أدى المسلمون صباح اليوم صلاة عيد الفطر المبارك في المسجد الحرام بعد أن من الله عليهم بصيام شهر رمضان المبارك وقيامه. وأم المصلين معالي المستشار بالديوان الملكي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، حيث حمد الله تعالى وأوصى المسلمين بتقوى الله، عزوجل. وقال فضيلته اعلم – يا عبد الله – أن ما كتب الله لك هو خير لك مما تمنيت، فلا تسمح لجهالة ساعة أن تمسح صداقة سنين، فالتغافل من شيم الكرام، واعلم أن النقد – كما يقول شيخ الإسلام – داء ينسي حسنات الناس، ويذكر مثالبهم، المبتلى بالنقد يدع مواضع الصحة والسلامة، ويقع على مواضع الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس، وفساد المزاج، وليكن لك – يا عبدالله – خبيئة صالحة، لا تطلع عليها الأعين لتمدحها، ولا تسمعها الآذان لتثني عليها خبيئة لله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا الخبيئة الصالحة : صلوات تصليها، صدقات تخفيها، أذكار ترددها، آيات تتلوها، ودموع تنثرها، كُرْبٌ تفرجها، يتيم تكفله، وبئر تحفره، أعمال تكتمها، لا القريب يعرفها، ولا ألات التصوير ترصدها، ويوم القيامة تبلى السرائر. وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام يقول أيها المسلمون : أديتم فرضكم، وأطعتم ربكم، وصمتم شهركم، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وصالح الأعمال، وعيدكم مبارك، افرحوا بفطركم كما فرحتم بصيامكم، جعل الله سعيكم مشكورا، وذنبكم مغفورا، وزادكم في عيدكم فرحة وحبورا، وبهجة وسروراً، وعجل الله رفع هذا البلاء، ودفع عنا الوباء. وبين أن الهموم على كثرتها، والمآسي على ثقلها، والغموم على عظمها، لا ينبغي أن تكون مانعا من الحديث عن المبهجات والمسرات، واذا لم يكن الحديث عن الأحوال السارة، والأمور المبهجة في يوم العيد فمتى يكون وهل يكون عيد من غير بهجة، وهل يتم عيد من غير جمال، وزينة، فكلوا واشربوا، وتزينوا، وتجملوا، ولباس التقوى ذلك خير أيام العيد أيام بشر، وبهجة، وسرور، وفرح، وترويح، وحبور يوم فرح، ويوم زينة ومرح ليس مطلوباً أن تُذرف الدموع في يوم العيد بكاء على المآسي، ولا أن يعلو الحزن علي المحيا انشغالا بالهموم، ليس العيد لإحياء الأحزان، وتذكر الآلام، فهو يوم البهجة والزينة، ويوم التزاور، والمحبة، والتهادي لم يعط العيد حقه من استقبله بهمة فاترة، ونظرة عابسة. وأكد فضيلة الشيخ بن حميد أنه من حق أهل الإسلام يوم عيدهم أن يسمعوا حديثاً مبهجا وكلاما مؤنساً إذا كان ذلك كذلك فالحديث عن الترويح في هذه الأيام السعيدة هو حديث المناسبة، ومن مُنِح الترويح فقد منح السماحة والابتسامة، والنفسُ الجادة الناجحة تحتاج إلى الراحة والابتهاج، راحةِ تُجِمُّها، وترويح يُرَوِّحُها، وفسحة تُرِيْحهُا، ترويح لا يحول بينها، وبين العزيمة والإنتاج. وقال فضيلته معاشر الإخوة: ومن أجل هذا كله فقد جاءت شريعة الإسلام على وجه الكمال، والاعتدال، والوسطية، والتوازن، كمال وتوازن تطيب معه الحياه، وتسعد به البشرية، وتستقر به النفوس،دين يراعي الفطرة البشرية التي أودعها الله في النفس الإنسانية، دين يتعامل مع طبيعة الانسان وواقعه، وميوله، ودوافعه. وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن شمولية هذا الدين تبرز بتشريعاته لجميع جوانب حياة الانسان الجسمية، والروحية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، فيأخذ البدن نصيبه من الاستجمام والراحة، وتأخذ الروح حقها في الترويح والمرح، ليتقوى الروح والبدن على القيام بحق العبودية الشاملة. وأبان أن الإسلام يراعي الفطرة الإنسانية، ويلبي الاحتياجات النفسية والبدنية، بتوازن واعتدال وحين شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الأحباش يلعبون قال: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، وأني أرسلت بحنيفية سمحة ” رواه أحمد ليس في الإسلام رهبانيةٌ مبتدعة تُثْقِل بآصارها، وليس فيه لهو وفراغ يُنْسِي النفوس الغاية من خلقها، ولكن فيه الموازنة بين مسؤولية النفس وحقوقها، ومتطلبات الدنيا والآخرة. وواصل الشيخ بن حميد يقول معاشر الأحبة: وأهل العلم يعدون المزاح والترويح هديا نبويا، ومقصدا شرعيا، فهو داخل في مقصد التحسينات ومقصد التحسينات عند أهل العلم: هو الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات، ويجمع ذلك كله مكارم الأخلاق. وبين أن من معاني الترويح: السعة، والفسحة، والانبساط، وتسلية النفس، وتجديد النشاط، وإدخال السرور، وإزالة التعب، والانتقال من حال إلى حال أكثر تشويقا وسرورا، وهو الموصل للألفة بين الإخوان، والمقرب بين الأهل والخلان، مشيرًا إلى أن الأصل في حياة المسلم الجد والعمل، وحفظ الوقت بما ينفع، غير أن الطبع المكدود بالجد يحتاج إلى الراحة والترويح، والتعليل بشيء من المرح والمزاح وليعلم أن الترويح والمزاح للنفوس هو : كالملح للطعام، قدراً وذوقاً. وأورد فضيلته صورة الجمع بين الترويح والجد في هذه الصورة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعن بكر بن عبد الله قال: “كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون البطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال” “أي يرمي بعضهم بعضا” وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فاذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه” أخرجه البخاري في الأدب المفرد. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام معاشر الأحبة: الترويح مباسطة على جهة التلطف، والاستعطاف، والاستلطاف، مما يبعد عن طبع الثقلاء، ويباعد عن مسالك البُغَضاء، من غير أذية، ولا سخرية، ولا استهزاء بالترويح يتحقق التوازن بين متطلبات الانسان في حياته فلا يغلب جانب على جانب يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: “إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو ليكون ذلك أقوى لي على الحق” وللترويح أثره في التخفيف من التوتر، والقلق، والاكتئاب، والسلبيات، التي يتعرض لها المرء في حياته. وبين أن الترويح السليم المنضبط يسهم في الإبعاد عن التفكير في الانحرافات، والعادات السيئة، كما يزرع الثقة، والإيجابية، والتفاؤل والترويح يدفع إلى مشاركات فاعلة في تنمية المواهب والابداع، ويكسب مهارات وخبرات، ويهيئ للإنتاج والابتكار وحينما يكون الإنسان بين بطالة قاتلة وجدِّية صارمة، فإن الترويح يدفع الملل والضجر، ويزيل ضيقَ الصدر، يفتح الآفاق من أجل مزيد من العلم والعمل، مسابقةٌ بالأقدام، ومنافسةٌ في الأقلام، وقوة لتربية الأجساد، وتعلمٌ للرمي، وللسباحة، وللفروسية، به يصفو الذهن، ويستعد للتفكير والتدبر، وبه يستريح ليواصل عمله بنشاط وجد وإقبال. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الترويح المنضبط المنظم هو من حسن الاستثمار لوقت الفراغ بما يعيد النشاط، ويجدد الطاقة البدنية والروحية والترويح في الإسلام عملية بناء فعالة تثير الهمم والمنافسات، فهي من أكثر الوسائل أثراً، وأحسنها في التربية تأثيراً إذا أحسن استغلالها، وتوظيفها، والاستفادة منها، وما أجمل أن يتعلم الصغار، ومن بعدهم الكبار عن طريق الأنشطة الترويجية والترويح وسيلة تخدم مقاصد ومصالح تبنى في ظلها سمات الشخصية. وأوضح أن ومن كمال هذا الدين وسعته أن العبد يثاب على العادات إذا قصد بها الَّتَقِّوي على الطاعة، والنشاط من أجل العبادة، وحفظ النفس ونفع الناس، وقد قال معاذ رضي الله عنه : ” إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي” ويقول بعض السلف : أني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب. وأفاد بأن الترويح ثابت المعالم متجدد الوسائل، يراعى فيه ألا يزاحم الأعمال الجادة، بل هو نشاط يعيد الجدية، ويجدد الحيوية وترويح لا يشغل عن المهمات، ولا يسقط المهابة والوقار، ولا يؤذي الناس يراعي فيه الحق، والصدق، والمباح، حتى يكون جاريا على نظام الشريعة، مطابقاً لمقاصدها، وقواعدها ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا ترويح لا يُخلِّف أحقادا، ولا يورث أضغانا، ولا يدعو إلى سخرية ترويح لا ينفلت من العقال، ولا يُماَرس في جميع الأحوال، ولا يستنزف الطاقات، ويضيع الأوقات، ويصرف عن العبادات، و يشغل عن المطلوب من المعاملات والتعاملات ولا يصرف عن مهمات الدين والدنيا. وقال فضيلته لقد فرح المصطفى صلى الله عليه، وأذن لأهله وللمسلمين بالفرح والترويح، والمشاهدة، وترك الأحباش يلعبون، في المسجد، وأذن في العيد باللهو، واللعب، ما لا يكون في غيره، وقال في الجاريتين: “دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا، فإن في ديننا فسحة، فالجد الصارم يُمِلُّ، والمنبت لا أظهراً أبقى، ولا أرضا قطع، مبيناً أن المسلمين يقيمون أعيادهم ومناسباتهم، ويفرحون بها، رجالاً ونساء، وصغارا، وكبارا، ويترخص فيها من الأعمال، والتصرفات، ويتسامح فيها مالا يتسامح في غيرها، مما يتماشى مع الفطرة الإنسانية. واستشهد إمام وخطيب المسجد الحرام ببعض الأقوال والنقول المأثورة عن القدوات من الصحابة والسلف رضوان الله عليهم يقول علي رضي الله عنه: أَجِمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان ويقول بن مسعود رضي الله عنه : أغيثوا القلوب فإن القلب إذا أكره عمى ويقول أيضا: إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترة وإدبارا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها ويقول عمر بن عبد العزيز: تحدثوا بكتاب الله وتجالسوا عليه، وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال حسن جميل وقد قرى في التنزيل: ” في شغل فاكهون “، و ” في شغل فكهون “، فمن قرأ : ” فاكهون “، فمن اللهو، ومن قرأ: ” فكهون “، فمن المزاح وقبل ذلك وبعده ما جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي انصرفت فاقدروا الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو “. وأكد معاليه أن العيد مناسبة كريمة لتصافي القلوب، ومصالحة النفوس، مناسبة لغسل أدران الحقد والحسد، وإزالة أسباب العداوة والبغضاء، إدخال السرور شيء هين، تسر أخاك بكلمة أو ابتسامة أو ما تيسر من عطاء أو هدية، تسره بإجابة دعوة أو زيارة. أين هذا ممن قل نصيبه، ممن هو كثير الثياب قليل الثواب، كاسي البدن عاري القلب، ممتلئ الجيب خالي الصحيفة، مذكور في الأرض مهجور في السماء – عياذا بالله – فافرحوا وادخلوا الفرح على كل من حولكم، فالفرح أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته. وبين الدكتور صالح بن حميد أن من مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامة العبد على نهج الطاعة والاستقامة وإتباع الحسنة الحسنة، وقد ندبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لأن تتبعوا رمضان بست من شوال فمن فعل فكأنما صام الدهر كله،تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
مشاركة :