لا تزال المخاوف تحيط بمملكة زنوبيا تدمر، تلك المدينة التاريخية في قلب الصحراء وقلب سوريا، إذ لم تتوقف المخاطر عند نهب آثار تدمر وتدميرها على يد تنظيم داعش في العام 2016، بل توسعت دائرة الخوف إلى الميراث الزراعي والواحات التاريخية. لم تكن واحات النخيل بعيدة عن الحرب التي تعيشها سوريا، بل نالت أضعافاً من التخريب والتشويه. وفي مكان من الأماكن قدماً وعراقة، تعيش مدينة تدمر بواحات نخيلها أسوأ حقبها بعد اندثار الواحات وتحولها إلى ساحات قتال بل وأوكار للمتطرفين. تشكّل واحات النخيل في تدمر أحد أبرز المعالم الحضارية التاريخية في المدينة، إذ تتربّع الواحات في وسط الصحراء الفقيرة بالمياه على مدار العام بلونها الأخضر الرمادي في صورة نادرة من صور الصحراء السورية. تتعرّض هذه الصورة للتخريب الممنهج للنيل من هذه اللوحة الرائعة في عروس الصحراء، فعلى مدى سنوات الحرب الطوال تعرضت الواحات للتخريب من المتحاربين، لاسيّما الميليشيات والقوى المسلحة الأخرى، وتعرضت للحرق والقصف والتخريب في أكثر من مرة، بينما تعيش الآن العطش، في الوقت الذي تعاني فيه كل سوريا من شح الموارد المائية بسبب السدود التركية. توقف السكان مؤخراً وبشكل شبه كامل عن عملية زراعة أشجار النخيل والاهتمام بأراضيهم بمحيط مدينة تدمر وبلدة السخنة، نتيجة انتشار مخلفات الحرب من جهة، وانتشار خلايا تنظيم داعش من جهة أخرى، ما دمّر النخيل والواحات وأوقف كل عمليات الزراعة في عاصمة الصحراء السورية، لتعود تدمر إلى قرون سحيقة. لم تغب الحرائق عن واحات تدمر التي أخذت نصيبها من التدمير وحرق أشجار النخيل، إذ تسببت الحرائق خلال مايو من العام الماضي في حرق العشرات من بساتين مدينة تدمر التاريخية، بعد أن التهمت النيران ما يقارب 150 هكتاراً من الواحات وبساتين النخيل، فيما أكمل الجفاف وشح الأمطار دوره في القضاء على خضرة تدمر. ووفق كتب التاريخ، كانت مدينة تدمر واحة تاريخية في العهد الآشوري، في القرن العشرين قبل الميلاد، إذ كانت نتيجة لموقعها محطة مثالية للقوافل المتحركة بين العراق والشام وتلك التي كانت تتبع فيما بعد طريق الحرير القادم من تخوم الصين مروراً بسوريا عبر تدمر وحمص إلى البحر الأبيض المتوسط، وهي كذلك حتى الآن إلا أنه الحرب حولت المدينة إلى ساحة من القتل والدمار. لا يخفي حسن الرماح، أحد سكان المدينة الذي لم يغادرها في ظل الحرب والهجمات المسلحة، خوفه على مستقبل تدمر، إذ يرى أنّ القتال في سوريا يجتمع في مدينته، بينما هجر الشباب أعمالهم في المدينة وما حولها، ولم يبقَ إلا كبار السن. يضيف الرماح: يشكّل الجفاف وقلة الاهتمام بالمزارع التاريخية لتدمر خطراً على هذه القيمة التاريخية وعلى تراث سوريا، مشيراً إلى أنّ هذه الواحات كانت منتجعات سياحية للكثيرين، إلا أنها تعيش اليوم الجفاف وقلة الاهتمام بسبب الأوضاع الجارية في البلاد. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :