التباس مفهومي الكماليات والضروريات يوقع الأسر العربية في فخ الديون

  • 5/23/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أدت الثقافة الاستهلاكية غير المحدودة التي أصبحت تميز المجتمعات العربية إلى الالتباس بين مفهومي الكماليات والضروريات، ما أوقع العديد من الأسر في فخ الديون وشرك الاستدانة والقروض بطريقة يصعب الخروج منها. وينصح خبراء علم الاجتماع الأسر بالتمييز بين الأمور الأساسية وتلك الكمالية وتهذيب الرغبات وتقنينها، وذلك بوضع لائحة مكتوبة بالأشياء التي يرغبون في الحصول عليها. يؤكد خبراء علم الاقتصاد أن تحقيق التوازن بين دخل الفرد وإنفاقه وصرف أموال كثيرة لشراء أمور كمالية لا حاجة حقيقية لها يؤديان حتما إلى الوقوع في شرك الاستدانة والقروض بطريقة يصعب الخروج منها. ويستدلون على ذلك بمقولة “إن الفرد إذا اشترى اليوم ما لا يحتاج إليه سيبيع غدا ما يحتاجه”، وهي مقولة أثبتت صحتها وفق اعتقادهم. ويرى خبراء علم الاجتماع أن المظاهر الاجتماعية تدفع إلى عدم القدرة على التمييز بين الضروريات والكماليات، وبين المهم والأهم، وأن الأسر لا تملك القدرة على التحكم في رغباتها بمجرد دخولها إلى السوق، مشيرين إلى أن هذه الأمور تعد أكثر وضوحا بين النساء أكثر من الرجال، حيث تنفق وتبعثر الكثير من المبالغ والأموال على الملابس والإكسسوارات والحقائب والأحذية غالية الثمن، مع ضرورة أن تحمل اسما تجاريا بارزا في عالم الموضة والأزياء حتى وإن كانت مقلّدة. ويؤكد الخبراء أن للدعاية والإعلام دورين أساسيين في تحديد ميولات الأفراد ورغباتهم وقناعاتهم وحتى حاجاتهم. ويشيرون إلى أن مشاهدة الأفراد لإعلان حول منتج ما لبضع ثوان يستطيع أن يتلاعب بعقولهم ويدغدغ مشاعرهم ويوهمهم بأن هذا المنتج حاجة أساسية لا بد من الحصول عليها. ويميل الفرد إلى تلبية رغباته لأنه يميل إلى ما يريحه بشكل أو بآخر. ويترك الإعلان تأثيرا كبيرا على العادة الشرائية التي تجعله يتغاضى عما هو أساسي وما هو كمالي حتى لو أغرق نفسه في الديون والأعباء المادية. وقال عمر الكعبي مدرب معتمد لدورات تدريبية واستشارية للمراكز والمؤسسات بالإمارات “إن هناك العديد الآن ممن ينظر إلى الكماليات على أنها ضرورة بل هو مستعد للجوع في سبيل تحقيقها، فما يراه أحدهم ضرورات، يراه الآخر كماليات أو حاجات”. وأضاف، عند الحديث عن موضوع الضروريات والكماليات، يجب أن نعلم أن هذا المجال من المصالح الأساسية، فالضروريات هي التي تشكل عصب الحياة الاجتماعية ويقوم عليها كيان المجتمع ومصيره، والتضحية بكل شيء من أجل الحفاظ عليها، أما الكماليات فتأتي في مرتبة بعد الضروريات. وتابع “يمكن أن نعتبر الموازنة بين الضروريات والكماليات مهارة يتم عن طريقها وضع الأشياء أو الأمور في ترتيب معين حسب أهميتها، ومن بين الكلمات أو المفاهيم المرادفة لها مفهوم الترتيب، وهي تسمح باتخاذ القرارات التي تتطلب تنظيما أو ترتيبا معينا يأخذ في الحسبان العوامل المختلفة والمعلومات المتوافرة والأنشطة المتنوعة، كما أنها تزود بالخيارات المهمة التي يصنع في ضوئها القرارات”. الموازنة بين الضروريات والكماليات مهارة يتم عن طريقها وضع الأشياء أو الأمور في ترتيب معين حسب أهميتها وكان شراء الكماليات قديما حكرا على الأغنياء، لكن بفعل العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة، أضحت جل الأسر تغرق نفسها في الديون الكثيرة والقروض لشراء الكماليات. كما أصبح شراء الكماليات والغرق فيها دافعا لارتكاب جرائم السرقة والاختلاس والإثراء غير المشروع. ويمكن تفسير تراكم الديون على العائلات في زمننا الراهن وفق أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة الصحبي بن منصور بسببين رئيسيين هما أولا غلبة العصر على الحياة، أي أن الأسر التي كانت تتكبد فقط مصاريف الكهرباء والماء صارت اليوم مطالبة شهريا بسداد فواتير الإنترنت وشبكة الهاتف المرتبطة به في المنزل علاوة على مصاريف شحن هاتف كل فرد سواء للمكالمات أو للإنترنت الشخصي خارج البيت. كذلك مواجهة المصاريف القارة المرتبطة برسوم الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة ووسائل النقل والسكن أو المصاريف الطارئة المتصلة بالمعالجة في المصحات الخاصة بالنظر إلى أن الدولة اليوم في كل أنحاء العالم كفت عن دور الرعاية. وقال بن منصور لـ”العرب” إن جل البلدان المتقدمة تسعى لتحسيس هياكلها الاجتماعية عبر حملات رسمية بضرورة حماية الأسرة من فخ الديون التي لا فكاك منها، وذلك بسبب نهم الاستهلاك واتباع الشهوات دون قدرة على كبحها، لاسيما أن كثرة الديون تؤدي إلى توتر الزوجين وعدم شعورهما بالاطمئنان، وهو ما ينعكس سلبا على استقرار الأطفال وعلى نتائجهم في الدراسة. وتنفق العائلات الكثير من المبالغ المالية والمخصصات العائلية على أمور لا جدوى منها، ويعد ذلك إسرافا، وفق علماء الاجتماع. ويرى خبراء علم الاجتماع أنه من الضروري أن تكون في المنزل سيارة واحدة إلى سيارتين، ولكن من الكماليات والظواهر السائدة أن تكون هناك سيارة لكل من الأم والأب، وسيارة لتلبية حاجات المنزل وسيارات أخرى لبقية أفراد العائلة من الموظفين أو من طلبة الجامعة، وهذا ما جعل الكثيرين يخلطون بين الكماليات والضروريات والحاجيات الضرورية. Thumbnail ويرون أيضا أنه من الضروري أن يمتلك كل منزل خادمة واحدة، ولكن من الكماليات والمظاهر الاجتماعية أن يحتوي المنزل الواحد على أكثر من أربع خادمات. وتبحث بعض العائلات برغم دخلها المحدود عن أسماء مدارس بعينها بهدف أن يتلقى أبناؤها تعليما جيدا، وتفضل فقط أن تكون أجنبية لتكون على يقين بأنها الأفضل، والمقياس الوحيد لدى بعض العائلات لمعرفة مدى جدارة بعض المدارس هو مدى ارتفاع أقساطها السنوية، حتى أنها تتنافس في هذا المضمار. وقال عودة عبدالجواد أبوسنينة أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة عمان العربية “إن شكوى العديد من الأسر والعائلات من عدم قدرتها على إدارة ميزانية العائلة أمر طبيعي خصوصا للأسر ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة وبخاصة الموظفين أصحاب الرواتب”. وأضاف أن ما يطلق عليه “ظاهرة الندرة” التي تعني أن الفرد دخله محدود ومتطلبات الحياة ومصاريفها غير محدودة، ساهم في اختلال مصاريف الأسر التي لا تستطيع الموازنة بين الضروريات والكماليات. ويضع خبراء الاقتصاد طرقا للمساعدة على تحسين العادات الشرائية للأفراد كأن يتمكنوا من التمييز بين الأمور الأساسية والأمور الكمالية. ويمكن وضع لائحة مكتوبة بالأشياء التي يرغبون في الحصول عليها ثم طرح أسئلة حول ماهية حاجتهم لهذه السلع وهل هي أساسية وهل يمكن الاستغناء عنها وهل أنهم يطلبونها لأنهم اعتادوا رؤيتها في يد غيرهم أو فعلا هي من الأمور التي لا يمكنهم الاستغناء عنها؟ وهل يريدون الحصول عليها نتيجة تأثير الدعاية أو البيئة المحيطة أو ظرف نفسي، وهل يملكون من المال ما يمكنهم من شراء هذه السلعة، وهل هي ملحة وفعلية؟ ويرى الخبراء أن الإجابة عن هذه الأسئلة قبل شراء السلعة ستساعدهم كثيرا في تحديد ما يحتاجون إليه فعلا.

مشاركة :