مللنا خرائط الطريق في كل القضايا العربية.. فذلك الكيان الوهمي المسمى المجتمع الدولي، أو الأمم المتحدة لا عمل له سوى رسم خرائط الطريق لأمتنا المكلومة.. ويحلو لي دائماً أن أردد على مسامع كل من يحاورني: لقد رسموا لنا الخرائط، ولكن أين الطريق؟ خرائط كثيرة ولا يوجد طريق.. وكل مبعوثي المنظمة الورقية المسماة الأمم المتحدة فشلوا في تحديد الطريق ونجحوا فقط في رسم الخرائط.. والأوضاع قبل جمال بن عمر، وولد الشيخ ، وبرناردينيو ليون، ودي ميستورا كانت أفضل في اليمن وسوريا وليبيا.. وخرائط الطريق بدأت من فلسطين ولم تنته حتى الآن.. وكل الطرق تؤدي إلى نقطة الصفر.. والمنطقة العربية امتلأت عن آخرها بمن أسميهم (المشخصاتية)، لكن لا يوجد فيها أطباء ومعالجون.. كلنا عباقرة في تشخيص الداء، لكننا أغبياء في وصف العلاج.. وفي السياسة كما في الطب تقدمت جداً طرق التشخيص، لكن وسائل العلاج والأدوية لم تتقدم خطوة.. والمرضى صاروا أكثر خبرة من الأطباء في التشخيص، لكن أحداً لا يعرف العلاج.. والأدوية السياسية التي نصفها نحن أو يحددها ما يسمى المجتمع الدولي والأمم المتحدة تؤدي إلى تفاقم الأمراض ولا تؤدي أبداً إلى الشفاء.. والخرائط التي مللنا رسمها تجعلنا نضل الطريق أكثر والإعلام العربي ضليع في التعمية ولا يعرف عن التوعية شيئاً. وخرائط الطريق تشبه تماماً شعار «الإسلام هو الحل» الذي أطلقه «الإخوان» كثيراً لسرقة الثورات والإنجازات والأوطان تحت عباءة الدين! وكما أننا نعرف الخرائط ونضل الطريق، فإننا نعرف الحل، ولكننا لا نعرف الإسلام الذي يريدون، فأي إسلام هو الحل؟ ونكاد نؤكد أن هناك إسلاماً لكل فرقة هالكة.. وأن هناك إسلاماً لكل فرد في هذه الأمة -فقد جعلوا الإسلام مقاسات- كل إنسان له مقاسه الخاص والمناسب له حتى جعل هؤلاء الإسلام هو المشكلة وليس الحل. وعندما يفشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة في حل مشاكل العرب، فإن هذا الفشل لا يصدمنا، بل هو معروف مسبقاً لأن المجتمع الدولي هو الذي يصنع مشاكل العرب وهو الذي نطالبه بحلها ولا يمكن لمن صنع المشكلة أن يحلها. لا يمكن لمن دمر ليبيا، وسوريا، والعراق، وكاد يدمر اليمن أن يجد حلاً.. لا يمكن لمن هدم أن يعيد البناء. واللوم أولاً وأخيراً على العرب ولا تثريب على المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة.. فهذا المجتمع الدولي، وهذه المنظمة الوهمية هما ملجأ الضعفاء وملاذ قليلي الحيلة (والمتغطي بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي عريان). منذ خلق الله الأرض ومن عليها هناك مبدأ لم يتخلف لحظة واحدة، وهو أن القوي يفرض شروطه ويحكم الضعيف ويوجهه. وبقدر ما يكون ضعفي تكون قوة خصمي.. وعفو الضعفاء وتسامحهم غير مأجور، لكن المأجور عفو القوي القادر.. كما أن حلم الضعفاء وصبرهم على الدنية غير مأجور، لكن المأجور حلم وصبر القوي المقتدر.. وثقافة القوي المنتصر ومبادئه هي التي تسود. ولنا في الممالك والدول عبر التاريخ عبرة وعظة، ومنها الدولة الإسلامية التي فرضت ثقافتها وعلمها ومبادئها عندما كانت قوية، لكنها عندما ضعفت أصبحت كعكة طريَّة يتقاسمها القاصي والداني وفقدت مناعتها تماماً وأصيبت بالإيدز الفكري والسياسي ولم تعد لها شخصية، بل صارت أمتنا كلها ببغائية تنعق بما لا تسمع وتقلد وتردد الأصوات دون أن تفهمها.. بل صارت جزءاً أصيلاً من مؤامرة ضد نفسها وصارت أمة «سادية» تتلذذ بتعذيب الآخرين لها.. وإذا توقفوا عن تعذيبها تقول: هل من مزيد؟ لم تعد لهذه الأمة شخصية منذ أصابها الوهن فصارت خليطاً مشوهاً من ثقافات الآخرين الذين تداعوا عليها كما تتداعي الأكلة على قصعتها. تحول العرب على مستوى الدول، وعلى مستوى الأورام الإرهابية الخبيثة في الجسد العربي الواهن إلى عصى يضربهم بها الآخرون ولم يعد لهم خيار، فالخيار للأقوياء فقط، وعندما قالوا إن السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب مع إسرائيل، كان قولاً ضحكت منه كثيراً؛ لأن السلام مع إسرائيل ليس خياراً، بل هو اضطرار الضعفاء الذين لم تعد إسرائيل عدواً لهم لأنهم أصبحوا أعداء أنفسهم بامتياز! ولنا في «عاصفة الحزم» باليمن عظة أخرى، فعندما انطلقت فوجئ العالم كله بأن الأمة التي ظنها ميتة ما زالت على قيد الحياة وقادرة على الفعل.. وتمكنت القوة العربية في اليمن من فرض واقع جديد تجاوز ولد الشيخ وتجاوز قرارات مجلس الأمن.. ووجد المجتمع الدولي نفسه أمام إرادة عربية لابد أن يُحسب لها حساباً.. بعد أن ظن هذا المجتمع الدولي أن السكوت العربي والتردد العربي، بل والضعف العربي، سيكرر في اليمن سيناريو العراق وسوريا ولبنان وليبيا. والسؤال الذي لا أجد له جواباً: هل ما حدث في اليمن سيكون بيضة الديك ولن يتكرر أبداً، أم أن العرب وعوا الدرس وسيأخذون أمرهم بأيديهم؟ الحق أنني لا أظن أن الفعل العربي باليمن سيتكرر، أو أن العرب سيتولون أمورهم بأنفسهم، ولا أظن أن القوة العربية المشتركة سترى النور.. ولا أظن أن العرب سيتوبون عن رذيلة اللدغ من الجحر الواحد ألف مرّة.. ولا أظن أن الفشل الدماغي والفكري العربي سينتهي.. ولا أظن أن نظرية الاعتماد على الآخر ستنتهي، أو أننا سنكف عن تحميل الآخر مثل المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة مآسينا ومعاصينا لأن النظرة الضيقة للأمور متواصلة.. ولأن انكفاء كل دولة على ذاتها مستمر، ولأن الأورام السرطانية المنتشرة في الجسد العربي، هناك دولة تراها خبيثة وأخرى تراها حميدة.. دولة تراها إرهابية وأخرى تراها معارضة تنازعنا، ففشلنا وذهبت ريحنا.. وهذا هو الكلام الصريح في أسباب الفشل وذهاب الريح! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
مشاركة :