كبير ومتزايد تعجز عن سداده. أي أن معظم هذه الدول مفلسة على المديين المتوسط والبعيد. والنمو الديموغرافي يحيّد الآثار الإيجابية للنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الدول العربية، بما في ذلك بلدان النفط الغنية، لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في الغذاء. أي أن رفاهية، بل وحياة المنطقة العربية بأكملها، تتوفر الآن على حساب مصادر خارجية، ستختفي على الأقل لبعض الوقت، حال انهيار النظام المالي العالمي والتضخم المفرط في العملات العالمية الرئيسية. وهذا الانهيار، بناءً على معدل الزيادة في إصدار الأموال غير المضمونة من قبل البنوك المركزية الغربية، هو أمر حتمي ويقترب بسرعة. أود القول إن كارثة اجتماعية واقتصادية في المنطقة العربية هي الأخرى أمر لا مفر منه، بينما سيواجه عدد من بلدان المنطقة الجوع. لهذا أمام العرب الخيارات التالية: تحديد النسل بشكل عاجل، أو الهجرة الجماعية، أو الإبادة المتبادلة. ولم يكن الربيع العربي سوى بداية لهذه العملية. فزعزعة الاستقرار والثورات والحروب الأهلية هي مجرد مظهر من مظاهر أزمة الموارد العامة في هذه البلدان. وما يزيد الطين بلّة، أن إفريقيا جنوب الصحراء، ليست في أفضل أحوالها الاقتصادية، ولديها فائض أكبر بكثير من عدد السكان. وفي سياق الأزمة الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى الفائض السكاني الذاتي، ستواجه المنطقة العربية تدفقاً هائلاً للمهاجرين من إفريقيا يضم عشرات ومئات الملايين من البشر. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع وزيادة الهجرة. فما الذي نراه في أوروبا؟ في الوقت الراهن، نرى تقدماً سريعاً في السن، وتراجعاً في عدد السكان، بينما تمتص اقتصادات هذه البلدان العمالة الشابة من مناطق أخرى مثل شفّاط كهربائي. لكن هذا كان قبل انهيار الاقتصاد، وعلى نطاق محدود. إن الرسائل المفتوحة المستمرة من الجيش الفرنسي، بشأن ضرورة "إنقاذ فرنسا" من الحرب الأهلية والإسلاميين، تعطي انطباعاً بأن الدول الأوروبية قد تنغمس في أزمة بدرجات متفاوتة من الفوضى، وهو ما سيدفع باتجاه فتح أبواب الهجرة، أو تحول تلك البلدان إلى ديكتاتوريات عسكرية، تحاول منع ذلك، من بين أمور أخرى، ستحاول احتوائها. على أي حال، لا يوجد أي اتجاه آخر لهجرة العرب والأفارقة وتدفق المهاجرين سوى أوروبا. ولا يبدو في هذا السياق الرقم 100 مليون مهاجر لكل عقد من الزمان غير واقعي بالنسبة لي، بالنظر إلى حجم الكارثة الاقتصادية القادمة، وموجة المهاجرين الإضافية من إفريقيا، بل ربما أكثر. إننا نقف على أعتاب هجرة كبيرة جديدة للشعوب، وقد بدأت بالفعل. والأرجح أن هذه العملية ستكون مؤلمة ودموية. وفي غضون 20-30 عاماً من الآن، ستكون الخريطة العنصرية والعرقية والسياسية للعالم مختلفة جذرياً عن الخريطة الحالية. المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب تابعوا RT على
مشاركة :