شهدت الفترة الأخيرة تركيزا كبيرا على ما يجري في سوق العملات المشفرة، حيث زاد الإقبال على عملات مثل بيتكوين (Bitcoin) وإيثريوم (Ethereum) ودودج كوين (Dogecoin) من قطاع عريض من المستثمرين وكل من يبحث عن الثراء، مما جعل عملة بيتكوين تصل إلى أعلى مستوى لها تخطى 60 ألف دولار، بينما كانت تحوم قبل عام واحد فقط حول أقل من 10000 دولار. هذا الإقبال الكثيف للتداول في هذه العملات المشفرة طرح سؤالا هاما للغاية وهو: ما هي أسباب هذا الازدهار المفاجئ؟ وهل ستظل في هذا المسار التصاعدي أم أنها مجرد فقاعة أخرى قصيرة الآجل وعلى وشك الانفجار؟ 1- لم تظهر العملات المشفرة أي علامات للاختفاء أثبتت عملة بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى قدرتها على الصمود، حيث يشهد الكثيرين أن هذه العملات قد أظهرت دلائل على أنها ستظل موجودة وللأبد، مع أن عملة بيتكوين على وجه الخصوص قد انخفضت قيمتها بشكل حاد في شهر نوفمبر من عام 2019، مما جعل بعض المتابعين يذكرون أن هذا الانهيار سيشكل بداية النهاية لعملة بيتكوين والعملات الأخرى. لكن بعكس توقعات المتشائمين، ظلت عملة بيتكوين تشهد نموا كبيرا خلال العام الماضي والحالي، ولم تظهر أي علامات على الضعف كعملة في السوق، مما جعل النظرة تجاهها تتغير بشكل كبير وأصبح الكثيرون لديهم منظور متجدد للعملة، حيث باتوا يرون أنها أصبحت أكثر شرعية وقدرة على تحمل المصاعب. 2- الدعم الكامل من الشركات الكبرى أظهرت الثقة العامة التي تقدمها العديد من الشركات والمؤسسات المختلفة الكبرى لعملة بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، تصاعدا كبيرا مع بداية الاعتقاد بأنها طريقة جديدة للبيع والشراء. على سبيل المثال، قدمت شركة (Coinbase) التي تعتبر من أشهر المنصات التي تتيح للمستخدمين تداول العملات المشفرة، طرحها العام الأولي والتداول علنًا لأول مرة، حيث بلغت قيمة الشركة بعد ظهورها في بورصة ناسداك حوالي 86 مليار دولار، مع تسجيلها نموًا هائلاً في الإيرادات. وشكلت هذه الخطوة طفرة كبرى لمستقبل هذه العملات، مما أدى إلى تفاؤل المستثمرين بشأن العقود الآجلة لكل من الشركة نفسها والعملات المشفرة المتداولة على منصتها. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت العديد من الشركات الكبرى الأخرى خطوات جادة توضح القوة الحقيقية للعملات المشفرة، حيث سمحت بعض الشركات مثل Visa و PayPal باستخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع عند شراء المنتجات والخدمات عبر الإنترنت، كما أعلنت شركة Nvidia عن معالج جديد مصمم لتعدين العملات المشفرة، وظهور ماكينات الصراف الآلي ATM الخاصة بالعملات المشفرة، بالإضافة إلى الدعم العلني من المشاهير لهذه العملات مما يدفع معجبيهم إلى شراء المزيد منها. 3- ظهور العملات المشفرة المنافسة مع أن التركيز ربما يكون في كثير من الأحيان عند الحديث عن العملات المشفرة على عملة بيتكوين، نظرًا إلى أنها الأكثر وضوحًا والأبرز بين جميع العملات الأخرى، إلا أننا نحتاج أيضًا إلى الاعتراف بالدور الداعم للعملات المشفرة الأخرى، مثل Ethereum و Litecoin و Dogecoin، حيث انتبه الكثير من المستخدمين لهذه العملات المشفرة بشدة وأصبحت أكثر تنافسية. على سبيل المثال، عندما يشتري المزيد من الأشخاص عملة مثل بيتكوين ويحققون الكثير من الأرباح عند التداول، يكون هناك تأثير مضاعف للعملات المشفرة الأخرى، حيث سيحاول الناس تجربة حظهم في الثراء من خلال التداول في العملات الأخرى المنافسة لعملة بيتكوين. 4- التضخم والمصاعب الاقتصادية بحسب الكثير من الدراسات فإن استثمار بعض الأشخاص بكثافة في سوق العملات المشفرة يأتي لأن لديهم مخاوف اقتصادية طويلة الأجل، خاصة مع معاناة معظم الدول من مصاعب اقتصادية كثيرة بسبب الحروب وجائحة كورونا وغيرها من الأسباب الأخرى. وقد أدى هذا الأمر إلى ظهور معدلات تضخم عالية وانخفاض القوة الشرائية للدولار الأميركي، ومن ثم يتجه معظم هؤلاء الناس إلى الاستثمار في هذه العملات الرقمية على أمل أن تزداد قيمتها مقارنة بالعملات المعروفة، وعلى رأسها الدولار، مما يؤدي إلى تحقيق أرباح سريعة وكبيرة. 5- جائحة كورونا وتأثيرها كان لظهور جائحة كورونا (Covid-19) واستمرار انتشارها حتى الآن، تأثير كبير على كيفية رؤيتنا واستخدامنا للتكنولوجيا على أساس يومي، فخلال عدة أشهر كان الناس عالقين في منازلهم بشكل فعلي ويعملون عن بُعد، وأصبحوا يدفعون رقميًا مقابل كل شيء. ومن ثم جعل هذا الوضع الإجباري معظم الناس يدركون مدى اللامركزية التي أصبحنا عليها وكيف أصبحنا معتمدين على التكنولوجيا الرقمية بشكل كامل. وفي عالم يعمل فيه الناس عن بُعد ويدفعون رقميًا ولديهم ثقة كاملة في الخدمات عبر الإنترنت، فإن العملات المشفرة ستكون هي الملك بلا شك.
مشاركة :