في مقالة للأستاذ الفاضل القدير زياد الدريس بعنوان (هل تفوقت على ألقابك؟) في العدد 2648 وتاريخ 13 رجب 1442 هـ ، طرح فيها مسألة الاستعراض بالألقاب المكتسبة للفرد. طرحه جميل واتفق معه فيما ذهب إليه، وأتذكر مثالا لطيفا في تويتر، حيث أعلن أحدهم حصوله على شهادة ما وتوافد المهنئون من كل صوب وكانت كل ردودهم وردوده عليهم يُذكر فيها اللقب قبل الاسم، المشهد في جوهره مقبول ولكن كثافة استخدام الألقاب قبحته. يقول الكاتب البريطاني آلان دوبوتون في كتابه (قلق السعي إلى المكانة) بأن المجتمعات على مدار العصور لديها معايير لمن يستحق التقدير الأسمى، فقبل ألف سنة كانت الفروسية ومهارات القتال هي أسمى صفات البشر، وفي القرون القريبة كان للعوائل الارستقراطية مكان محجوز في أعلى درجات السلم الاجتماعي، تغير ذلك في المئة سنة الأخيرة حتى وصلنا إلى مرحلة أن أصبح المجتمع يمنح أعلى درجات التقدير والاحترام لمن يحمل لقب (ريادي أعمال). في الإسلام، الهدف الأسمى لوجود الفرد هو عبادة الله في حياته وجزء من العبادة هو خدمة الناس. وأما بعد الموت، أوضح رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بأن الانسان يبقى له 3 مصادر لزيادة رصيده من الحسنات ورفعة درجاته، وهي الصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو له والعلم الذي يُنتفع به. كل هذه الثلاثة مرتبطة بالتأثير على حياة البشر تأثيراً إيجابياً، فالصدقة الجارية تشمل كل ما ينفع الناس من مال أو وساطة خير أو تعليم أو تمكين الأفراد أوإصلاح ذات البين أوغيرها. والولد الصالح الذي يدعو له، ويمكن إلحاق الأفراد الذين خدمهم الانسان وأصبحت ألسنتهم تلهج بالدعاء له. والعلم الذي ينتفع به لما له من تأثير على الناس بتعليمهم أمور دينهم وتيسير أمور دنياهم وعمارة أرضهم. الألقاب تعكس نظرة المجتمع للشخص، ولكن رصيده الأخروي ومقامه عند الله لا يمت للقب بصلة، إلا أن يستخدم لقبه معيناً له على ذلك. هناك الكثير من الناس كان لهم حضور وتأثير على حياة الناس ولا تجد لهم ذكرا، منهم على سبيل المثال لا الحصر، المختصون بصياغة الأنظمة والتشريعات التي تؤدي بعد تطبيقها لتسهيل حياة الناس ورفع درجة رفاهيتهم. وفي تاريخنا الإسلامي الكثير ممن أثر على حياة الناس، وبعضهم لا يزال تأثيرهم ممتدا حتى الآن، ولم يكن لهم ألقاب يمتازون بها عن غيرهم بل إن بعضهم لم يعرف اسمه وما زال تأثيره باقياً. الواثق بنفسه والعارف بماهية دوره في هذه الحياة، سيحصر استخدام اللقب في مكانه الصحيح ولن يستعرض به ويستخدمه معرفاً له في كل الفضاءات المجتمعية.
مشاركة :