نشأت حميدة في أسرة بسيطة كان والدها شديد القسوة، وشقيقها الأكبر لا يقل عنه بقسوة القلب، بينما كانت أمها كسيرة الجناح، وكان الفقر يخيم على حياتهم، فوالدها ذو أجر قليل في عمله وأجره يكفي احتياجات الأسرة الضرورية فقط، ولم يكن أفراد الأسرة يسلمون من ضرباته وركلاته المستمرة، وكأنهم السبب في قلة دخله وبالطبع لم تنل حميدة أي قدر من التعليم وتركت المدرسة دون الحصول على أية شهادة دراسية، وبقيت في المنزل تنتظر ابن الحلال وتتعلم شؤون المنزل حتى تكون مؤهلة للزواج، وعندما بلغت ال 18 من عمرها كانت في قمة الصبا والجمال في الحي الشعبي الذي تنتمي إليه وتعيش فيه، وبالطبع فتاة في مثل جمالها كانت مطمح كل الراغبين في الزواج، خاصة وأنها فقيرة وسترضى بالقليل. تقدم عثمان لطلب يد حميدةوهو من المزارعين الذين يترددون إلى المدينة لبيع الخضر التي يزرعها في قريته، وشعر والدها بأن السماء استجابت لدعواته فها هو يوشك أن يتخلص من أحد الأفواه الجائعة التي يحمل هم طعامها في رقبته، كما وافقت هي على الزواج به بطيب خاطر، وتم الزواج بأقل الإمكانات وانتقلت إلى المنزل المتواضع الذي أعده العريس عثمان في قريته، ورغم ذلك كانت حميدة تشعر بالسعادة، وأن الدنيا ضحكت لها بعد طول شدة، خاصة وأن زوجها أظهر حبه وحنانه لها، كما كان طيباً ويتعامل معها برفق. مرت عليهما الأشهر الأولى من الزواج، كأنها لحظات قليلة والسعادة تغمرها وتحيط بها من كل جانب، وتظهر بوضوح على وجهها الجميل، لكن شاء الله جعلهما دون أولاد فحرما نعمة الإنجاب، وعلى مدى عشر سنوات كاملة ترددا على جميع عيادات أطباء أمراض النساء، وقامت حميدة بإجراء كل أنواع التحاليل والأشعة اللازمة لمثل هذه الحالات، ليس مرة واحدة بل لمرات عدة كما أجرت بعض العمليات الجراحية، وعلى الجانب الآخر قام عثمان بإجراء الكثير من التحاليل، وتناول العديد من العقاقير، حتى لو لم يكن بحاجتها، وطرقا كل الأبواب من أجل إنجاب طفل يغير مجرى حياتهما الروتينية التي كثيراً ما كانا يشعران فيها بالملل، وأن كان كل واحد منهما قد وجد في الآخر سلواه وكان يتفانى في تعويضه عما يفتقده، خاصة أن الأطباء لم يحددا من هو المسؤول عن عدم الإنجاب. استمرا على هذه الحالة طوال عشر سنوات كاملة، ليختبر الله صبرهما حتى أعلنت حميدة أخيراً أنها حامل، ولكنها كانت تعاني صعوبة شديدة، وكان الزوج في البداية يعتقد أن تعب زوجته من الأمور الطبيعة، وأنها بمجرد انقضاء الأشهر الأولى سوف تتحسن حالتها، لكن ما حدث كان عكس ذلك فقد ازدادت حالتها سوءاً يوماً بعد يوم. قرر الزوج أن يلجأ إلى الطبيب الذي أخبره بأن زوجته تعاني قصوراً في عضلة القلب، وألزمها ببعض التعليمات حتى تنتهي مدة حملها على خير، وبالفعل التزمت حميدة بتعليمات الطبيب وساعدها زوجها في ذلك رغم القلق والانزعاج الذي عاشا فيه طوال شهور الحمل، وكانت أصعب لحظة هي لحظة ولادتها. خرجت حميدة من المستشفى وحالتها يرثى لها، والزوج يحمل طفلته البائسة ناهد المحرومة من إرضاع أمها لها بناء على تعليمات الأطباء، كما حرمت من دفء حضن أمها ورعايتها لها،فلقد تدهورت حالة أمها وتوفيت بعد مرور عامين على ولادتها وسلمت الروح لبارئها، تاركة زوجها وطفلة صغيرة لا يعرف مصيرها، اجتمع الأهل والأصحاب لمساعدة الزوج على رعاية الطفلة، وبعد مرور شهور عدة عانى الزوج صعوبة شديدة بين متابعة عمله ورعاية الطفلة، بدأت الهمسات بضرورة زواجه حتى اقتنع بالفكرة لمصلحة طفلته في المقام الأول. كانت إنصاف ابنة خالته هي الأنسب لاعتبارات كثيرة، أهمها أنها ليست صغيرة في العمر فقد تعدى عمرها ال 30 إلى جانب أنها لا تتمتع بجمال فتان يجعلها ترفضه، والأهم أنها بالفعل كانت مرتبطة بالطفلة ارتباطاً وثيقاً، منذ أن كانت والدتها على قيد الحياة. تم الزواج ولم يشعر الزوج في البداية بوجود إنصاف في حياته، وأصبحت الطفلة مصدر سعادته الوحيدة خاصة وأنها كانت طفلة جميلة حصلت على حب الجميع منذ مولدها فقد كانت خفيفة الظل ذكية تشعر بالأمان مع كل من يحملها وتملأ المنزل بالصخب والمرح، رغم أنها مازالت طفلة صغيرة، لذلك كانت هذه الطفلة الصغيرة أكثر من عانى تسلط زوجة والدها، فقد كان والدها يحنو عليها كثيراً لحرمانها المبكر من والدتها، و كانت خفة دمها ولباقتها التي تسبق عمرها سبباً في غيرة زوجته، ما جعلها تنفس عن غضبها فيها فكانت زوجة أب سيئة حتى تصادف أن عاد عثمان يوماً من عمله مبكراً عن موعده المعتاد، ووجد زوجته تتناول الطعام بينما طفلته ملقاة على الأرض والذباب حولها، فلم يتمالك نفسه وانهال على إنصاف ضرباً وطلقها، وقرر أن يعيش لابنته الوحيدة مهما كلفه ذلك من تضحيات، لكن قبل أن تبلغ ناهد السابعة من عمرها توفي والدها أيضاً فأخذها عمها للإقامة معه في منزله في أطراف القرية، حيث لا يوجد لها من الأقارب سواه، خاصة وأن أقارب أمها يقيمون بعيداً ومنذ وفاتها انقطعت صلتهم بها. كبرت ناهد في منزل عمها ولم يكن لها سواه في المنزل يعطف عليها، فزوجة عمها اعتبرتها عبئاً لابد من تحمله، لذلك فإن مشاعرها تجاه الطفلة كانت محايدة ولم تكن تضربها وأيضاً لم تحاول يوماً أن تأخذها في حضنها وتربت عليها، كما يحتاج جميع الأطفال وابن عمها محمود أكبر منها بنحو 6 سنوات فلم يعتبرها أختاً أو صديقة يشاركها في ألعابه الصبيانية، كما كان دائماً يتغيب عن المنزل ساعات طويلة يقضيها مع أصدقائه في القرية. بعد مرض قصير توفي عم ناهد بعد عامين من انتقالها إلى منزله فاتخذتها أرملته خادمة، وألقت إليها أعباء المنزل، والغريب أن هذه الأعباء كلها كانت السبب في سرعة نضجها حتى ارتبطت بعلاقة حب مع أحمدوهو شاب من إحدى القرى المجاورة لقريتها،وتطورت العلاقة سريعاً بينهما وتركت لمشاعرها العنان وبدأت تخرج مع حبيبها وتقابله. لاحظ ابن عمها محمود الذي أصبح سيد المنزل بعد وفاة والده ما طرأ عليها من تحولات فانخفضت ساعات غيابه عن المنزل، وأصبح يخرج مبكراً ليزاول عمله في الحقل القريب، ويعود إلى المنزل وقت الغداء ليتناوله مع أمه وابنة عمه الحسناء، وبدأت كلمات الغزل تعرف طريقها إلى لسانه، وبعد أن كانت تلميحاً أصبحت تصريحاً لكن هذه الكلمات لم تجد طريقها إلى قلب ناهد، الذي شغل بغيره، وكلما حاول محمود أن يقترب منها ازدادت عنه ابتعاداً دون سبب واضح حتى اختفت من المنزل ولم يعرف أهالي القرية سوى ما قاله لهم محمود وأمه بأن ناهد سافرت للإقامة مع أقارب أمها ولم يهتم أحد بالبحث عن الحقيقة.مرت نحو 7سنوات كانت خلالها والدة محمود قد توفيت هي الأخرى وأصبح وحيداً في المنزل ومع ذلك كان يقضي فيه معظم أوقاته ولا يسمح لأحد بزيارته،وذات مساء في ساعة متأخرة فوجئ به أهالي القرية يطلب منهم مساعدته في توليد زوجته وعلى الفور تطوعت سيدات عدة للذهاب معه، حيث ظهرت الحقيقة ففي نهاية المنزل توجد حجرة بباب واحد كان محمود يغلقه باستمرار من الخارج، وداخل الحجرة كانت ابنة عمه ناهد تقيم ومعها طفلان صغيران أنجبتهما منه خلال مدة سجنها الطويل بعد رفضها الزواج من،ه وكانت أمه تساعدها في الولادة في المرتين السابقتين، لكن هذه المرة كانت أمه قد توفيت كما كانت الولادة متعسرة فاضطر محمود إلى طلب المساعدة من الجيران الذين وجدوها مشرفة على الموت، فأسرعوا بنقلها إلى المستشفى، حيث تبين أنها تعاني حالة وضع متعسرة علاوة على سوء التغذية وإصابتها بتقرحات عدة في جميع أجزاء جسمها .على الفور تم إجراء جراحة قيصرية لإنقاذ الجنين من الموت بعد أن تم نقل دم للأم وإعطائها المقويات، وقرر الأطباء أنها تحتاج إلى برنامج غذائي صحي وطبي لفترة طويلة، حتى يتم تعويضها عن الفترة الماضية. تلقت الشرطة بلاغاً بما حدث وألقت القبض على محمود، وأحيل إلى النيابة للتحقيق معه في واقعة احتجاز ابنة عمه باعتبارها زوجته دون حق ودون عقد زواج.
مشاركة :