فرنسا تعيد طرح إنشاء «منطقة آمنة» شمال سوريا لتلافي العزلة

  • 9/30/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أعربت مصادر فرنسية دبلوماسية عن «ارتياحها» للموقف الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما بشأن المسألة السورية ومقترحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اغتنم وجوده في نيويورك ليدافع مجددا عن الرئيس بشار الأسد وعن التمسك ببقائه في السلطة. وقال هذه المصادر، التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن «باريس مرتاحة لأن الرئيس الأميركي لم يذهب بعيدا في التنازلات»، للطرف الروسي، وهو ما كانت تتخوف منه الأوساط الفرنسية بعد تصريحات الوزير جون كيري خصوصا قوله إن «رحيل الأسد قابل للتفاوض». وما يزيد من ارتياح باريس، وفق مصادرها، أنها «لم تجد نفسها وحيدة» في التعبير عن رفض دور دائم للأسد في سوريا يتجاوز المرحلة الانتقالية التي «لا يتعين أن تتجاوز عدة أشهر لا غير»، مضيفة أن الجميع «يمكن أن يناقش» مخرجا كهذا. بيد أن ما تتخوف منه باريس وما تتشارك به مع الولايات المتحدة الأميركية ومع بلدان عديدة أخرى من مجموعة بلدان التحالف، بينها السعودية وتركيا وغيرهما، هو أن تكون روسيا، بمشاركة إيرانية، بصدد «نصب فخ سياسي» يقوم على دفع الدول العربية والغربية على غض النظر عن الأسد والتركيز في مرحلة أولى على محاربة التنظيمات الإرهابية، سواء «داعش» أو غيره، وتنظيم المرحلة الانتقالية، ثم تأتي لتقول إن «تقرير مصير المرحلة النهائية منوط بانتخابات سوريا». ومن الواضح أن انتخابات كهذه لا يمكن أن تجرى إلا في مناطق النظام مما يمكن الأسد من الفوز بها. وهذا السيناريو لا تريده الأطراف الرافضة، إن من المعارضة أو من الدول الداعمة لها، الأمر الذي يدفع بها إلى اتخاذ مواقف متشددة أجهضت حتى الآن الخطة الروسية رغم اعتراف الجميع بأن موسكو «نجحت في العودة بقوة إلى الساحة الدولية عبر استخدام الملف السوري». وكانت مصادر فرنسية رسمية قالت لـ«الشرق الأوسط» نهاية الأسبوع الماضي إن «لعبة روسيا لإعادة تأهيل الأسد لن تنجح»، وإن الرئيس بوتين «إذا أراد أن يغير الأوضاع ميدانيا فعليه أن يدفع بعشرات الآلاف من الجنود»، الأمر الذي قد يفضي إلى «أفغانستان جديدة» في سوريا. لكن المواقف المتشددة لباريس تبقى معرضة للاهتزاز، ليس لأنها تخلت عن شرط تنحي الأسد مدخلا للحل السياسي، بل لأنها «لا تثق تماما» بديمومة الموقف الأميركي. ويتذكر المتابعون أن واشنطن «خذلت» باريس صيف عام 2013 عندما تخلت عن خطط لضرب مواقع النظام عقب استخدامه للسلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية عقب تقديم روسيا لمقترحاتها، وحينها وجد الرئيس هولاند نفسه وحيدا في الميدان بعدما كانت قيادة الأركان الفرنسية قد حددت الأهداف ولحظة انطلاق طائرات «الرافال» و«الميراج». الواقع أن ما تريده باريس اليوم، هو «أن تبقى في الصورة» و«ألا يجري تهميشها». وتربط أوساط دبلوماسية أجنبية بين توقيت الضربة الفرنسية الجوية لأحد معسكرات «داعش» قريبا من دير الزور وبين بدء اجتماعات الأمم المتحدة، بما رافقها على الهامش من اجتماعات رئيسية أبرزها لقاء القمة الأميركي - الروسي. وترى هذه الأوساط أن باريس أرادت توصيل رسالة مفادها أنها «موجودة» وأنها «قادرة على لعب دور عسكري» بحيث لا يترك الميدان خاليا لروسيا وحدها. ولذا، فإن الضربة الفرنسية التي يجمع على أنها «عديمة التأثير عسكريا على (داعش)»، هي بالدرجة الأولى «رسالة سياسية». وفي السياق عينه، ينظر الكثيرون إلى اقتراح الرئيس فرنسوا هولاند إنشاء «منطقة آمنة» داخل سوريا وعلى خط الحدود مع تركيا. والمشكلة أن هذه الفكرة ليست جديدة بتاتا بل إن باريس طرحتها «دوريا» بصيغ وتسميات مختلفة. إلا أنها أخيرا تحولت إلى اقتراح تركي تمت مناقشته الشهر الماضي مع الجانب الأميركي. والحال أنه بقي حبرا على ورق لأن واشنطن، كما هو معلوم، رفضت السير به، وذريعتها أنها «غير راغبة» في الاصطدام بقوى النظام ولا بالقوى التي تدعمها. والحال أن الأمور أصبحت اليوم أكثر تعقيدا بسبب وجود عشرات الطائرات المقاتلة الروسية في مطارات سوريا مما يعني، وفق المصادر المشار إليها، أمرين اثنين: الأول، الحاجة للتنسيق العسكري مع الجانب الروسي مما يفترض قبول موسكو بالمقترح، وهذا الأمر غير مضمون. والثاني، توفير غطاء غربي للمقترح يضمن حماية المنطقة الآمنة. ولذا، فإن الموضوع يعود إلى نقطة البداية، لأن القوات الجوية الأميركية قادرة وحدها على توفير الحماية، ولا شيء يشي اليوم بأن إدارة الرئيس أوباما قد عدلت من مواقفها، خصوصا أنها تسعى «للتنسيق العسكري» والتعاون مع موسكو وليس للمجابهة. ولذا، فإن فكرة الرئيس هولاند مرجحة، لئلا ترى النور لا اليوم ولا غدا، رغم «التبريرات» المنطقية، وأهمها أن إقامة منطقة محمية كهذه ستمكن بعض السوريين من العودة إلى سوريا، وتوقف تيار الهجرة المتدفق على أوروبا، وتوفر قاعدة آمنة للمعارضة السورية المعتدلة تعمل انطلاقا منها. يبقى أن لباريس همًا آخر يتمثل في مشروع اجتماع دولي في جنيف لـ«مجموعة الاتصال» التي أعلن نبأ قيامها نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، أحد أكثر الدبلوماسيين الروس اطلاعا ومعرفة بالأزمة السورية. وقال بوغدانوف إن المجموعة التي ستجتمع في جنيف في أكتوبر (تشرين الأول) ستتشكل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والسعودية ومصر، الأمر الذي يعني عمليا «تهميش» أوروبا والدولتين الرئيسيتين المعنيتين فيها بالأزمة السورية، وهما فرنسا وبريطانيا. وقالت المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الموجود في نيويورك لأسبوع كامل «يسعى جهده لكي تبقى باريس طرفا فاعلا» في الأزمة السورية. والمرجح أن تهديد الرئيس الفرنسي في المؤتمر الصحافي الذي عقده أول من أمس، وفيه أشار إلى أن بلاده ربما استخدمت حق النقض (الفيتو) لإجهاض مشروع قرار في مجلس الأمن ينشئ تحالفا مع جيش النظام السوري لمحاربة «داعش»، هو من باب تذكير من يرغب في تناسي باريس بأن لها دورا وهي عازمة على أن تلعبه.

مشاركة :