شاعت الكتب وازدهرت وانتقلت من مكان إلى آخر، بفضل عملية النشر، ولقد كان ارتباط الكتاب في العصر الحديث بصناعة النشر، من أبرز المراحل التي أسهمت في انتشار المعرفة، وزيادة عدد القراء في جميع انحاء العالم. زيادة دور النشر وانتشارها في العالم، أدى في ما بعد إلى نشوء فكرة بيع الكتب، وانتشار وتنظيم المعارض التي تروج للكتب والإصدارات والموسوعات الأدبية والعلمية والفكرية المختلفة، وتلبي طموح القارئ حيثما وجد. هذه المتلازمة بين نشر الكتاب، وتوزيعه، ووجوده في مكتبة القارئ، هي بكل تأكيد تدين لمؤسسات ودور النشر التي لعبت كما أسلفنا دوراً محورياً في التثقيف، بفضل تشجيع عادات القراءة بين الناس، وانتقال البشر بفضل هذه المعرفة درجات متقدمة في سلم المعرفة والاطلاع ودخول بوابات العالم الشاسعة نحو مزيد من التطور والتقدم والرقي. في الإمارات، شهدت عملية نشر الكتب وتوزيعها، تسارعاً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية، ذلك أن النهضة التي شهدتها البلاد في الجانب الاقتصادي والعمراني، تزامنت مع وعي متقدم في جانب التطور التعليمي والنهضة المعرفية، فانتشرت معارض الكتب بفضل ازدياد وانتشار دور النشر الخاصة والعامة في العاصمة أبوظبي وفي دبي والشارقة وغيرها، ومنها على سبيل المثال: دار هماليل للطباعة والنشر، وكتاب، ونبطي، والهدهد، والياسمين، وجميرا، والعلياء، وورق وغيرها، وهذه الدور تتوزع حسب جغرافيا المدن الإماراتية، ولها مشاركات فاعلة في معارض الكتب المحلية، وهي تنبئ بقوة قطاع النشر في الإمارات، التي أصبحت بفضل هذه القفزة المشهودة، قريبة من فكرة عاصمة للنشر، وهو الذي أدى في المقابل إلى تحسين عادات القراءة بين الأجيال المختلفة، من طلاب وكتاب ومثقفين بوجه عام، ناهيك عن ثراء ثقافة الطفل وزيادة الكتب الموجهة لهذه الشريحة المهمة. هذه الطفرة في دور النشر الإماراتية، رافقتها طفرة موازية في زيادة الكتاب والناشرين الإماراتيين، والتي هي نتاج حراك ثقافي كبير، ملموس ومشاهد من خلال الندوات والملتقيات الأدبية والثقافية النوعية في المدن الإماراتية الكبيرة، وهو الذي يبشر بحسب كلام بعض الكتاب والمثقفين ومنهم الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بتحويل الإمارات إلى مركز مهم في الحراك الثقافي في الشرق الأوسط. من الظواهر الإيجابية التي يلمسها المراقبون، وهم يقرؤون مؤشر تطور قطاع صناعة النشر في الإمارات، هو بروز جيل جديد من القراء، والكتاب والروائيين، في مقابل نحو مئة من دور النشر المحلية ما بين رسمية وخاصة، وهو الذي جعل خيارات نشر الكتاب الإماراتي متاحة بسهولة، لم تكن متوفرة من قبل، في ذلك الوقت الذي كانت فيه خياراتهم محدودة جداً، إما من خلال إحدى المؤسسات الرسمية المهتمة بهذا الشأن، أو اللجوء إلى إحدى الدور العربية في القاهرة وبيروت وغيرهما، أو باعتماد أسلوب النشر الشخصي، هذا مع غض الطرف عن عملية توزيع الكتاب، التي كانت من المهام الشاقة على الكاتب الإماراتي، فيما هي اليوم متاحة بقوة في الإمارات.ورغم حداثة دور النشر الخاصة في الإمارات، فأصحابها يؤكدون دائماً الدعم الذي تحظى به مؤسساتهم من القطاع الحكومي، وهو الذي يبشر بخطوات رائدة في مجال النشر المحلي، غير أن ذلك يحثهم على البحث عن خطط واستراتيجيات تدعم هذا القطاع، فالشاعر علي الشعالي صاحب ومؤسس دار الهدهد للنشر والتوزيع، الذي تهتم مؤسسته بإصدار كتب للفتيان والناشئة في مجالات الآداب والعلوم المختلفة، ينشغل دائماً بالبحث عن كل ما من شأنه تطوير هذا القطاع، ومن ذلك مثلاً إيجاد آليات وخطط واضحة لجعل الناشر الإماراتي شريكاً مع المؤسسات في طباعة الكتب، فالناشر من وجهة نظر الشعالي هو صاحب رؤية ويستطيع أن يوفر الكثير من الجهد والتكاليف في هذه العملية المعقدة، كما أنه يستطيع أن يقدم خبرة وقيمة مضافة بشأن تطوير صناعة النشر في الإمارات، ورغم ذلك يبدي الشعالي تفاؤله بمستقبل دور النشر الخاصة، وهو الذي يشاركه فيه تامر سعيد مدير عام دار كلمات، الذي يعتقد بضرورة إثراء ثقافة الطفل وتنمية شخصيته من خلال القراءة والمطالعة وضرورة البحث عن معايير وازنة في الكتاب المخصص للطفل من حيث القيمة المعرفية والجمالية وهو الذي يشجع في المستقبل على تنمية هذه العادات القرائية عند الأطفال وينميها. تبدو عملية النشر في القطاع الإماراتي الخاص، بحسب استطلاعات كثير من الكتاب الإماراتيين واثقة بنفسها، وهو من الأمور الإيجابية التي يمكن تلمسها من أحاديث الكثيرين من أصحاب هذه الدور وهم في غالبيتهم من الكتاب، وهذا مظهر من مظاهر الصحة وهو شكل إيجابي، أن يكون الكاتب بنفسه ناشراً، لمعرفته المسبقة بأحوال النشر. فصالحة غابشة الكاتبة المعروفة ومشرفة دار صديقات للنشر والتوزيع تؤكد مسألة إقبال القارئة الإماراتية والعربية على اقتناء الكتب، وهذا ما تلمسه من خلال إشرافها على هذه الدار التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع المؤسسات التعليمية، كون الكتب التي تحتضنها دار صديقات كتبا تعليمية وتربوية في المقام الأول. دار ورق واحدة من الدور التي تهتم بنشر الثقافة للكبار، تؤكد مؤسستها الإعلامية والكاتبة المعروفة عائشة سلطان، أنها تهتم بمعايير الإبداع والعلم، وتلبي حاجات القراء في شتى مناحي المعرفة البشرية، والدار نشطة في مجال التوزيع وتسعى لتسويق كتبها في منطقة الخليج وتوسيع رقعة نشاطاتها إلى الخارج وعبر الدول العربية.
مشاركة :