في أوائل القرن العشرين، لم يكن مستغرباً أن يعاني الأطفال من ويلات الأمراض المعدية أو أن يروي أفراد أسرهم أنهم يعانون تبعاتها. وهناك الكثير من الحالات التي أصيب فيها الأطفال بأمراض خطيرة وتوفوا في المنزل. وكان الناجون منهم - بمن فيهم بعض أجدادنا - على دراية وثيقة بمشاهد وأصوات وروائح موت الأشقاء أو الأطفال الصغار. لحسن الحظ، مرت علينا تلك التجارب المؤلمة منذ زمن طويل ونتذكرها بالكاد. توصلت إلى هذا الفهم أثناء إعداد كتاب قصير عن جائحة «كوفيد - 19». فعندما درست الاستجابة الوطنية للقاح من الناحية العلمية وحتى السياسية، أصبحت مهتمة بكيفية نسيان هشاشتنا وأيضا تجاهلنا للقاحات وتشككنا بشأن جدواها رغم أنها أنقذت أرواحاً لا تعد ولا تحصى. في نهاية شهر مارس (آذار)، عندما احتفلنا بتدشين لقاحات شركة «ميرنا» الجديدة - التي ترشد خلايانا إلى كيفية إنتاج البروتينات التي تحفز الاستجابة المناعية ضد الفيروس - أفاد واحد من كل أربعة أميركيين بأنهم سيرفضون لقاحات «كوفيد - 19». كان تاريخ تطور اللقاحات في القرن العشرين بمثابة تأرجح للتقدم في العلوم الطبية وعدم الثقة ونظريات المؤامرة الناشئة عن الحوادث المؤسفة أو الإخفاقات في اللقاحات. فغالباً ما كانت اللقاحات الجديدة مصحوبة بتقارير عن مخاطر وآثار جانبية، وأحياناً كانت هناك حوادث مروعة، منها على الأقل إصابة عشرات الآلاف من الأشخاص بالمرض، بسبب لقاح كان من المفترض أن يحميهم. ومع ذلك، قضت اللقاحات في الغالب على العديد من الأمراض التي ابتلي بها الناس في السابق، حيث يجري الآن تلقيح الأطفال في الولايات المتحدة بنحو 15 نوعاً من اللقاحات تحميهم من أمراض مثل التهاب الكبد «بي»، والحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، والدفتيريا، والكزاز، والسعال الديكي. في عام 1900 كان متوسط العمر المتوقع عند الولادة في الولايات المتحدة 46 للرجال و48 للنساء، والآن يتوقع للطفل المولود في عام 2019 أن يعيش حتى 79 عاماً في المتوسط. وبفضل هذا النجاح، أصبح الأميركيون اليوم من بين أكثر السكان حماية طبياً في تاريخ البشرية، وجعلتنا تلك الحماية راضين عن أنفسنا وبتنا نكره المخاطر. ومع ذلك، فإن حوالي 40 في المائة من البالغين الأميركيين يعانون من السمنة، والعديد منهم يعانون من ظروف صحية أساسية تتعلق بالسمنة، ولا يزال معدل وفيات الرضع، الذي انخفض منذ عقود، أعلى من المعدل بين العديد من الاقتصادات المتقدمة. في عام 2009 قدرت مجموعة من القادة العسكريين المتقاعدين أن أكثر من نصف الشباب الأميركي لن يكونوا قادرين على الخدمة في الجيش لأنهم تجاوزوا حدود الوزن، أو لأنهم يعانون من مشاكل صحية، وانخفض مرة أخرى متوسط العمر المتوقع للأميركيين في السنوات الأخيرة. لعقود من الزمان كان هناك قطاع عريض في الصناعة وكذلك في السياسة ينكرون الحقائق العلمية لتحقيق أقصى قدر من الربح غير المنظم. من بين ذلك، على سبيل المثال، معركة صناعة السكر مع العلم بسبب البدانة، ورفض صناعة التبغ بسبب مخاطر التدخين الصحية، وكذلك حركة إنكار تغير المناخ. لقد أبرزت وعززت نظريات المؤامرة واتهامات الأخبار الكاذبة خلال دورة انتخابات 2016 والسنوات التي تلت ذلك عدم الثقة في الخبراء. فشعار «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» هي في الأساس فكرة أنه إذا كان هناك شيء جيد بما يكفي استناداً إلى البحث العلمي السليم، فيجب أن أكون أنا المقياس. وفي هذا المنحى، حلَّت الفطرة السليمة القديمة والاستياء المتزايد محل الاحترام لأولئك الحاصلين على الدكتوراه. أعتقد أنَّ أحد الأسباب الأخرى للتردد في استخدام اللقاح هو ما أسميه علم الحرب الباردة السيئ. إن آثار تجارب الأسلحة النووية في الهواء الطلق، وتجارب التحكم في العقل التي أجرتها «وكالة المخابرات المركزية» فيما يتعلق بالضحايا غير المقصودين، والأحداث السرية في المنطقة 51 في صحراء نيفادا، والتطوير السري للأسلحة البيولوجية في قاعدة للجيش في ماريلاند، جميعها ساعدت في تفسير سبب استعداد الكثير من الأميركيين لتصديق نظريات المؤامرة، وعدم الثقة في الرواية الرسمية. جاء تفشي العدوى في جميع أنحاء العالم الآن، من نيويورك إلى ريو دي جانيرو، ومن لندن إلى مومباي، ليجبرنا على التصالح مع ما مكننا العلم من نسيانه: المعاناة بدرجة أثرت على غالبيتنا بطريقة أو بأخرى، حيث أصيب أكثر من 163 مليون شخص في جميع أنحاء العالم ومات 3.3 مليون على الأقل. في الوقت نفسه، استفدنا من النجاح الملحوظ في التطوير السريع ونشر اللقاحات التي أنقذت أرواحاً لا تعد ولا تحصى. في النهاية، أنا متفائلة بأن هذه التجربة المشتركة ستعزز الثقة في اللقاحات ومعجزات العلوم الطبية التي صنعها البشر.
مشاركة :