بدا سوق الأسهم الأمريكي متماسكًا وهادئًا منذ مارس الماضي، عندما أفصح الفيدرالي عن نواياه بعدم المساس بمعدلات الفائدة لفترة طويلة، إيمانًا منه بأن التضخم سيبقى ضمن نطاق السيطرة على الرغم من التسارع القوي المتوقع لنمو الاقتصاد. الفيدرالي منذ ذلك الحين أكد مرارًا وتكرارًا رؤيته، وعدم توقعه قفزة حادة في أسعار المستهلكين، وإن حدث ذلك فعلى الأرجح لن يكون ذلك مستدامًا، وسيتراجع معدل التضخم في البلاد إلى المنطقة الدافئة سريعًا، بحيث لا يستدعي تدخلا من السياسة النقدية لمعالجة تداعياته. قادت هذه التطمينات الأسهم الأمريكية إلى تسجيل مستويات قياسية متتالية، ومكاسب قوية على مدى شهر أبريل الماضي، رغم تبني البعض نهجًا أكثر حذرًا لتوقعهم خروج معدل التضخم عن السيطرة، فيما رجح آخرون أن تشهد الأسواق اختبارًا قريبًا. لم يتأخر الاختبار بالفعل، وفي الأسبوع الماضي، كشفت البيانات الرسمية، تسجيل الولايات المتحدة أعلى مستوى تضخم في 12 عامًا خلال أبريل الماضي، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد 4.2% على أساس سنوي، ما فاق التوقعات التي أشارت إلى 3.6%. الفيدرالي من جانبه حاول تهدئة جموع المستثمرين بالقول إن هذا التسارع ناجم عن عوامل مؤقتة، وإنه لن يستمر طويلًا، لكن هل تستجيب الأسواق لهذه الرسائل التطمينية أم أن هناك ضغوطًا أخرى تقودها إلى القلق؟ أسباب التضخم المفاجئ - توضح إحصائيات وزارة العمل الأمريكية أن قفزة الأسعار الأخيرة كانت مدفوعة بظروف غير متكررة، ومن غير المرجح أن تستمر، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار السيارات والشاحنات المستعملة بنسبة 21% مقارنة بشهر أبريل 2020. - أيضًا بالمقارنة بمارس، نمت أسعار المركبات المستعملة بنسبة 10%، وهي أكبر زيادة شهرية منذ بدء جمع البيانات الحكومية عن أسعارها في عام 1953. ربما كان الدافع وراء ذلك جزئيًا هو النقص في رقائق الكمبيوتر اللازمة لصنع سيارات جديدة، مما أدى إلى زيادة الطلب على المركبات المستعملة. - بالإضافة إلى ذلك، كانت أسعار شهر المقارنة (أبريل 2020) منخفضة للغاية بسبب الجائحة وتدابير الإغلاق، حيث نمت بنسبة 0.3% فقط مقارنة بنفس الشهر من عام 2019، لذا فإن قراءة أبريل 2021 مرتبطة بشهر كانت أسعاره منخفضة بشكل غير عادي، مما يجعل التضخم يبدو أسوأ مما هو عليه في الظروف الطبيعية. - تبدو بالفعل ظروف شهر أبريل استثنائية، لكن بعد ذلك، يمكن أن تؤدي مشكلة النقل فجأة إلى ارتفاع أسعار اللحوم والبيض، ومن ثم قد تنخفض شهر يونيو، فقط لتشهد الأسواق ارتفاعًا كبيرًا في تكلفة ملابس الأطفال، علمًا بأن شهري يوليو وأغسطس عادة ما يشهدان نموًا سريعًا في الأسعار أيضًا لأسباب غريبة خاصة بهما. - المشكلة ليست ما إذا كانت العوامل غير المتكررة تفسر بيانات أي شهر، والسؤال المطروح هو ما إذا كان التأثير المتراكم لعدة أشهر من ارتفاع الأسعار والمدفوع بأسباب خاصة، يقود المستهلكين والعاملين والشركات إلى تغيير توقعاتهم بشأن التضخم، أو ما إذا كان ذلك يؤثر على معنوياتهم. الخوف يقود الأسعار - عندما يشهد العمال والموظفون شهورًا من ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات (حتى بسبب العوامل المؤقتة)، يطالبون بزيادة في الأجور، وعند مرحلة ما قد تشهد الشركات ارتفاعات كبيرة (ربما لمرة واحدة) في تكلفة الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر منتجاتها النهائية. - عندما يبدأ العمال والشركات في التفكير بهذه الطريقة، يكون الاقتصاد في خطر، وتبدأ الأجور والأسعار في الارتفاع بشكل عام في دوامة مدمرة ومستدامة بذاتها مدفوعة بتوقعات المزيد من نفس النمط. من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان ذلك سيحدث. - لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة مقبلة على هذه الفترة، يجب أن تظل أسعار المستهلك مرتفعة خلال الأشهر العديدة المقبلة على الأقل، وإذا عادت بيانات التضخم الشهرية إلى وضعها الطبيعي، فسوف يتبخر الكثير من القلق. - الأجور التي نمت بمعدل 9% سنويًا في أبريل، إذا استمرت في النمو بهذا المعدل، فسيكون من الصعب على الشركات منع الأسعار من التوسع بسرعة كبيرة. أيضًا تظهر الدراسات الاستقصائية للأسر توقعات مرتفعة بشأن التضخم في المستقبل، ولكن ليس بشكل مقلق. - مع ذلك، فإن الاتجاه التصاعدي في توقعات المستثمرين لا يبدو جيدًا، حيث تتوقع الأسواق تضخمًا بنسبة 2.7% على مدى السنوات الخمس المقبلة، ارتفاعًا من 1.6% قبل الوباء، وإذا استمر هذا الاتجاه، فسوف يتواصل القلق بشأن التضخم، وستصبح الأسواق متقلبة بشكل متزايد وسيجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه في وضع صعب. - يراهن الكثيرون على بقاء التضخم ضمن نطاق السيطرة، لكن ارتفاع الأسعار في أبريل، يشعر الكثيرين أيضًا بقلق أكبر مما كانواعليه من قبل، وحقيقة أن زيادة شهر أبريل جاءت من بند غير متكرر (أسعار السيارات المستعملة) لن تكفي لتهدئة المستثمرين، لحين بيان الأمر مع باقي البنود في الشهور التالية. استجابة الفيدرالي الحاسمة - يتعرض الفيدرالي لضغوط لتشديد سياسته النقدية المتساهلة للغاية بعد أن أظهرت بيانات الأسبوع الماضي ارتفاع أسعار المستهلكين. جاءت بيانات التضخم قبل صدور محضر الاجتماع الأخير للبنك المركزي، المقرر يوم الأربعاء، والذي يعطي المستثمرين لمحة حول خطط الفيدرالي بشأن التعافي من الوباء. - أكد رئيس الفيدرالي بعد اجتماع صانعي السياسة في أواخر أبريل أن البنك لا يزال "بعيدًا" عن سحب الدعم النقدي، وأوضح هو وأعضاء آخرون في اللجنة أنهم سيسمحون للتضخم بأن يتجاوز مؤقتًا الهدف طويل الأجل للبنك المركزي البالغ 2%. - "جيروم باول" ورفاقه في الاحتياطي الفيدرالي، أصروابشدة على توقعهم لحركة التضخم، وأن ارتفاعه سيكون مؤقتًا، لكن أي تعديل يشير إلى أنهم بدأوا يرون تغيرًا عن هذه التوقعات، سيكون محل اهتمام وترقب من الجميع وستترتب استجابة الأسواق على ذلك. - من بين المقاييس الرئيسية التي يستخدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتتبع صحة تعافي الاقتصاد؛ مستوى التوظيف في الولايات المتحدة، وجاءت البيانات الأخيرة مخيبة للآمال بشدة، ما دفع بعض المحللين إلى توقع انقسام أعضاء الفيدرالي في الرؤى. - أشار تحليل لمنتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمي، إلى أن معدل نمو المعروض النقدي ينعكس بشكل كبير على نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلد ومعدل التضخم، مستشهدًا بأن المعروض النقدي (مؤشر إم 4) في أمريكا بلغ معدل نمو في نهاية عام 2020 هو الأعلى منذ عام 1943 عند 28.9%. - تراجع معدل نمو المعروض النقدي مؤخرًا لكن إلى 24% فقط، وهو مستوى لا يزال مرتفعًا بشكل كبير، وبحسب تحليل المنتدى فإنه يعني أن بيانات أبريل ما هي إلا نذير بمزيد من التضخم في المستقبل، لكنه ألمح إلى أن الأمر قد يستغرق أشهرًا عدة لتفاقم التضخم.
مشاركة :