ما أن انقشع ظلام الليل وبزغت شمس الصباح توجه السكان في قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة لتفقد أثار هجمات إسرائيل طيلة 11 يوما وسط حزن وصدمة من هول الدمار. وتحولت عشرات المباني والشقق السكنية والمقرات مدنية وحكومية في مناطق متفرقة من القطاع إلى ركام متناثر جراء هجمات مكثفة شنها الطيران الحربي الإسرائيلي ضمن أعنف جولة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة. وبعد أن وضعت موجة العنف أوزارها بدخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وإسرائيل برعاية مصرية في ساعات فجر عادت الحياة إلى طبيعتها في أحياء القطاع. وعجت الشوارع بعمال النظافة الذين هموا إلى تنظيف الطرقات التي امتلأت بالحجارة جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت كافة مناطق القطاع، فيما عادت مئات العائلات في مراكز الإيواء التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى بيوتها. وتصف السيدة أم خليل النبيه المشهد عقب عودتها من إحدى مدارس الوكالة الأممية إلى منزلها في حي الشجاعية شرق غزة بعد أسبوع من إخلائه بأنه "دمار شامل حل في المنطقة". وتقول النبيه لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهى في الأربعينيات من عمرها والتي خرجت برفقة 5 من أفراد عائلتها خشية على حياتهم كون أن القصف كان يتركز على الأراضي الزراعية التي تلف بيتهم الحدودي "عشنا في كابوس كبير طيلة الأيام الماضية" ونحتاج أسابيع وأشهر للخروج منه بفعل شدة الغارات الإسرائيلية. وتوضح بينما يتواجد أطفالها حولها يحملون بعض الأكياس بها أوراق شخصية وثبوتية، أن "القصف أكبر وأشد مما حدث في حرب 2014 الأخيرة وهذا ما دفعنا لترك منازلنا خوفا على حياتنا". وتتابع النبيه باكية، أن "الخروج من المنزل كالمهجرين والمشردين كما حصل في نكبة الشعب الفلسطيني إلا أنه لا مفر منه للنجاة من الموت، معربة عن أملها أن يتم تحقيق هدوء تام للعيش في سلام وأمن كبقية شعوب العالم. وقتل 243 فلسطينيا بينهم 66 طفلا و39 امرأة 17 مسنًا وأصيب أكثر من 1900 آخرون في مقابل مقتل 12 شخصا في إسرائيل منهم طفلين وإصابة أكثر من 300 آخرين بحسب إحصائيات رسمية. وبدأ مسعفون وعمال إنقاذ منذ ساعات صباح اليوم عمليات بحث وانتشال لجثث مفقودين من تحت أنقاض منازل وبنايات مدمرة وأنفاق أرضية جراء هجمات إسرائيل. وبموازاة ذلك سارع الشاب الثلاثيني سلمان السوسي إلى بناية جيرانه في حي الرمال غرب غزة التي دمرت بالكامل لشعوره بإمكانية العثور على مفقودين تحت الأنقاض. ويقول السوسي بينما ينبش في يديه بين الركام لوكالة أنباء ((شينحوا)) ، "تلقيت منذ ساعات الصباح الأولى اتصالا من أحد الأصدقاء من خروج رائحة قوية تخرج من تحت الأنقاض". ويضيف الشاب الذي بدا وحيدا يبحث بين الحجارة المتناثرة، "توجهت مباشرة للبناية بحثا عن مصدر الريحة التي تدلل بوجود جثث تحت الركام من أجل استدعاء فرق الدفاع المدني". ويشير السوسي، إلى أن البناية السكنية كانت مكونة من 5 طوابق بها العديد من الشقق السكنية المستأجرة ونزوح عشرات العائلات عند أقربائهم هربا من القصف الإسرائيلي العنيف. ولم يتوقع السوسي في أي وقت أن يتم استهداف البناية السكنية كونها تضم مدنيين وتقع بعيدا عن عمليات عسكرية غرب المدينة، مشيرا إلى أن "للعدوان الإسرائيلي ويلات وبعده ويلات أخرى أكبر وأشد". يأتي ذلك فيما أعلن وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة ناجي سرحان، أن أكثر من 1800 وحدة سكنية في غزة تعرضت للتدمير جراء الهجمات الإسرائيلية. وذكر سرحان، أن أكثر من 17 ألف وحدة سكنية تعرضت لأضرار جزئية وذلك وفق ما أظهرت التقديرات الأولية للخسائر، مشيرا إلى أن 5 أبراج سكنية كبيرة تعرضت للهدم الكلي فيما بلغت عدد المرافق والمقار الحكومية التي تعرضت للتدمير 74 مقرا حكوميا ومنشأة عامة. وفي السياق دعا وكيل وزارة الحكم المحلي في غزة أحمد أبو راس إلى ضرورة عقد مؤتمر رئيسي ومركزي لإعادة إعمار غزة على أرضها، مؤكدا جاهزية غزة لاستقبال الداعمين والمانحين ليطلعوا بشكل مباشر على حجم الأضرار التي تسببت فيها إسرائيل. وقال أبو رأس للصحفيين في غزة، "نريد من المانحين والداعمين أن يعلنوا تضامنهم واستعدادهم لدعم إعادة إعمار غزة من على أرضها ليكونوا شهودا على حجم الدمار الذي سببه العدوان". من جهته أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية في تصريح صحفي، أن البيوت التي دمرت جراء "العدوان الإسرائيلي ستبنى وسيتم إعادة البسمة والأمل للمكلومين". وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على غزة، عقب سيطرة حماس عليه بالقوة، عقب جولات اقتتال داخلي مع الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة الفلسطينية في عام 2007.
مشاركة :