إضافة جديدة حقًا للمسرح وتاريخه في البحرين تلك التي توصل إليها الناقد الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم في كتابه الصادر عن الملتقى الثقافي الأهلي (مركز عبدالرحمن كانو الثقافي حاليًا) والذي تعرش صدر غلافه (عبدالله الزائد وتأسيس الخطاب الأدبي الحديث)، فقبل هذه الإضافة لم يرد اسم الزائد في أغلب بل كل الوثائق التي عنيت بتاريخ المسرح البحريني وإن وردت إلى حد ما في بعض ما كتبه الراحل مبارك الخاطر، فإنها لا تعدو عن كونها تذكيرًا عابرًا باهتمام الزائد بالمسرح. إن الناقد الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم حاول عبر تقصيه كل الكتابات التي صدرت في أعداد جريدة البحرين منذ العام 1939 وحتى العام 1944 من القرن الماضي، أي مع توقف الجريدة عن النشر، حاول استنطاق كتابات الزائد وما يكتب في جريدته، وإخضاعها لمجهره النقدي الاستكشافي والتحليلي وتقصي دورها الفاعل والتفاعلي مع القارئ والمسرحي ودورها الإعلامي في تعريف أبناء منطقة الخليج والبلدان العربية بالمسرح في البحرين. إن إضافة الدكتور غلوم هي واحدة من الدراسات التي احتواها كتابه ولكنها في رأيي واحدة من أهم الدراسات، ذلك أن الزائد قد عرف عنه احتفاؤه بالصحافة والشعر والقصة والسياسة والأخبار ولم يعرف كثيرًا عنه اهتمامه بالمسرح. انطلاقًا من هذه الاستثنائية وجدت ضرورة عرض وقراءة دراسة الدكتور غلوم عن المسرح وتقدم الخطاب الموازي، فالدكتور غلوم يرى أن الفترة التي صدرت فيها جريدة البحرين (1939ـ 1944) هي أهم فترة سنوات النضج للمسرح التاريخي في المدارس، وإن الجريدة لم يبرز دورها فقط في واقع رصدها الصحفي لما يعرض في مسرحيات، ولكن في واقع خلقها مساحة واسعة نسبيًا لفن المسرح وبثها نمطًا من الاهتمام المغاير بهذا الفن اعتمد التوجه إلى استفزاز العناصر والمؤسسات المشاركة في تأسيس المشهد المسرحي في المدارس والأندية بضرب من المتابعة التي تعتمد الغلو والمبالغة في الإطراء والتشجيع والاندماج المتعاطف مع عطاءات التنظيم والإخراج والتمثيل، وهو تعاطف يستحث العمل الجماعي جاعلاً من مسألة المسرح وكما لو أنها مسألة عامة يتحدث فيها الرجل العادي بينما هي لا تعدو أن تكون نشاطًا محصورًا في المدارس وفي أندية محددة أهمها نادي البحرين. ويستعرض الدكتور غلوم عبر ببليوغرافيا المسرح في جريدة البحرين 35 مقالاً ونصًا، مجمل ما نشر فيها، واضعًا إياها ضمن احتمالات ثلاثة يراها الدكتور غلوم تنصب في الغالب في مجال التخطيط الهادف إلى تحصين الشعور الوطني لدى الناشئة، وتخطيط الجريدة في احتواء المسرح والاحتفاء به ـ كـما يتقصى ذلك الدطتور غلوم ـ يتجلى في مظاهر أخرى قريبة من مظاهر الاحتفاء بالشعر، فهناك ما يزيد عن عشر مقالات نشرت في وسط الصفحة الأولى، مما يعني تأكيد اهتمام الزائد بالمادة المسرحية. ويحرص الزائد ـ كما تذكر الدراسة ـ على تحويل الاحتفاء بالمسرح إلى القاعدة العريضة من الناس، وكانت خطة الزائد في ذلك، أن يوحي لقراء الجريدة بأن الرجل العادي الذي يجلس في المقهى، يتحدث عن المسرح ويتساءل عما سيقدم من جديد، بل أنه يستذكر ما قدم في سنوات سابقة. وفي الجريدة مقال نشر في عدد منها تحت عنوان (تسجيل حقيقة )، يعرض الزائد فيه مختصرًا لعرض مسرحية (الفاروق) في جاهليته وإسلامه لطلاب مدرستي المحرق والحد الابتدائيتين، ثم ينتقل مستعرضا الحوار الذي سمعه في أحد المقاهي الشعبية حول المسرحيات التي يقدمها نادي البحرين، وما تحققه من نجاح منقطع النظير، مثل مسرحية (مجنون ليلى) لأحمد شوقي، ويكتشف عبر هذا الحوار الذي ينقله على لسان رواد المقهى، أن النادي يخطط لعرض مسرحية أخرى وهي (مصرع كليوباترا)، وينقل لنا الدكتور غلوم جانبًا من الحوار الذي يسجله الكاتب في جريدته، ذاهبًا إلى أنه مضى يكشف عن استباق صورة المشهد المسرحي التي يخطط عبدالله الزائد لوجودها في الحياة الثقافية والأدبية، لأنه يستفز ذاكرة القارئ، ويستحث اندماجها في دائرة الاحتفاء التي يخضعها الزائد للمشهد المسرحي. ويثير الدكتور غلوم سؤالاً مهمًا وبشفافية تامة في سياق مواكبة الجريدة للمسرح في المدارس والأندية، وهو لماذا لم توثق الجريدة نصوص مسرحيات عبدالرحمن المعاودة التي عرضت في فترة إصدار الجريدة رغم أن الزائد يلهث وراء نشر كل ما له صلة بالمسرح في الأندية والمدارس؟ ويصل الباحث الدكتور غلوم إلى أنه لا توجد إجابة في أمر يتصل بالزائد أو بجريدة البحرين، وإنما الإجابة تكمن في نمط الكتابة المسرحية التي درج عليها المعاودة، فهو شاعر اقترن اسمه بجريدة البحرين كما اقترن اسم الزائد، ومع ذلك لم ينشر من مسرحياته سوى مقطع قصير لا يتجاوز الثمانية أبيات من رواية (أبو عبدالله الصغير) التي قدمها نادي البحرين، ولا يجد الباحث تفسيرًا لذلك سوى أن المعاودة كان ينظم الشعر في مسرحياته مقطّعًا وكان يعطي الممثل مقطعًا من دوره ثم ينتظر فترة حتى يستكمل دوره بمقاطع أخرى، وهكذا يفعل مع جميع الأدوار، بل أنه نظم بعض الأدوار على طاولة التدريب مما يعني أن مسرحياته لم تكن مكتملة في يد جميع ممثلي العرض، وإنما تكتمل في لحظة العرض، وحين ينتهي، يظل النص المسرحي المنظوم مقطّعًا في أدوار مشتتة بأيدي الممثلين من الطلاب وأعضاء النادي. ولهذا السبب كما يرى الباحث الدكتور غلوم أصبحت مسرحيات هذا الشاعر عرضة للضياع، فلا المعاودة عني بإعادة صياغتها ولا الطلاب والمعنيين بالمسرح آنذاك جمعوا أشتاتها، أما جريدة البحرين فلم تكن قادرة على احتواء وتوثيق الصورة المكتملة للنص المسرحي لأنها مقرونة بأيام العرض كما ذكرنا، لكن ذلك ـ كما يرى الباحث ـ لا يقلل من شأن اهتمام الزائد بنشر النصوص المسرحية أو توثيقها، ويذكر لنا أن الزائد عني كثيرًا بتفاصيل مسابقة إذاعة لندن للرواية التمثيلية، وأنه رغم خبرته بالكتابة المسرحية فقد شارك في هذه المسابقة بمسرحية أطلق عليها مصطلح رواية تمثيلية، رغم أن حجمها لا يتجاوز حجم القصة القصيرة وكان عنوانها (عدالة الله)، ولم تحصل هذه المسرحية على جائزة في المسابقة، لكنه نشرها في الجريدة. ويذكر الباحث الدكتور غلوم أن هناك نصًا آخر لكاتب عربي اسمه عبدالعظيم القاضي بعنوان (فضولي يتقدم)، حصل على الجائزة الثانية في المسابقة وقام الزائد بنشره في عددين من الجريدة. وعن نص الزائد (عدالة الله)، يرى الدكتور غلوم بأنه لا يرقى إلى الصيغة المسرحية المقبولة، وهو لا يدعي ذلك وإنما يقدمه في سياق خطين متوازيين من عنف مشاعر الزائد وحدة عاطفته، الأول يشكل موقفه من الحرب والنازية، والثاني يشكل موقفه وحبه لفن المسرح، ويتقاطع الموقفان فيشكلان نصًا مثقلاً بأعباء تعليمية وذهنية سياسية، فالزائد اتخذ من الصة القرآنية بين موسى وعمران ويوشع معادلاً موضوعيًا لما يجري من ظروف عالمية تهيء مناخ الحرب وهزيمة هتلر، ولعل أدق اللمحات الفنية التي يومض بها هذا النص، يراها الباحث في اهتمامه برسم تفاصيل المشهد المسرحي وتسجيله الدقيق لحركة مسرحية صامتة معبرة طوال النص الأول من النص، وأرى من وجهة نظري أنه يكفي الزائد طرقه أبواب قضايا عالمية لم يتم طرقها في حينها من قبل أقرانه من الكتاب والشعراء والمسرحيين، فذلك الذهاب يعتبر في رأيي ريادة يستحقها الزائد في ولوجه مثل هذه القضايا العالمية المؤرقة والمقلقة، وينم ذلك أيضًا عن ثقافة فريدة تميز بها الزائد وفاق أقرانه فيها آنذاك. وأضيف معلومة أخرى إلى ما أضافها الباحث الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم، وهي تلك التي وردت في في مقدمة المؤرخ الراحل مبارك الخاطر في كتابه الصادر عن الملتقى الثقافي الأهلي (ديوان عبدالله الزائد)، وهي أن الزائد أسس بين عامي 1936 و1937 دارًا للمسرح والسينما بالمنامة، وذلك للعروض المسرحية والسينمائية وأطلق عليها المسرح الوطني، ويشغل مبنى دار سينما الحمراء موقع هذا المسرح، وهو أول مسرح وطني في الخليج العربي. وأخيرًا أحيي الجهد الاستقصائي والتحليلي والببليوغرافي الدقيــق والباحث الذي بذله الناقد الباحث الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم في سبــيل قراءة عبدالله الزائد مسرحيًا، وهي قراءة رائدة تستحق التأمــل وإضافــة إلى أهــم مراجع المسرح في خليجنا ووطننا العربي.
مشاركة :