الهروب من الموت إلى الجحيم

  • 10/1/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عادة ما يرتبط اللجوء، بالمعاناة، والسعي إلى تجاوز مختلف الإكراهات والضغوطات السياسية والعسكرية والاجتماعية.. وهو الأمر الذي ينطبق على المهاجرين وطالبي اللجوء السوريين في مختلف الدول، والذين غادروا البلاد مرغمين تحت ضغط العنف والترهيب المستمرين.. على امتداد عدة سنوات من اندلاع الحراك في سوريا، ذاق السوريون كل أنواع العنف والتضييق، من قبل نظام يراهن على البقاء في السلطة بأي ثمن، ومحيط دولي متواطئ أو غير مبال أو غير راغب في التحرك.. وتزداد فظاعة الوضع مع ظهور جماعات متطرفة تنشر الذعر وتمارس العنف بكل أشكاله ضد من يخالفها الرأي.. وقد أكدت الأمم المتحدة في العديد من تقاريرها، أن تصاعد العنف والقصف الذي يمارسه النظام السوري، ضيّق الخناق على الأماكن الآمنة للمدنيين التي أضحت نادرة، ما أسهم بشكل كبير في تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية ودفع الكثير من السكان إلى مغادرة البلاد. سمحت الكثير من الصور المبثوثة عبر مختلف الوسائط الإعلامية، وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تجسد (الصور) معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء من النساء والأطفال والشيوخ.. السوريين غرقاً أو تشرّداً.. بكسر الحصار الإعلامي الذي لفّ قضيتهم لسنوات، كما سمح ذلك أيضاً باكتساب القضية لتعاطف دولي كبير، حيث تزايدت المطالب الدولية الداعية إلى استحضار البعد الإنساني في التعامل مع هؤلاء المهاجرين.. والسعي للحسم مع العوامل التي تدفعهم إلى مغادرة بلادهم قسراً. لا تخلو رحلة الهجرة وطلب اللجوء التي يقطعها السوريون بحثاً عن ملاذ آمن، من إكراهات ومعاناة خطرة، ضمن طريق طويل وشاق وغير آمن، يزيد من حدته ابتزاز الوسطاء والمهربين.. غير أن رحلة العذاب والبحث عن الكرامة، لا تنتهي بالوصول إلى التراب الأوربي، المقترن بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بل تستمر، حيث تتوارى الكثير من الشعارات البراقة على واقع مرير من الاعتداء والميز العنصري.. فقد رافق دخول العديد من المهاجرين وطالبي اللجوء السوريين إلى مناطق في الشرق الألماني، مجموعة من الصعوبات والإشكالات، حيث تم تسجيل العديد من حالات العنف الممارس ضدهم منذ مطلع السنة الجارية، فيما وجدت الكثير من الأحزاب اليمينية المتطرفة في تزايد نسب الظاهرتين، فرصة للانتعاش والخروج من جديد بشعارات معادية للمهاجرين وطالبي اللجوء وربطهم بكل الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيش على إيقاعها العديد من الدول الأوربية.. بل وصل الأمر إلى حدّ التحذير أن من ضمنهم إرهابيين ومتطرفين ومنتحلين لصفة اللاجئ.. ورغم المحاولات التي قامت بها السلطات الألمانية لتأمين حياة المهاجرين وطالبي اللجوء وإدانة أعمال العنف والعنصرية التي تستهدفهم، وقيام عدد من الساكنة الألمانية باحتضان عدد منهم في إطار مبادرات إنسانية راقية، فإن سلوكات العنف تظل مرشحة للتصاعد بالموازاة مع تزايد عددهم نحو البلاد مع تعقد الوضع الداخلي في سوريا.. خصوصاً وأن الطاقة الاستيعابية لمخيمات اللاجئين بدول الجوار لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الأشخاص. وجدير بالذكر أن مظاهر العنف الممارس على المهاجرين وطالبي اللجوء بمختلف أصنافه المادية والمعنوية، لم يقتصر على ألمانيا لوحدها، بل تعداها إلى مختلف الأقطار الأوروبية التي وصل إليها هؤلاء هرباً من جحيم القتل والتشريد في الداخل السوري. تشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 170 ألف مهاجر سرّي عبروا الحدود المجرية منذ بداية العام الجاري، باتجاه النمسا وألمانيا وبلدان أوروبية.. الأمر الذي أثار استياء كبيراً في أوساط السلطات المجرية بفعل تنامي الضغوطات الأوروبية الداعية إلى وقف تسلل المهاجرين وطالبي اللجوء نحوها. وفي تطور مثير، قام البرلمان المجري بأغلبية أعضائه يوم الاثنين 21 سبتمبر/ أيلول 2015 باتخاذ قرار يسمح بموجبه للجيش باستعمال الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لمنع تسلل المهاجرين السريين وطالبي اللجوء عبر الحدود. وقد وصل الأمر إلى حد قيام الجيش المجري بمناورات عسكرية لمواجهة أي طارئ على الحدود، فيما تتم الأشغال على قدم وساق لبناء سياج يصل ارتفاعه نحو أربعة أمتار على امتداد الحدود مع صربيا، كما أن شرطة البلاد، قامت باحتجاز عدد كبير من المهاجرين وطالبي اللجوء خلال المدة الأخيرة. وفي الرد على الكثير من الانتقادات الدولية التي واكبت هذه التدابير الأمنية الصارمة في مواجهة مهجّرين أنهكتهم المتاعب والمعاناة، اعتبرت السلطات المجرية هذا الإجراء احترازياً، يأتي في سياق تأمين حدود البلاد المحاصرة بالآلاف من اللاجئين، أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان فاعتبر من جانبه أن هذا التدبير واجباً تاريخياً وأخلاقياً لحماية أوروبا، مقترحاً تشكيل قوة أوروبية مشتركة لحماية الحدود الأوروبية، وبناء مخيمات للاجئين خارج التراب الأوروبي، و توجيه المساعدات إلى الدول المستقبلة لهم، حيث تجد هذه الدول نفسها أمام وضعية تفرض توفير العديد من المتطلبات الغذائية والصحية والتعليمية. إن السمة العامة التي تميّز تعاطي الدول الأوروبية مع قضايا اللجوء والهجرة هي الصرامة والمبالغة في استحضار البعد الأمني، في مقابل التغييب الملحوظ للجوانب الإنسانية والاجتماعية للظاهرتين والتي تفرضها الالتزامات الدولية ذات الصلة. إن اللجوء إلى العنف في مواجهة تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء السوريين، على التراب الأوروبي هو ضرب للقيم الإنسانية، ولكل ما راكمته الدول الأوروبية من مكتسبات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي ما فتئت تدافع عنها وتدعوا الآخرين لاحترامها.. لما كان طلب اللجوء عادة ما يأتي في أعقاب ضغوط الحروب والصراعات الخطرة التي لا تحتمل، وتدفع الأشخاص كرهاً نحو مغادرة الوطن، كان من اللازم استقبالهم في ظروف إنسانية لائقة، انسجاماً مع مختلف القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية ذات الصلة. إن أغلبية الهاربين من القصف والتقتيل يعتبرون وجودهم خارج ديارهم وأوطانهم إجراء مؤقتاً، حيث ينتظرون استقرار الأوضاع للعودة، غير أن استمرار العنف في سوريا يحيل إلى أن مشكلة اللاجئين ستظل قائمة ومرشحة للتطور والارتفاع. إن رفض استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء من نساء وأطفال وشيوخ، لا يمكن أن يقابله سوى حرص مختلف القوى الأوروبية والدولية على دعم قرارات صارمة يصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باتجاه تخفيف الآلام الإنسانية على الضحايا داخل بلدهم في مناطق آمنة، وإيقاف العنف الممنهج ضد المدنيين في الداخل السوري. drisslagrini@yahoo.fr

مشاركة :