الشاعر الراحل محمد العبدالله … كرِه الشعر وأبدع بكتابته!

  • 5/16/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر اللبناني محمد العبدالله الذي رحل بشكل مفاجئ في بيروت ( 1946/2016)، مخلفا حسرة لدى مثقفين عايشوه. يتميز بقصائده ومواقفه التي اتسمت دائما بالنقد اللاذع والشجاعة. ولد العبدالله في قرية الخيام جنوب لبنان سنة 1946. وتحصل على إجازة في الفلسفة من الجامعة العربية ببيروت 1973، وعلى شهادة الكفاءة في الأدب العربي من كلية التربية – الجامعة اللبنانية، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1975، وعلى شهادة السوربون الثالثة 1977. اشتغل بالصحافة في صحف ومجلات مختلفة .كما قدم بعض الأعمال الإذاعية. رسالة بيروت – إسماعيل فقيه من أهم إصداراته الشعرية : “رسائل الوحشة” 1979، و”بعد ظهر نبيذ أحمر …بعد ظهر خطأ كبير” (شعر – قصص) 1981، و”حبيبتي الدولة” 1990، و”بعد قليل من الحب، بعد الحب بقليل” 1992، و”قمر الثلج على النارنج” 1998، وغيرها. كان محمد العبدالله شاعرا يكره الشعر، ويكره أن يكون شاعرا. أعتقد أنه كان دائما يطمح لو أتيحت له الفرصة لمراقبة الأشياء وهي تتشكل وتتحول، لكان ذلك بالنسبة إليه النعمة التي لا تقارن بشيء. كان يكتب ليراقب الكتابة وهي تتحول إلى أشياء أخرى، لذا فإن علاقته معها كانت مرتبكة ويسودها نوع من التجاذب الوجداني الذي يجمع حدي الحب والكره في آن معا، دون أن يستقر على حالة واحدة. الأكيد أنه في اللحظة التي تتحول فيها هذه المفردات إلى قصيدة، فإن العلاقة معها تستقيم وتنتظم في إطار الكره، وذلك لأنها تتوقف عن الدوران والسيلان، وتصبح مجرد قصيدة أخرى، كتبها شاعر آخر كان يرفض أن يكون مكانه. فقد كان هذا الرجل يرى الشعر ممكنا فقط في حالة القابلية للتوظيف والاستعمال. الشعر القابل للاستعمال كان الهدف الذي كرس كل كتابته من أجله، ومن هنا كان دائما محتاجا إلينا نحن القراء كي لا يموت بموت أهداف كتابته ووظيفتها. الحاجة إلى الآخرين قاتلة للشاعر وشعره، فهو كان قد عمل على بلورة بنية شعرية ضد الشعرية كلها. كان يكتب شتائم، وتلطيشات، ودعايات وكان يبيع في نصه سندويشات، ويحض على الشراهة، والشهوة، والغضب، والنزق، وفقدان الصبر، كما على الحب، وطول البال. نصه مستودع حوارات ممكنة ومعروفة ومألوفة، ولكنها تتخذ بين يديه صيغة التشكل البنيوي، الذي يجعلها تصبح تعبيرا عن حالة مفتوحة ومستمرة. الألم كما يقوله كان ألما لا يرجو الخلاص ولا الشفاء، وكذلك الحب والشتائم والجسد، ولكن في كل هذه الأحوال غير القابلة للانتهاء، كان يكمن اليأس الساخر من كل شيء، ومن الذات أولا. هذا اليأس حول نص العبدالله إلى سمفونية ساخرة، عبر عملية تقزيم خبيثة وشيقة تضع كل شيء في مواجهة أصوله الطبيعية العادية، فيتعرى من هالته، ومن حجمه، ومن سحره، ويظهر مشعا بسحر جديد، هو سحر الألفة التي لم يعد أحد يألفها. في رثائه لكمال جنبلاط كتب “منفلفش الجريدة ومنسأل الجريدة اسمك وينو”. مأساوية غياب القائد كانت تكمن في غيابه عن المشاركة في تكوين السيرة اليومية والعادية للناس والتي تلتقطها الجريدة. وصل في اتكائه على المفردات المسروقة من مجال الألفة إلى حدود استخدام لفظة “لبطني” في إحدى قصائده المغناة فقال “أحد الإخوان لبطني”. الجريدة واللبطة ينتميان إلى العوالم التي هجرها الشعر والشعراء، وهي عوالم الفعل، فالشعر كما كان يراه العبدالله لم يكن قولا ولا كلاما، بل كان فعلا يمارس نفسه في التحول الدائم إلى حياة، يجب أن يدافع عنها وأن تعاش دوما. العبدالله كان ذلك الزاجر الذي يؤنب الشعراء والقراء لانهماكهم في وصف الحياة بدل المشاركة فيها، ولتأملهم السلبي والعاجز في موت الجمال بدل المشاركة في إحيائه وإنقاذه، ألم يقل مخاطبا الجميع “لا تقل آه للوردة الذابلة بل تقدم واسقها يا حمار”. شاعر كبير اسمه محمدالعبدالله حضر الى الحياة والشعر حضور الصعاليك والملوك في آن واحد. وغادر الحياة متواريا في ظلال حضوره الذي لا يفارق.

مشاركة :