الزعيم الحق هو من يختار الوقت المناسب للتحدث إلى شعبه، هو يدرك أن الحوار الدائم مع مواطنيه يفرز مناخا مواتيا للانسجام والتعاضد والتلاحم، هو حتما يعلم أن اطلاع شعبه على حقائق الأوضاع الراهنة والمستقبلية يعزز لديهم الثقة بمستقبل دولتهم في ظل عالم يموج بمتغيرات حدية تسحبه وتجره إلى الخلف سواء كانت بفعل أزمات مصطنعة أو أوبئة متحورة وربما مختلقة. لم أشأ أن أكتب عن حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التاريخي وفضلت التريث والتعمق في دلالات وأبعاد هذا الحوار الاستثنائي المفعم بالأمل والتفاؤل لرجل بطبيعته مقل في كلامه، غزير في أفعاله، أعماله شواهد حاضرة تراها في كل موقع وفي كل مكان، لا يجد المرء عناء في مشاهدتها فهي تطل برأسها في كل شارع وفي كل ميدان، تراها في عيون الجميع مواطنين ومقيمين لا فرق فالسعودية الجديدة لا تفرق بين مواطن ومقيم، فالجميع يحيا على أرضها سواء بسواء. حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمن ليس لديه القدرة على قراءة ما بين الكلمات هو استشراف جلي لملامح المستقبل الزاهر الذي تم التخطيط الواعي له بعد أن نفضت المملكة تراكمات الماضي، وبعد أن تجاوزت الحاضر وخطت بل قفزت بخطى واسعة إلى ما بعد رؤية المملكة 2030، لتصبو إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير متسلحة بروح شابة ضخت فيها الكثير من ينابيع حيويتها لتظل مملكة شابة مهما بلغت من العمر. لم يأبه الأمير محمد بن سلمان كثيراً بالموروث الذي شكل لعقود طويلة حركة في المكان، وأفرز نتوءات شكلت عبئا وعائقا حال دون بلوغ التقدم المنشود واللائق بإمكانات دولة تقود العالم الإسلامي وتريد أن تحتل مكانها اللائق ومكانتها المستحقة بين طليعة دول العالم المتقدم، فالرجل منذ أول يوم أرسى قواعد دولته على العلم والمعرفة، وأزاح كل العوائق دون تصادم بصحيح الدين وسلامة الأعراف والتقاليد الموروثة التي تشكل هامشا لا يستهان به داخل المجتمع السعودي، فالرجل نجح في تحطيم كل التابوهات التي وقفت سدا وحاجزاً أمام تطور السعودية الجديدة، لا شك أنه كان يختزن طموحاته التي حملها بدواخله طيلة سنوات عمره والتي نمت معه عن تصوره لدولة جديدة تنتزع مكانتها بين الأمم، فلم يأبه كثيرا بالغرب القريب أو الغرب البعيد، ولا الشرق الأدنى أو الشرق الأقصى، فجميعهم أثبتت التحديات والأحداث أنهم مجرد أوان فارغة، انتزع الأمير الشاب أوهام ما يسمى بالقوى العظمى من عقول أبناء جيله وأدرك أن المكانة لا تمنح بل تنتزع، فالقوى العظمى ليست سوى أوهام في دواخل بعضنا نبرر بها مخاوفنا ونعلق عليها عثراتنا فمستقبل العالم الجديد له قوانينه التي تحددها أنت بقدراتك وإمكانيتك وجرأتك واستغلالك لمواطن قوتك، فالتاريخ يصنعه الأقوياء ولا مكان فيه للمتراخين والضعفاء. حوار الأمير محمد بن سلمان حمل كثيراً من المعاني، وحفل بالعديد من المعلومات، وبث روحاً إيجابية تخطت حدود المملكة إلى دائرتيها الخليجية والعربية ومحيطها الإسلامي، بعد أن اقتحم كل الملفات، وعالج كل القضايا بحكمة ومنطق ومضامين تستحق البحث والدرس من المتخصصين ولا تكفيها مقالات صحفية عابرة. ** ** كاتب صحفي مصري - مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية بالمملكة
مشاركة :