خطوات ارتجالية لرفع الحجر الصحي في الشرق الأوسط لندن - أصدرت دول شرق أوسطية بشكل متزامن قرارات تقضي بكسر الحجر الصحي الإلزامي وإعادة الحياة إلى نسقها الطبيعي، ولم تكن تلك الخطوات في أغلبها استجابة لقرار من الجهات الصحية بزوال المخاوف من انتشار الوباء والنجاح في التحكم في سلالاته الجديدة. ولا تُعرف أيّة معطيات استخدمتها الدول التي أعلنت عن إجراءات تخفيف الحجر، هل هي عدد الإصابات الذي لا يزال في تصاعد أم التلاقيح التي لم تحصل عليها سوى نسبة قليلة من السكان، أم عدد أسرّة الطوارئ الذي كان أقل بكثير من أعداد المصابين؟ ويبدو أن قرارات تخفيف الحجر كانت مزاجية ولم تهتم بتجارب دول بريطانيا أو إسرائيل أو فرنسا التي نجحت في تحقيق خروج آمن إلى حد الآن. وسيطر العامل الاقتصادي على أغلب قرارات دول مثل تركيا وتونس والجزائر والسعودية، وباتت أغلب دول المنطقة عاجزة عن تحمل الفاتورة الباهظة لجائحة استمرت أكثرَ من عام، وما تخللها من أزمات اجتماعية حادة خاصة في الدول الفقيرة. يضاف إلى ذلك العامل النفسي الضاغط الذي ساهم في موجات الغضب الشعبي في أكثر من بلد. وفتحت السعودية الأبواب أمام مواطنيها الذين تلقوا جرعات التلقيح للسفر إلى خارج البلاد في الوقت الذي لم تقدم فيه هذه الجرعات سوى لثلث السعوديين، فضلا عن ملايين العمال الأجانب في البلاد الذين لم يحصلوا بعد على اللقاح. وتجمّعت مئات السيارات عند جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين الاثنين، مع سماح الرياض للمواطنين المحصنين ضد الفايروس بالسفر مجددا إلى الخارج بعد أكثر من عام من منع الرحلات الخارجية. وعند منتصف ليل الأحد – الاثنين توجه المسافرون السعوديون أيضا إلى المطارات للانطلاق في رحلات جوية إلى الخارج. وكان مسافرون آخرون يستعدون لاستئناف دراستهم في الخارج أو القيام برحلات عمل طويلة الأمد. وأعطت السعودية، التي يبلغ عدد سكانها نحو 34 مليونا، أكثر من 11 مليون جرعة من اللقاحات حتى الآن. وقد سجّلت حتى الآن أكثر من 433 ألف إصابة بالفايروس، وقرابة سبعة آلاف وفاة. وقالت وزارة الداخلية إن المواطنين السعوديين ما زالوا ممنوعين من السفر المباشر أو غير المباشر إلى 13 دولة، بما في ذلك وجهات سياحية بينها تركيا ولبنان والهند بسبب المخاطر المرتبطة بالوباء. ويعتقد متابعون أن القرار السعودي بفتح الحدود يأتي في سياق رغبة حكومية في التخفيف عن المواطنين وتطبيع الأوضاع قبل موسم الحج الذي لا يزال مثار شكوك، وهي المناسبة التي لا يمكن للرياض أن توصد أمامها الأبواب للعام الثاني على التوالي وتتكبد خسائر إضافية أخرى. وبالتوازي مع ذلك أعلنت تركيا عن البدء برفع تدريجي للحجر رغم أن البلاد لا تزال مصنفة كمنطقة حمراء لدى بلدان كثيرة. ويرتبط التسرع التركي بالأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد، والتي تضافرت فيها عوامل بينها كورونا وكذلك السياسة الخارجية للرئيس رجب طيب أردوغان القائمة على التوتر ومراكمة الخلافات. وأعلنت وزارة الداخلية التركية الأحد تفاصيل مرحلة العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من إغلاق عام شديد الصرامة لمواجهة تفشي فايروس كورونا. وأثار فيديو حكومي ترويجي للسياحة غضبا واسعا بين الأتراك بسبب إعطاء الأولوية للعاملين في القطاع السياحي على حساب بقية المواطنين، ما اعتبره الكثيرُ من النشطاء مُهِينًا لبقية الأتراك خاصة أن عدد من حصلوا على التلقيح لا يزال محدودا. وتلقى حوالي 18 في المئة من السكان البالغ عددهم 84 مليونا أول تطعيم لهم، حيث اتهمت الجمعية الطبية التركية الحكومة بعدم الشفافية في حملتها ودعت إلى التطعيم السريع للمعلمين. وتحت الضغوط الاقتصادية كذلك غيرت تونس قرارا بشكل كامل من حجر كلي لمدة أسبوع إلى عودة كلية للقطاع الحكومي والمدارس والمعاهد والجامعات مع أن الوضع ما زال يراوح مكانه من حيث ارتفاع عدد المصابين والمتوفين ومحدودية أعداد من تلقوا التلقيح. وتقول الحكومة التونسية إنها تخطط لتطعيم ثلاثة ملايين مواطن، أي نحو ربع السكان، بنهاية يونيو المقبل، لكن إلى حد الآن لم يتم إعطاء التلقيح سوى لأقل من 600 ألف شخص فيما مخزون اللقاحات المتوفر لا يتعدى 832 ألفا، وهو ما يعني أن قرار وقف العمل بإجراءات الحجر قرار سياسي وليس صحيا. وتجد حكومة هشام المشيشي نفسها تحت ضغوط كثيرة خاصة من العاملين في القطاع الخاص وفي قطاعات مثل المقاهي والمطاعم والتجار الذين رفضوا خلال الفترة الماضية فكرة الحجر الصحي الكامل. تضاف إلى ذلك خلافات سياسية بين أطراف الحكم التي وجدت في قضية الحجر الصحي فرصة لتسجيل النقاط ضد الحكومة وساهمت في كسر خططها لحجر كامل للحد من انتشار العدوى. ويتخوف التونسيون من أن يقود الارتباك الحكومي في إدارة ملف كورونا إلى انتشار الوباء أكثر من محاصرته خاصة إذا تم التخفيف في إجراءات فتح الحدود واستقبال السياح والعمالة التونسية في الخارج، في تكرار لما حصل خلال السنة الماضية. وتعيش الجزائر بدورها نفس الضغوط التي تعيشها تونس ودفعتها إلى إعلان بداية الشهر القادم موعدا لكسر الحجر الصحي وفتح الحدود “وفق شروط صارمة جدا”. وقادت جمعيات الجالية الجزائرية في الخارج حملة تحت شعار “حقّي ندخل بلادي” للمطالبة بفتح الحدود للجزائريين وإلغاء شرط الحصول على رخصة استثنائية للسفر مع تسيير رحلات عادية للخطوط الجزائرية والأجنبية. وأعلنت الرئاسة الجزائرية أنّ مجلس الوزراء وافق على إعادة فتح أهم ثلاثة مطارات للرحلات الدولية ابتداءً من الأول من يونيو بعد أكثر من سنة من غلق الحدود. وجاء في بيان الرئاسة إثر اجتماع مجلس الوزراء برئاسة عبدالمجيد تبون “وافق مجلس الوزراء على مقترحات الفتح الجزئي، على أن تكون البداية بمعدل خمس رحلات يوميا من وإلى مطارات الجزائر العاصمة، قسنطينة ووهران، ابتداء من الأول من جوان (يونيو) المقبل”. وأضاف البيان “مع ضرورة التقيد التام بالإجراءات الاحتياطية الصارمة، على أن يصدر البيان التنظيمي في هذا الشأن خلال أسبوع”.
مشاركة :