«إكمال العدة منحةٌ من الله لعبده فكم من متمنٍّ بلوغ الشهر لم يبلغه، وكم من بادئٍ لصيامه وقيامه فانقضى أجله قبل انقضاء الشهر، وكم من مُقصِّرٍ لم يحافظ على صيامه وقيامه، فمن منحه الله ما لم ينله أولئك فوفقه لإتمامه فحقيقٌ به أن يفرح وأن يشكر الله على نعمته.. مع انقضاء كل موسم من مواسم الخير يكون المسلم قد أكمل دورة تربوية شديدة الأهمية، واستقبل دورةً تاليةً سيدركها من أُعطي النظِرةَ في أجله، ويُخترمُ دونها من لم يُنسأ له في أثره، وقد خرجنا من دورة رمضان المبارك بكل ما تحمله من معانٍ تربويةٍ تسمو بالمسلم إلى آفاق النقاء، وتصقل نفسه إلى حدِّ الصفاء، ومن خلال الالتزام بنواميسها تظهر قدرة المؤمن على كبت رغباته مراقبة لله تعالى، ويتجلى إيثاره رضوان ربه على شهوات نفسه، ويَضُوعُ عبق أخلاقه متمثلاً في تجنبه الرفث وقول الزور، ومسارعته إلى الخير، وعمارة النهار بالصلاة والليل بالقيام، ثم يكون مسك ختام ذلك الإحسان الواجب بأداء زكاة الفطر طهرة لما يقع منه من رفثٍ ولغوٍ مما لا ينفك عنه غير المعصوم، ويتخلَّل شهرَ المسلم أنواعٌ من الإحسان المندوب، كُلٌّ حسب طاقته وما سمحت به نفسه، ولي وقفات مع حال المسلم وقد أكمل شهره: أولاً: إكمال العدة منحةٌ من الله لعبده فكم من متمنٍّ بلوغ الشهر لم يبلغه، وكم من بادئٍ لصيامه وقيامه فانقضى أجله قبل انقضاء الشهر، وكم من مُقصِّرٍ لم يحافظ على صيامه وقيامه، فمن منحه الله ما لم ينله أولئك فوفقه لإتمامه فحقيقٌ به أن يفرح وأن يشكر الله على نعمته، (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ولا وجه لقول من يتنطع ويدعي مشروعية التَّحزُّن والتفجُّع على نهاية هذا الشهر المبارك، فهذا سوءُ فهمٍ لمقاصد الشرع، وكمال رمضان لو لم يشرع الفرح به لم يجعل اليوم الذي بعده عيداً، وهو مخالفٌ لنصِّ الحديث ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ) متفق عليه، وهذه الفرحة يومية بعد كل إفطار وتبلغ أوجها بإكمال العدة. ثانياً: المحافظة على ما أمكن مما تعود عليه المسلم خلال هذا الشهر، فمن أهم ثمار مواسم الخير كونها معينة على تحول الإنسان من التقصير إلى التشمير؛ لأن الحسنات بردٌ على القلب، وطمأنينةٌ للنفس، وعسى أن يستديم احتساءَ كؤوسها من ذاق حلاوتها، فحريٌّ أن لا يُفلت المسلم عروة التقوى بعد أن استمسك بها، وأن يواظب على قيام الليل بعد أن جرَّب ما يحمله من المعاني العظيمة، وما فيه من التقرب إلى الله ومناجاته، وكونه شغلاً للوقت بما يرضي الله تعالى، وحقيقٌ أن لا يتخلّى عن كفِّ اللسان عن فضول الكلامِ، وكفِّ الجوارح عن الأعمال السيئة، وأن لا يُهمل حمل النفس على الصبر والحلم وتحمل ما يصدر عن الآخرين بعد أن جرَّب ما في هذه الأمور من تآلف القلوب وتجنب المآزق وصيانة حقوق الناس، وحقيقٌ أن يستديم المسلم العلاقة بالقرآن الكريم تلاوة وتدبراً واستماعاً بعد أن حظي في شهر رمضان بمعاهدته، وحريٌّ أن لا يتخلّى عن الإحسان والبذل مثبتاً بذلك ما صنعه أثناء صيامه، فهذه الخصال الحميدة لا يستغني الإنسان عن التقلب بين رياضها والارتواء من معينها. ثالثاً: لما كان الصيام أهم وآكد العبادات المتعلقة بشهر رمضان كان الحفاظ على الصلة معه من أهم ما يُستلهمُ من دروس هذا الشهر، وهو خير معين على أداء بقية الأعمال الصالحة، والانكفاف عن السيئات؛ فكما تصفد الشياطين في رمضان وتغلق أبواب الجحيم، كذلك يُضيِّقُ الصائم المتطوع على الشيطان بصومه، ويُباعدُ بين وجهه وبين النار مقابل كل يوم يصومه لله تعالى، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» أخرجه مسلم، وكما يُحسُّ المسلم بأن رمضان موسم الإحسان والإنفاق فيجود وتسخو نفسه اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم الذي يكون في رمضان أجودَ بالخير من الريح المرسلة، كذلك يُزكي صوم التطوع أخلاقه فيخفُّ عليه الإحسان، وبمكابدته الجوع والعطش يتذكر ما يعانيه المعوزون، فيهون عليه البذل لهم؛ وللصائم دعوة مستجابة سواء صام الفرض أو التطوع؛ ولهذا نُدب تشييع شهر رمضان بصيام ستٍ من شوال فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» أخرجه مسلم، فينبغي الحرص على تتويج إكمال عدة الشهر المبارك بصيام هذه الست، وهنيئاً لمن صام بضعة وثلاثين يوماً فكُتِبَ له صوم السنة!
مشاركة :