تتوجس مصادر قريبة من دوائر صنع القرار في الرباط من تداعيات خطيرة للأزمة الحالية بين المغرب و إسبانيا على العلاقات الثنائية والشراكة مع دول الأتحاد الأوربي، بعد دخول إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو إلى إسبانيا بهوية مزورة. ومن غير المستبعد في رأي مراقبين إذا لم تنجح الاتصالات المكثفة الجارية حاليا في احتواء الأزمة أن يعلن المغرب عن إجراءات قد تشمل وقف التنسيق الأمني و الاستخباراتي مع إسبانيا والتعاون في مواجهة الهجرة غير النظامية والحرب على الإرهاب. وتوقعت مصادر مغربية أن تذهب الرباط إلى ما هو أبعد من ذلك و إعلان تجميد العلاقات و هو ما سيكون له تأثيرات سلبية على الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وحذرت سفيرة المغرب في إسبانيا كريمة بن يعيش من أن الأزمة الدبلوماسية بين البلدين ستتفاقم إذا لجأت السلطات الاسبانية "الى إخراج المدعو ابراهيم غالي ( زعيم جبهة البوليساريو) من البلاد بنفس الطريقة التي تم إدخاله إليها". ودعت ضمنيا مدريد التي غادرتها قبل أيام على عجل بعد استدعائها للتشاور في الرباط إلى تحمل مسؤولية اختيار "ركود العلاقات" المرشحة للمزيد من التدهور حسب مراقبين. و قالت بن يعيش في تصريحات إلى وكالة الأنباء الإسبانية إن الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين مدريد والرباط على خلفية استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية ابراهيم غالي "بشكل سري وبهوية منتحلة تعد اختبارا لقياس مدى موثوقية وصدق الخطاب السائد منذ سنوات بشأن حسن الجوار والشراكة الاستراتيجية بين البلدين وكذلك اختبار اللقضاء الإسباني الذي نثق به". ووجهت محكمة إسبانية منذ سنوات لائحة اتهام طويلة إلى غالي تشمل جرائم حرب من قتل و إخفاء قسري و اغتصاب بعد دعوى رفعها ضده ناشطون صحراويون و إسبان، بيد أن غالي السبعيني الذي يقود جماعة مسلحة تدعو لاستقلال إقليم الصحراء الغربية المستعمرة الإسبانية السابقة لم يمثل أمام قاضي التحقيق و استفاد من رعاية خاصة في شمال إسبانيا منذ استقباله "لدواع انسانية" حسب وزيرة الخارجية الإسبانية بعد إصابته بوباء كورونا و في إطار ترتيبات بين الاستخبارت الإسبانية و الجزائرية. وفي افتتاحية نارية أكد مدير وكالة الأنباء الرسمية خليل الهاشمي الإدريسي أن "عواقب هذه الأزمة السياسية والدبلوماسية الكبرى متعددة وكارثية". وأضاف الهاشمي أنها "لا تلغي فقط واقع 15 سنة من التقدم بالنسبة للجانبين لبناء شراكة ثنائية صلبة لكنها ستفتح أبواب جهنم على مصراعيها بمراراتها وأحقادها القديمة. فالفرحة الحالية – الطفولية وغير المنتجة – لأحزاب اليمين المتطرف في إسبانيا لأكبر شاهد على أن حكومة بيدرو سانشيز الضعيفة تتجه مسرعة نحو الحائط" حسب تعبيره وربط مصطفى الرميد وزير الدولة المغربي لحقوق الإنسان بين دخول آلاف المهاجرين لمدينة سبتة وبين استقبال مدريد لإبراهيم غالي. واعتبر الرميد في تدوينة نشرها في صفحته على موقع "فيسبوك" أن بلاده كانت محقة في تخفيف القيود على الحدود مع "ثغر سبتة" بعد استضافة إسبانيا إبراهيم غالي. وتصدرت الأزمة الحالية مع اسبانيا اهتمامات الصحف و المواقع المغربية و كذلك النقاش العام. وأشار خبراء إلى أن الأجهزة المغربية احبطت هجمات إرهابية دموية في اسبانيا و منعت السلطات المختصة عشرات الالاف من المهاجرين غير النظاميين من التسلل إلى السواحل و المدن الاسبانية. وكان مسؤول أمني مغربي رفيع حذر قبل أيام من أن مدريد "ستخسر من مراجعة التعاون الأمني و الاستخباراتي بين البلدين" و قال محمد الدخيسي المدير المركزي للشرطة القضائية و رئيس مكتب "الانتربول" بالمغرب أن “ألمانيا وإسبانيا ستتضرران من تعليق المغرب لتعاونه الأمني معهما؛ لأن مستوى الأجهزة الأمنية المغربية معترف به على الصعيد العالمي بفضل مهنية وحرفية وصدق وكفاءة هذه الأجهزة" حسب قوله.
مشاركة :