طهران - ينفتح المشهد السياسي الانتخابي في إيران على المزيد من الغموض مع ترشح شخصيتين بارزتين متناقضتين سياسيا. ورسم اسمان بارزان في أوساط المحافظين الإيرانيين، المعتدل علي لاريجاني والمتشدد إبراهيم رئيسي، إلى حد كبير معالم الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، مع إعلانهما الترشح السبت في اليوم الأخير من المهلة الرسمية للقيام بذلك. وبكّر لاريجاني الرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان) وأحد أبرز وجوه السياسة الإيرانية لأعوام طويلة، بالحضور إلى وزارة الداخلية صباح السبت لتقديم ترشيحه، قبل ساعات من نهاية مهلة الأيام الخمسة لتسجيل الترشحات. أما حجة الإسلام رئيسي الذي يشغل منذ 2019 منصب رئيس السلطة القضائية، فأعلن ترشحه بداية ببيان نشرته وسائل الإعلام الإيرانية، قبل الحضور إلى الوزارة لتقديم ملفه وفق ما تقتضيه الإجراءات القانونية الرسمية. ورغم أن الإعلام الإيراني حفل بتكهنات في الأسابيع الماضية بشأن احتمال ترشحهما، أبقى لاريجاني (63 عاما) ورئيسي (60 عاما) حسم الترشح لما قبل ساعات من انقضاء مهلة الأيام الخمسة للتقدم لانتخابات 18 يونيو/حزيران لاختيار خلف للرئيس المعتدل حسن روحاني. ولا يحق للأخير الترشح هذه المرة بعدما شغل الرئاسة لولايتين تواليا، الحد الأقصى المسموح يه دستوريا لتولي المنصب بشكل متتال. وبعد انتهاء تسجيل الترشيحات مساء، يتولى مجلس صيانة الدستور دراسة أهلية المرشحين قبل المصادقة على اللائحة النهائية للأسماء. وكما حصل سابقا، يتوقع أن ينال كل من لاريجاني ورئيسي، مصادقة المجلس. وخاض لاريجاني عام 2005 الانتخابات الرئاسية التي شهدت فوزا غير متوقع للمحافظ المتشدد والشعبوي محمود أحمدي نجاد، بينما كان رئيسي أبرز منافس لروحاني في 2017. وفي المقابل، تستبعد وسائل إعلام إيرانية للمصادقة على أسماء أبرزها أحمدي نجاد الذي رُفض ترشيحه في 2017، وغالبية المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي. ويطغى اسما لاريجاني ورئيسي على بقية المرشحين ومنهم العديد من ذوي الخلفيات العسكرية. وحض المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في الآونة الأخيرة، الإيرانيين على المشاركة بكثافة في الانتخابات. وأجريت عملية الاقتراع الأخيرة (انتخابات مجلس الشورى) في فبراير/شباط 2020، وسجلت فيها نسبة امتناع قياسية تجاوزت 57 بالمئة، وانتهت بهيمنة المحافظين على البرلمان. ويعد لاريجاني من مؤيدي الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى والذي أتاح رفع العديد من العقوبات عن طهران مقابل خفض أنشطتها النووية، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، ويعيد فرض عقوبات انعكست سلبا على الجمهورية الإسلامية. ويتوقع أن يكون هذا الاتفاق الذي تجري إيران والقوى الكبرى حاليا مباحثات لإحيائه، إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، محاور أساسية في الانتخابات. وأبرز لاريجاني اليوم السبت أولوية الاهتمام بالوضع الاقتصادي، معتبرا أن "السياسية الخارجية للبلاد يجب أن تهدف إلى تسهيل العلاقات الخارجية من أجل النمو الاقتصادي للبلاد". وفي انتقاد ضمني لمرشحين آخرين، رأى أن "الاقتصاد ليس ثكنة عسكرية أو محكمة يمكن أن تتم إدارته بالصيحات أو الأوامر"، مشيرا إلى أنه يترشح لشعوره بأن "الموجودين على هذا المسار (الترشيحات) غير قادرين على حل المشاكل الاقتصادية الأساسية للبلاد". ويعد لاريجاني من أبرز الوجوه الحاضرة في السياسة الإيرانية على مدى الأعوام الماضية. ولدى ترشحه المرة الأولى، كان يقود المفاوضات الإيرانية مع القوى الكبرى في الملف النووي، قبل أن يبتعد عن هذا الدور في أعقاب انتخاب أحمدي نجاد نظرا لتباين وجهات النظر بينهما حول مقاربة هذا الموضوع الشائك. وشغل رئاسة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بين 2008 و2020، ويعد حاليا مستشارا للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. ويُعد كذلك من السياسيين المعتدلين في التيار المحافظ. وخلال رئاسته مجلس الشورى كان مساندا لروحاني الذي انتخب عام 2013 وفق برنامج انفتاح سياسي، وأبرم في عهده الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني عام 2015. وتخوض طهران والقوى الكبرى مباحثات منذ مطلع أبريل/نيسان لمحاولة إحياء الاتفاق وضمان عودة كل من الولايات المتحدة وإيران إلى تنفيذ التزاماتهما الكاملة بموجبه. من جهته، ركز رئيسي على مسألة حقوق الفقراء. وفي بيان إعلان الترشح، شدد على أن "النضال المستمر ضد الفقر والفساد والاذلال والتمييز" ستكون العناوين العريضة لولايته الرئاسية في حال انتخابه، علما بأنه رفع شعارات مماثلة في انتخابات 2017 التي خسرها أمام روحاني. ويرجح أن يدفع ترشيح رئيسي العديد من السياسيين المحافظين، مثل رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، إلى الإحجام عن الترشح. ونال رئيسي في انتخابات 2017 نحو 38 بالمئة من الأصوات، لكن ذلك لم يحل دون فوز روحاني بولاية ثانية وذلك من الدورة الأولى للاقتراع. وقدم رئيسي نفسه يومها على أنه "مدافع عن الفقراء"، واعدا بزيادة المعونات المباشرة المقدمة إليهم وعوّل بشكل أساسي على أصوات الفئات الفقيرة والمهمشين اقتصاديا. ولدى ترشحه حينها، كان يتولى شؤون العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد بشمال شرق البلاد. وفي 2019، عينّه خامنئي رئيسا للسلطة القضائية، داعيا إياه لمواجهة "الفساد". ومن المقرر أن تعلن أسماء المرشحين رسميا بحلول 27 مايو/ايار، على أن تبدأ في اليوم التالي حملة انتخابية لعشرين يوما.
مشاركة :