ما بين السبعينيات والثمانينيات، استخدما بيرش من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وبيلاسكو من جامعة سان دييغو في مقالاتهما الأكاديمية عن ريادة الأعمال، أسهل طريقة للتعبير عن واقع عالم الأعمال في ذلك الوقت، والتي لا تزال هذه المقارنة وبعد مرور أربعة عقود تصلح لوقتنا الحاضر، حيث تم تشبيه المؤسسات التي تدار من خلال هرمية جامدة وتتسم عملياتها بالبيروقراطية بـ (الفيلة) مما يجعلها بطيئة في الحركة والتغيير، ومن ناحية أخرى، شُبهت المؤسسات التي تتسم بالمرونة بـ (الغزلان) والتي تمثل خفة حركتها البُنية والعمليات الرشيقة مما يجعلها تتكيف مع المتغيرات وتتحمل المخاطر العالية، والتي يؤكد من خلالها بيلاسكو الحاجة إلى روح التغيير والابتكار والمرونة. من جانبه، عبّر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي إيناكي أورتيغا عن الحقيقة التي ميزت العلاقة بين هذين الأسلوبين لسنوات عديدة بالحكاية التالية: «كان الفيل الشاب الذي عاش في السافانا يلاحظ بإعجاب يوميًا الرشاقة التي يتفادى بها الغزال الخفيف معظم العقبات والمخاطر ومنها هجمات الأسود والنمور، حيث تشبه قفزاته البهلوانية خطوات الرقصة الرياضية (Ballroom) التي تحييها Chopin chords، فقرر الفيل أن يقضي عدة أسابيع في ممارسة أدوار ودرجات الرقص، حتى صباح أحد الأيام اقترح بشغف على الغزال أن يرقصوا معًا، تردد الغزال لأن الفارق الكبير بين وزن الفيل (خمسة أطنان) مقارنةً بوزنه ذو الخمسين كيلوغرامًا فقط يجعل من الأمر صعبًا ومكلفًا، ولكن حماس الفيل الصغير أقنع الغزال أخيرًا، فبدأ الحيوانان يرقصان وكأنهما في رقصة الفالس (الرقصة الأوروبية الشهيرة)، وفي أول منعطف من الرقصة، سقطت قدم الفيل بالخطأ وبكل قوة وزنه الخمسة أطنان على عمود الغزال الهش والذي سحق حتى الموت على الفور». لا شك إن الوضع الراهن وخصوصًا مع تفشي جائحة الكورونا، أثبت أننا أمام عالم جديد وبيئة عمل جديدة آخذة في التشكل، ولمواجهة تغيراتها يتطلب الأمر تفكيرًا علميًا مستندًا على الحقائق والبيانات المنظمة، ورسم سيناريوهات المستقبل بناءً على ذلك، فالتخطيط التقليدي والإجراءات الروتينية والتفكير النمطي المعتاد كل تلك الأمور لم تعد صالحة للعمل في مراحل الفوكا (VUCA) وهو المصطلح الذي أطلق على الظروف التي ينتابها (التقلب، عدم اليقين، التعقيد، والغموض) والتي يمكن لقادة الأعمال مواجهة عالمها بالرؤية الحاضرة والقدرة العالية على الفهم والتحليل، والوضوح في اتخاذ القرارات المناسبة، بالإضافة إلى المرونة والتحرك السريع لتطبيق الحلول والتجاوب مع هذه المتغيرات، كما أنه يجب تكييف نماذج الأعمال في المؤسسات والشركات وحتى منتجاتها أو خدماتها مع الواقع الجديد، والتي بدونها سيكون مصيرها الانقراض، كما حدث لآلاف وآلاف من الشركات والشركات الصغيرة في العالم، والتي فشلت في البقاء في هذه البيئة المعادية، حيث لم يعد الفيل قويًا للغاية، ولم يعد الغزال هشًا للغاية. - توفيق محمد السباعي باحث في العلوم الإدارية والموارد البشرية
مشاركة :