بايدن ومعضلة القراءات الخاطئة سامي البدري طاب صباحك سيادة الرئيس جو بايدين.. سيدي هل تقرأ ما يرفع إليك من تقارير وهل تستمع لنشرات الأخبار؟ بصراحة سياساتك ومواقفك من القضايا الدولية لا تدلل على هذا. مواقفك لا تدلل على غير حسابات انفعالية تمليها مواقف شخصية من قادة العالم، وبالذات في حوض الخليج العربي وقياداته. سيادة الرئيس، بلادك مسؤولة عن أبشع احتلال في تاريخ العالم الحديث، وأبشع ما انطوى عليه هذا الاحتلال من جرائم بحق العراق وشعبه، وما لحقها من اختلال في توازن القوى في منطقة الخليج، فكيف تريد سحب قوات بلادك والمضي، من دون تصحيح الوضع؟ أعرف ان السياسة الدولية لعبة مصالح وقانونها: ما لا ينفعني ليذهب إلى الجحيم، ولكن هل أنت متأكد أن لم تعد لبلادك مصلحة، بين قطبيّ هذه المنطقة على الأقل، العراق والسعودية؟ كيف ووفق أي حسابات؟ هل فكرت بالقوة المرشحة لملء الفراغ الذي سيتركه انسحابك وإلى أي جهة سترجح كفته؟ مواقف إنفعالية سيدي الرئيس، السياسة الدولية وتوازناتها لا تحددها المواقف الانفعالية من الأشخاص، كما حصل مع سلفيك، جورج دبليو بوش، الأب والابن، اللذين حكمتهما مواقفهما الشخصية من صدام حسين فدمرا العراق في حربين جائرتين أحالتاه إلى حطام. هذا من جهة العراق، أما من جهة المملكة العربية السعودية، فهي لطالما كانت حليفاً وازناً ومتوازناً للولايات المتحدة، فما الذي استجد بشأنها يا ترى؟ سواء تبجحت أنت أو وسائل إعلامك، فالعراق مازال محتلاً من قبل بلادك، وحتى بعد أن تنازلتم لجزء من قراره ومصيره لإيران. فهل أنت عازم على تسليمه كاملاً لإيران؟ لماذا ولأي هدف؟ وطبعاً هذا لا يخلي مسؤوليتك ولا مسؤولية بلادك عن مصير العراق وشعبه بالقطع، وفي كل الأحوال. هل ستكون إيران أمينة معكم في حماية مصالحكم في العراق، وأنتم ترون ماذا تفعل وكيف هي تمدداتها وأساليب هيمنتها، ليس في العراق فقط، بل في ثلاث بلدان عربية أخرى، ولا تخفي اطماعها في دول الخليج، وأولها السعودية طبعاً؟ بل إن أطماع إيران في السعودية هي الأخطر، لأنها أطماع مبنية على رؤية أيديولوجية، تنطلق من فكرة أن هيمنتها على السعودية، التي تضم أراضيها أقدس بقاع المسلمين، إنما تعني التحكم بمصير كامل المسلمين، من زاوية رؤيتها الطائفية الضيقة. وطبعاً مثل هذه الهيمنة ستضمن لها الهيمنة على موارد وثروات هذا البلد الغني، كما هو حاصل في العراق، عن طريق أذرعها الحاكمة، ومنذ قرار سلفكم، سيء الذكر والعمل، باراك أوباما، الذي سلمها إدارة العراق كاملاً، عقب خداع إيران له باتفاق الملف النووي عام 2015 . سيدي الرئيس، إيران ستواصل مساعيها في الحصول على السلاح النووي، سواء أعدتها إلى الاتفاق النووي القديم أو وقعت معها اتفاقاً جديداً بشأنه، ببساطة لأن رؤية من يحكمونها مقفلة في اتجاه واحد، وهو أن حصولها على هذا السلاح، وأي سلاح فتاك آخر، سيسمح لها في بسط هيمنتها، الأيديولوجية قبل السياسية، على كامل دول المشرق العربي، فما بالك إنك تركز على هذا الجانب وتتعامى عن جوانب تطويرها لصواريخها البالستية وتغلغلاتها السياسية، التي لا تفتر لحظة واحدة، في كامل دول الخليج؟ سيدي الرئيس، ما الذي جنته الولايات المتحدة من مقاسمتها إيران لاحتلالها للعراق؟ ها أنتم أركبتموها خلفكم على ظهر الحصان فلم تكتفي بسرقة ما في الخرج، بل أسقطتكم عن السرج، وها هي تطارد فلولكم في قواعدكم العسكرية، وتخرجكم منها، واحدة تلو الأخرى، وإلى حد يدفعكم بالتفكير في اغلاق سفارتكم في بغداد! فماذا تسمي حكمتكم وحكمة دوائركم ومخابراتكم هذا؟ هل هو هزيمة أم لها تسمية أخرى في قاموسك السياسي؟ مركز ثقل لسنا بلهاء يا سيادة الرئيس، ونعرف تماماً أن دخيلة حكام إيران ليس لها عدو، لا في أمريكا ولا في إسرائيل، عدو إيران الأوحد هم العرب، وبحقد أعمى؛ ومركز ثقل هذا العدو يتمثل في حكومة المملكة العربية السعودية التي تقف حائلاً، بين إيران وبين مشروعها هيمنتها الأيديولوجي، عبر سيطرتها على مدينتيّ مكة والمدينة المنورة، وهذا ما سيتيح لها بالتالي الهيمنة على موارد وثروات باقي دول المنطقة، اوتماتيكياً، بحسب رؤية حكام إيران. طبعاً أنا لا ألومك يا سيادة الرئيس على فرط ثقة دول الخليج بدولتكم كحليف، لأن السياسية مصالح وفن خداع من أجل تحقيق المصالح، إنما ألوم دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، على ثقتها بمن هو ليس أهل الثقة مثلكم، وكان عليها بدل هذه الثقة أن تبني، هي وباقي دول الخليج، ترساناتها من كافة أنواع الأسلحة، وأولها الصاروخية بعيدة المدى، وخاصة أنها تتوفر على ما يتيح لها هذا من أموال، بدل الاتكاء عليكم في تأمين حمايتها، فبالتالي، وكما يقول المثل العراقي (لبس العرايا لا يدوم، وإذا دام ليلة فإنه لا يدفي). يبقى لي سؤال أخير سيادة الرئيس: ماذا ستسمي خروجك (من ناحية كون قرارك يمثل مكانة وهيبة أعظم دولة في العالم) من الخليج، وبم ستبرره للشعب الأمريكي؟ هل ستسميه انسحاب تكتيكي، أم ستكون واضحاً وأميناً وتسميه هزيمة، كما هي في حقيقة الأمر؟ ربما ستجد من يقبل هذا بشأن تخليك عن السعودية، على أمل اجبارها على دفع المزيد من المال، أما في حالة العراق فهي هزيمة واضحة المعالم والأركان، وبتمامها أيضاً، أم لك رؤية أخرى، من موقع كونك رئيس ويفهم ما لا نفهم، نحن الناس البسطاء؟
مشاركة :