وسط الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد - 19، صمدت التجارة العالمية بشكل جيد نسبيا في 2020، وسجل تعافي التجارة العالمية من الوباء مستوى قياسيا في الربع الأول من 2021، بارتفاع 10 في المائة على أساس سنوي و4 في المائة على أساس ربع سنوي، وفقا لآخر تحديث للتجارة العالمية صدر عن الذراع التجارية للأمم المتحدة "أونكتاد" أمس. وتقول منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "إن كثيرا من المرونة التجارية يرجع إلى اقتصادات شرق آسيا، حيث سمح لها نجاحها المبكر في التخفيف من الوباء بالانتعاش بشكل أسرع والاستفادة من الطلب العالمي المزدهر للمنتجات ذات الصلة بالوباء. الانتعاش استمر مدفوعا إلى حد كبير بتجارة السلع، في المقابل، استمرت التجارة في الخدمات في التخلف". وتتوقع "أونكتاد" أن يستمر الانتعاش في الربع الثاني من 2021، بوصول قيمة التجارة العالمية في السلع والخدمات إلى 6.6 تريليون دولار. هذا يعادل زيادة سنوية تبلغ نحو 31 في المائة مقارنة بأدنى نقطة في 2020 ونحو 3 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة لعام 2019. كما تتوقع المنظمة أن يظل نمو التجارة قويا في 2021 بنحو 16 في المائة "من حيث القيم" عن أدنى نقطة في 2020 "19 في المائة للسلع و8 في المائة للخدمات". ومع ذلك، فالتوقعات الإيجابية تعتمد إلى حد كبير على الحد من القيود المفروضة بسبب الوباء، والاتجاه الإيجابي المستمر في أسعار السلع الأساسية، والقيود العامة من سياسات الحماية التجارية، وظروف الاقتصاد الكلي والظروف المالية الداعمة. لكن من المؤكد أن تدعم حزم التحفيز المالي، ولا سيما في الدول المتقدمة، انتعاش التجارة العالمية بقوة طوال 2021. وتؤكد "أونكتاد" أن بعض الاقتصادات عرضة للانتعاش أقوى وأسرع من غيرها. على وجه الخصوص، أن تكون اقتصادات الصين والولايات المتحدة المحركين الرئيسين للنمو العالمي خلال 2021. وينبغي أن يكون لهذا أيضا آثار إيجابية في الدول التي تكون تجارتها أكثر تكاملا نسبيا معهما "مثل دول شرق آسيا وكندا والمكسيك". ومع استثناءات قليلة، تعافت التجارة في الاقتصادات الرئيسة من خريف 2020، ولا سيما أن الزيادات الكبيرة ترجع إلى القاعدة المنخفضة جدا لعام 2020، لكن التجارة في عديد من الاقتصادات الرئيسة لا تزال أقل من متوسطات 2019. وبين الاقتصادات الكبرى، تواصل صادرات الصين تسجيل زيادة قوية ليس فقط عن متوسطات 2020، لكن أيضا فيما يتعلق بمستويات ما قبل الجائحة. كما حققت الهند وجنوب إفريقيا أداء أفضل نسبيا من الاقتصادات الرئيسة الأخرى خلال الربع الأول من 2021. في المقابل، لا تزال الصادرات من روسيا أقل بكثير من متوسطات 2019. من ناحية أخرى، انتعاش التجارة لا يزال غير منتظم، ولا سيما بين الدول النامية، مع انتعاش الصادرات من شرق آسيا بشكل أسرع بكثير. واقتصادات شرق آسيا هي أيضا وراء انتعاش التجارة بين الدول النامية "التجارة بين الجنوب والجنوب". عند استبعاد أرقام التجارة من الاقتصادات النامية في شرق آسيا، تظل التجارة بين دول الجنوب أقل من المتوسطات. تتوقع "أونكتاد" أن يستمر الوباء في تعطيل اقتصادات وتجارة عديد من الدول النامية، على الأقل طوال 2021. بشكل عام، تستمر التجارة في الانتعاش بقوة أكبر بالنسبة إلى الدول النامية "عموما" مقارنة بالدول المتقدمة، ففي الربع الأول من 2021، كانت قيمة الواردات والصادرات السلعية للدول النامية أعلى بكثير مقارنة بالربع الأول من 2020 وكذلك في الربع الأول من 2019 "بنحو 16 في المائة". لكن، عندما يتم استبعاد اقتصادات شرق آسيا، يصبح الانتعاش التجاري للدول النامية أكثر صمتا ويختفي عند النظر في الصادرات فقط. من النقاط القوية التي ركزت عليها المنظمة الدولية أن جائحة كوفيد - 19 أدخلت حالة عدم يقين كبيرة في عمليات عديد من سلاسل القيمة العالمية، ما وفر حوافز لتقليل التجزئة في الإنتاج وتحويله إلى مكان أقرب إلى المستهلكين. تقول "إن هذا الإتجاه الجديد الذي بدأت الاقتصادات الكبرى تدرس طرق تنفيذه فعلا، يمكن أن يسهم في التطوير المستمر لاتفاقيات التجارة الإقليمية وتنفيذها، وتقليص التوترات التجارية المستمرة بين الاقتصادات الرئيسة في إحداث تغييرات في أنماط الإنتاج لسلاسل القيمة العالمية. علاوة على ذلك، فإن استمرار النقص في الحاويات وزيادة أسعار الشحن يمكن أن يوفرا مزيدا من الزخم لإعادة التوطين واتجاهات النقل القريب". وتتوقع "أونكتاد" أن تستخدم الحكومات مجموعة واسعة من السياسات كجزء من خطط التعافي بعد الجائحة، لكنها قالت "إنه عند النظر إلى الخلافات التجارية والدبلوماسية المستمرة بين بعض الاقتصادات الرئيسة والصعوبات الحالية داخل النظام التجاري متعدد الأطراف، فهناك مخاطر أن تكون بعض هذه السياسات مقيدة للتجارة". إضافة إلى ذلك، يمكن للجهود المبذولة من أجل عملية انتعاش أكثر استدامة اجتماعيا وبيئيا أن تؤثر في الأنماط الراسخة للتجارة العالمية. على سبيل المثال، السياسات التي تهدف إلى معالجة تسرب الكربون، كعنصر ضار بالبيئة، من خلال تعديل أسعار الواردات ستكون لها تأثيرات كبيرة في تدفقات التجارة الدولية. وتنبه "أونكتاد" على أن الاقتراض الإضافي من الحكومات للحفاظ على اقتصاداتها خلال أزمة كوفيد - 19 قد يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي، وتقول "حتى بدون أزمة ديون عالمية كاملة، فالديون المتزايدة والالتزامات على خدماتها يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار". وتضيف أن "أي ارتفاع في أسعار الفائدة من شأنه أن يضغط على الاقتراض الوطني والخاص على حد سواء مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على الاستثمارات وتدفقات التجارة الدولية، خاصة بالنسبة إلى الدول النامية التي يكون حيز سياستها المالية محدودا بدرجة أكبر". وتغير سلوك المستهلك بشكل كبير خلال أزمة كوفيد - 19 دفع إلى زيادة الطلب في بعض القطاعات "مثل منتجات الرعاية الصحية والخدمات الرقمية والاتصالات ومعدات المكاتب المنزلية"، وانخفض في بعض القطاعات الأخرى "مثل معدات النقل والسفر الدولي وخدمات الضيافة". تقول "أونكتاد"، "إن بعض هذه التغييرات قد يصبح دائما، وإذا كان الأمر كذلك فستؤثر في الطلب على السلع والخدمات الأجنبية". وتباينت أنماط التجارة في الربع الأول من 2021 عبر المناطق الجغرافية، بينما نمت الواردات لجميع المناطق، واقتصر انتعاش الصادرات إلى حد كبير على اقتصادات شرق آسيا والمحيط الهادئ. وظلت قيمة الصادرات أقل من المتوسطات في الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية والشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا. وعلى الرغم من زيادة صادرات أمريكا الجنوبية مقارنة بالربع الأول من 2020، إلا أنها ظلت أقل من متوسطات 2019.
مشاركة :