ذلك أنّ الحرب العالمية الثانية بشراستها وغطرستها، حققت مآرب الحاقدين على الإنسانية. فكانت حربًا لا تُبقي ولا تذر ذبـَّاحةً للبشر، الذين دخلوا في أُتونها من غير إذنٍ منهم، لكنهم خرجوا منهكين يتراكضون لتحقيق: (السلام للعالَم) الذي سيوقف الدماء ويحقق النهوض بالحضارة. وفعلا تحقق السلام، إلا أنّ حاقدًا اسمه: «بلفور»، وهو أحد منظري الحرب العالمية، وممن كانوا لعنة على العالم في تقتيل وتشريد أكثر من مائة مليون إنسان، فبلفور «منظر الحرب» لن يقبل بالسلام للعالم، فحثى التراب على رأسه هو وأمثاله وهم يرون بحيرات الدماء تجف، فخططوا لفكرة تبقي على نار الحرب مستعرة وعلى زناد البارود معبَّأً. فكرة تتمثَّل: بوعد بلفور: «في إقامة وطنٍ بديل لليهود في فلسطين». والواضح لمن يقرأ التاريخ جيّدًا، أنّ الوعد بفلسطين ليس عبثيًّا ولا عاطفيًّا ولا حقوقيًّا، فلا شيء سوى أنّ فلسطين قلب العالم، وأنّ بيت المقدس مفصل إذا أمسك به «زبانية الحرب» سيشكلون خطرا على السلام العالميّ الذي به تضمحل مستنقعات صناع الحرب الآسنة. ويتحقق الوعد.. في يوم انتهاء الاستعمار البريطانيّ على فلسطين، وبتنكيس علَم بريطانيا العظمى -التي تغيب بسببها شمس الحرية-، فيَنزل علم الاستعمار وبنفس الدقيقة يُرفع علمُ الاغتصاب اليهوديّ الصهيونيّ، تحقيقًا للوعد المشؤوم الذي قتَل أمل الفلسطينيين بالحريّة. يومها.. تركت بريطانيا الشعبَ الفلسطينيَّ الذي وثق بانتدابها لتنقل حضارة بريطانيا إلى شعوب المنطقة عبر الشعب الفلسطينيّ المثقف، ولكنها نقلت لهم عدوًّا غاشما يأكل الأخضر ويحرق اليابس، فنكبَ أهل الحقِّ ونكث أرضهم، ومزّق شملهم. نعم.. تركت بريطانيا في فلسطين الأسلحة المتطورة والمعسكرات التي تدربت بها طلائع اليهود، تركتها لليهود، في حين أنّ الرصاصة الفارغة «الفشكة». كانت جريمة في حقّ الفلسطينيين أيام الانتداب. وتركت السلاح لينعم مصاصو الدماء، بِشُربِه من أجساد الفلسطينيين. يوم النكبة.. وبمحاذات المعسكرات البريطانية التي تربى وتدرب فيها اليهود، ترك الفلسطينيون من أهل الساحل كلّ شيء فرارا بأرواحهم، وما أخذا معهم سوى: «مفتاح الدار». تركوا قصورهم وبيوتهم ومتاجرهم وموانئهم ومزارعهم وحضارتهم وأخذوا معهم شيئًا من التاريخ ليشهد لهم أنّهم هنا منذ فجر التاريخ، وأنّ العابرين من العبرانيين خرجوا من مدفع الانتداب. جاءت الحرب ونكص السلام: فمع المجازر انتهى السلام وجاءت الحرب بشرها وشرارها، وما أشبه اليوم بالأمس. ففي ذكرى النكبة: (73)، يتمثّل أمامنا منظِّرُوا الحرب، وهم يبددون خطوات السلام التي تأتي على استحياء، وتُدبر ولها أزيز كأزيز الطائرات. وأمّا منظّروا السلام في العالم، فهم يتعبون ليل نهار ليحفظوا للإنسانية كرامتها، ويمنعون مواجهات الأمم بينها، لينعم العالم بأمن وأمانٍ، إلا أنّ أحبابَ الحروب والمجازر يتنكبون طريق السلام، ويخرِّقونه ويضعون العثرات فيه، فهم يجيدون فنّ الانهدام ويعشقون الدمار، ولا يحبون السلام حتى لأنفسهم، فقد سجدوا لإبليس ليكونوا أعداءً لأبناء عدوّه، وصنعوا من جماجم الأطفال والأبرياء كرسيًّا يجلس عليه إبليسُ لينالوا رضاه. وحتى لا يتآكل مفصل السلام العالميّ في القدس، فينهار على الإنسانية، فلْيأخذ العقلاء بأيدي الأغبياء، ولْنحاول جاهدين إعادة ضبط المبادئ عند مَن تخلى عنها. ولْيكن قادة العالم «الحكماء» والشعوب الوفية في طليعة من يقدمون للإنسانية خدمة عظيمة، بتعريف العالم: حقيقةَ ماذا يجري في فلسطين. فالمسألة ليست مسجدًا والسّلام، بل هو مسجد إذا ارتجّ على الدنيا السلام. agaweed1966@gmail.com الرأي
مشاركة :