يتوجه السوريون في مناطق سيطرة القوات الحكومية الأربعاء إلى مراكز الاقتراع في انتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع النزاع المدمر قبل أكثر من عقد من الزمن ومن شأنها أن تمنح الرئيس بشار الأسد ولاية رابعة لمدة سبع سنوات إضافية. وفي بلد أنهك النزاع بناه التحتية واقتصاده، وأودى بحياة أكثر من 388 ألف نسمة وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، شككت قوى غربية عدّة بنزاهة الانتخابات حتى قبل حصولها، واعتبرها معارضو الأسد "شكلية". وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها من الساعة 07,00 (04,00 ت غ) حتى الساعة 19,00 (16,00 ت غ) على أن تصدر النتائج خلال 48 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع. واتّخذ الأسد (55 عاماً) عبارة "الأمل بالعمل" شعاراً لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاهما في سدّة الرئاسة. إلى جانب الأسد، يخوض مرشّحان السباق الرئاسي هما وزير الدولة السابق عبد الله سلوم عبد الله (2016-2020) وكان نائبا لمرتين والمحامي محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك بين ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، والتي اتسمت بالفشل. وخلال مؤتمر صحافي سبق الانتخابات، قال وزير الداخلية محمّد خالد رحمون الثلاثاء إن عدد من يحق له الانتخاب في كامل المناطق السورية وخارجها يتخطى 18 مليون شخص. لكن الانتخابات ستجري الأربعاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، ويقطن فيها حوالى 11 مليون شخص. ويبلغ عدد المراكز الانتخابية، وفق الداخلية، أكثر من 12 ألفاً، ويحق للناخب أن يُدلي بصوته في أي مركز، على اعتبار أن "سوريا دائرة انتخابية واحدة". وستغيب الانتخابات عن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، كما عن مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غرب البلاد. وأعلن مجلس سوريا الديموقراطية الجناح السياسي لقوات سوريا الديموقراطية في مناطق سيطرة الأكراد، أنه "غير معني" بالانتخابات. ووصف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمدعوم من تركيا ومقره اسطنبول، الانتخابات بـ"المسرحية". والخميس، شارك عشرات آلاف السوريين في عملية الاقتراع في سفارات بلادهم وقنصلياتها في اليوم المخصص للمقيمين خارج سوريا، ممن يحملون جوازات سفر سارية وتركوا البلاد بطريقة شرعية، وهو ما لا يسري على ملايين اللاجئين الذين فروا من البلاد. - "الثابت الوحيد" - في دمشق، غزت صور للأسد الشوارع، وبكثافة أقل صور للمرشحين الآخرين. ولم يجر الأسد أي مقابلة صحافية خلال الحملة الانتخابية، ولم يشارك في أي فعالية ولم يتوجه بأي خطاب الى السوريين. لكنه أصدر في الآونة الأخيرة سلسلة قرارات وقوانين في محاولة لتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وأصدر عفواً رئاسياً شمل الآلاف من مرتبكي الجرائم المختلفة. ويحلّ الاستحقاق الانتخابي فيما تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة خلّفتها سنوات الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع رجال أعمال سوريون كثر، أموالهم. وعلى وقع النزاع، شهدت الليرة تدهوراً غير مسبوق في سعر صرفها في مقابل الدولار. وبات أكثر من ثمانين في المئة من السوريين يعيشون، وفق الأمم المتحدة، تحت خطّ الفقر. وبعدما ضعفت في بداية النزاع وخسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا مساحات واسعة. ورغم توقف المعارك إلى حد كبير، لا تزال مناطق غنية، تضم سهولاً زراعية وآبار نفط وغاز، خارج سيطرتها. ويعمل الأسد ومن خلفه حلفاؤه، وفق محللين، على جذب "مانحين محتملين" لتمويل عملية إعادة الإعمار. وفي 2014، حين كانت المعارك في أوجها، فاز الأسد بـ88 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفتها دول غربية ومعارضون بأنها "فاقدة للمصداقية"، وكانت تُعد نظرياً الانتخابات التعددية الاولى في سوريا منذ نصف قرن، تاريخ وصول حزب البعث الى الحكم. وقد تعاقب على رأس السلطة في سوريا منذ مطلع السبعينات الرئيس حافظ الاسد ومن بعده نجله بشار عبر استفتاءات شعبية كانت نسبة التأييد فيها تتجاوز 97 في المئة. ويرى دبلوماسي أوروبي متابع للشأن السوري أنّ الأسد حالياً "يراهن على أن يكون الثابت الوحيد في بلد مدمر".
مشاركة :