طرابلس - تعكس التحركات والمواقف الصادرة عن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن بشأن الأزمة الليبية التزاما بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لجهود حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبدالحميد الدبيبة في ملف إخراج المرتزقة الذين استعان بهم طرفا الصراع في وقت سابق. وفي سياق هذه التحركات قام مساعد وزير الخارجية الأميركية جوي هود بزيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس الثلاثاء حيث التقى العديد من المسؤولين، يتقدمهم رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش. وأكد جوي هود أن بلاده تدعو “جميع الأطراف الداخلية والخارجية إلى تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل، وهذا يشمل سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة”. وتابع المسؤول الأميركي، خلال مؤتمر صحافي مشترك الثلاثاء مع وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، أن “اجتماع اليوم (الثلاثاء) في طرابلس يؤكد التزام الولايات المتحدة بالمشاركة الدبلوماسية ودعم الشعب الليبي في الحوار السياسي”. كما تطرق جوي هود إلى الانتخابات العامة المُقرر تنظيمها في ديسمبر المقبل وفقا لخارطة الطريق التي تم التوصل إليها في جنيف السويسرية، والتي لم تُبدَّد المخاوف بشأنها حيث لا يزال شبح تأجيلها يخيم رغم الجهود المبذولة لتذليل العقبات أمام هذا الاستحقاق الذي يُنتظر منه طي صفحة الأزمة. وقال المسؤول الأميركي إن “خارطة الطريق مهمة جدا لإجراء الانتخابات والمصالحة الوطنية، ونتطلع إلى رؤية القاعدة الدستورية لهذه الانتخابات”، مضيفا “ندعم جهود حكومة الوحدة الوطنية الليبية لتحقيق انتخابات نزيهة وعادلة”. وذكر أن “إعادة فتح السفارة الأميركية في طرابلس تتطلب وقتا وإجراءات لكن هذا هدفنا ونحن ملتزمون بالعودة وسننسق مع حكومة الوحدة الوطنية بالخصوص”. وتعمل حكومة الوحدة الوطنية على إيصال البلاد إلى انتخابات ديسمبر المقبل، لكنها تواجه عدة تحديات أبرزها الملف الأمني الذي ينتظر معالجة جدية تتمثل في تفكيك الميليشيات وترحيل المرتزقة، وهي عملية معقدة حيث تخضع لحسابات داخلية وأخرى خارجية. ولم ترسل الدول التي جلبت مرتزقة، على غرار تركيا وروسيا، أي إشارات تبعث على الارتياح لدى حكومة عبدالحميد الدبيبة، ففيما رفضت الأولى الانسحاب علنا اكتفت موسكو بنفي وجود أي قوات أو مرتزقة تابعين لها في ليبيا. وتؤكد العديد من التقارير وجود مرتزقة تابعين لشركة فاغنر الروسية في ليبيا، وتقول تلك التقارير إن أولائك المرتزقة انسحبوا إلى المنطقة الوسطى والجنوب الليبي إثر فشل هجوم الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس. وتُشير تلك التقارير إلى أن مرتزقة فاغنر يتمركزون في الحقول النفطية، وهو ما تنفيه موسكو. أما تركيا فقد جلبت آلاف المرتزقة السوريين والعرب لمساندة ميليشيات حكومة الوفاق سابقا برئاسة فايز السراج في مواجهة هجوم الجيش الذي بدأ في 2019 لاستعادة السيطرة على العاصمة طرابلس. وتأخرت عملية إخراج المرتزقة من ليبيا كثيرا، حيث ينص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في أكتوبر الماضي بشأن المرتزقة وتوحيد المؤسسة العسكرية على ضرورة أن تغادر كافة القوات الأجنبية ليبيا بحلول 23 يناير، لكن ذلك لم يحدث. ومؤخرا رفض وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الدعوات المنادية بضرورة رحيل المرتزقة والقوات الأجنبية قائلا “وجود الجنود الأتراك في ليبيا جاء من أجل حماية حقوق الليبيين ومصالحهم ومساعدتهم”. ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تسعى إلى التصدي لتركيا وروسيا اللتين نجحتا في التسلل إلى ليبيا بالاستفادة من تهميش الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب للملف الليبي. لكن يبدو أن التركيز منصب أكثر على تحجيم النفوذ الروسي في ليبيا؛ إذ ركز المسؤولون الأميركيون هجماتهم على موسكو بل وصل الأمر بالسفير الأميركي ريتشارد نورلاند، الذي جرى تعيينه قبل أيام مبعوثا خاصا إلى ليبيا، إلى تبرير التدخل التركي في ليبيا معتبرا أنه “جاء ردا على التدخل الروسي”. وجدّدت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش الثلاثاء دعوتها إلى خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد. وشددت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع هود على أن حكومة الوحدة الوطنية “عازمة على بسط السيادة الوطنية على كامل الأراضي الليبية”. وكانت المنقوش قد واجهت مؤخرا حملة شرسة قادتها جماعة الإخوان المسلمين أو المقربون منها إثر دعوة وزيرة الخارجية تركيا إلى سحب قواتها ومرتزقتها من ليبيا.
مشاركة :