إنهاء باريس سان جيرمان الموسم بلقب واحد كبير بعدما خسر الصراع مع ليل على لقب دوري الدرجة الأولى الفرنسي، لا يقلل بأي حال من الأحوال من تألق النجم الفرنسي كيليان مبابي مع فريق العاصمة على مدار الموسم، والدور لعبه في تتويج سان جيرمان قبل أيام بلقب كأس فرنسا. كما أن خسارة لقب الدوري جاء بعد تغلب ليل على أنجيه 2 - 1 ليتوج باللقب متفوقاً بفارق نقطة واحدة أمام سان جيرمان الذي فاز أيضأ على بريست بهدفين نظيفين في المرحلة الثامنة والثلاثين الأخيرة من المسابقة. وقال مبابي - الذي صنع الهدف الأول وأحرز الثاني - بعد المباراة، إن «الفوز بهداف البطولة للمرة الثالثة على التوالي مصدر فخر ». في المباراة النهائية لكأس فرنسا بين باريس سان جيرمان وموناكو، بدا الأمر وكأن عالم كرة القدم بأسره قد توقف وهو يشاهد إبداعات النجم الفرنسي الشاب مبابي. فبينما كانت النتيجة تشير إلى التعادل السلبي، نفذ موناكو ركلة ركنية من جهة اليمين لتسقط الكرة أمام مبابي داخل منطقة جزاء فريقه وهو يقوم بواجباته الدفاعية، ليبدأ النجم الصاعد بسرعة الصاروخ في إبهار الجميع بموهبته الفذة، حيث استقبل الكرة بشكل رائع وبدأ في الركض باتجاه خط الوسط قبل أن يتحرك يميناً ثم يساراً ويراوغ ثلاثة لاعبين من موناكو. وبعد ذلك، أبطأ مبابي سرعته في دائرة خط الوسط وراوغ لاعباً رابعاً، ثم حرك قدميه من فوق الكرة وانطلق مرة أخرى، فيما بدا وكأنه مشهد مسرحي هزلي. لقد تلاعب مبابي بلاعبي موناكو الذي يعد من الأندية الكبيرة، أما اللاعب الذي راوغه مبابي بشكل مهين فهو غبريل سيديبي، الفائز بلقب كأس العالم والذي لعب 18 مباراة دولية مع منتخب فرنسا. وحتى تلك اللحظة، كان سبعة لاعبين يطاردون مبابي ويدورون حوله، بينما كان مبابي يتحكم بالكرة بشكل مذهل قبل أن يمررها ناحية اليمين. وبعد ذلك بقليل، صنع مبابي الهدف الافتتاحي في المباراة لماورو إيكاردي. وفي الشوط الثاني، رأى مبابي حارس موناكو، رادوسلاف ماجيكي، متقدماً عن مرماه فلعب الكرة ببراعة من على مسافة 45 ياردة بقدمه اليمنى لتصطدم بالعارضة في مشهد جميل كان من الممكن أن يكون أفضل هدف في الموسم. وعندما سجل مبابي الهدف الثاني لفريقه بلمسة رائعة بقدمه اليسرى هذه المرة، وصفه المعلق التلفزيوني الفرنسي بأنه «لاعب فوق العادة». إنه محق تماماً؛ لأن مبابي لاعب استثنائي في حقيقة الأمر، ويمكنني القول بأن مبابي هو أفضل لاعب في العالم في الوقت الحالي. لكن يجب أن نشير أيضاً إلى أن النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لا يزال يقدم مستويات استثنائية، على الرغم من أن سرعته قلت كثيراً عن ذي قبل بسبب وصوله إلى الثالثة والثلاثين من عمره. لكن مبابي الآن في أوج عطائه الكروي ويقدم أداء يجعله قادراً على التألق في أي فريق ينضم إليه، بل والتطور والوصول إلى مستويات أعلى. ومن الواضح، أن مبابي في حالة ذهنية وبدنية رائعة، وقد ظهر ذلك عندما خلع قميصه قبل انطلاق الشوط الثاني. وأمام موناكو، كان النجم الفرنسي الشاب يصول ويجول داخل المستطيل الأخضر، فتارة تراه ناحية اليسار، وتارة أخرى ناحية اليمين، ثم تراه في عمق الملعب ليلعب تمريرات سحرية إلى زملائه. وتعرض مبابي لتدخلات بدنية عنيفة خلال اللقاء، لدرجة أن أحد اللاعبين قد داس على رأسه في إحدى الكرات، وهي التدخلات التي تجعلنا ندرك تصريحات لاعب آرسنال، غابرييل، التي قال فيها، إن الدوري الفرنسي الممتاز «أقوى بدنياً» من الدوري الإنجليزي الممتاز. ومن الواضح أن الدوري الفرنسي يضم عدداً كبيراً من اللاعبين الأقوياء ذوي الإمكانيات والطموحات الكبيرة. وعلى الرغم من أن باريس سان جيرمان قد يكون مشروعاً ممولاً من دولة، فإنه دخل مباراة موناكو وهو يفتقر للعديد من النجوم، لدرجة أن صحيفة «ليكيب» قالت إن الفريق سيدخل المباراة وهو «يفتقر إلى الإبداع بشكل صارخ». وبالتالي، كانت هذه هي اللحظة المناسبة لمبابي لكي يقود هذه المجموعة من اللاعبين في هذه المباراة المهمة، وقد أثبت النجم الفرنسي أنه على القدر المسؤولية وتألق بشكل لافت للأنظار. في الحقيقة، لم يكن هذا شيئاً جديداً، حيث يتألق مبابي ويقدم مستويات مذهلة منذ خمس سنوات. لكن الشيء الآخر الذي أود التأكيد عليه بخصوص هذا الصبي القادم من ضاحية بوندي الفرنسية هو أنه شخص محبوب للغاية. وقبل المباراة النهائية للكأس، حاول أحد الصحافيين إثارة الجدل فسأل مهاجم ليل، جوناثان بامبا، عما إذا كان مبابي قد أظهر عدم الاحترام لنادي ليل عندما قال، إن باريس سان جيرمان يفضل خسارة لقب الدوري على أن يفوز به ليل، فهز بامبا كتفيه وقال، إن مبابي لم يكن يقصد ذلك بكل تأكيد، فهذه ليست شخصيته! إنه موضوع متكرر مع مبابي، الذي يتسم بالتواضع والوضوح، رغم كل ما حققه في هذه السن الصغيرة. وهذا هو الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في مبابي، فهو يجسد مفارقة رئيسية في كرة القدم الحديثة، فهناك عدد كبير من الجماهير التي تدعمه أكثر من النادي نفسه، والدليل على ذلك أن عدد متابعيه على إنستغرام بلغ 50 مليون شخص (أكثر من متابعي باريس سان جيرمان). وهناك الكثير من الشباب الذين سيتوقفون عن دعم باريس سان جيرمان ويواصلون دعم مبابي عند رحيله إلى ناد آخر، فهم يدينون بالولاء للاعب وليس للنادي. وقد يكون هذا أمراً منطقياً تماماً من نواحٍ كثيرة، خاصة بعد رغبة عدد من الأندية الكبرى في إقامة بطولة دوري السوبر الأوروبي بحثاً عن جني مزيد من الأموال. وفي المستويات العليا من اللعبة، فإن اللاعبين هم من يضفون الطابع الإنساني على كرة القدم الآن ويمنحون هذه الصناعة العالمية قدراً من المشاعر والأحاسيس. ويتميز مبابي بأنه رياضي لامع وممتع وملهم، وبالتالي أصبح معشوقاً لعدد كبير من الجماهير التي تبحث عن الطابع الإنساني للعبة بعيداً عن الأمور المادية. فوز ليل بلقب الدوري الفرنسي الممتاز هو بمثابة إنجاز رائع لهذا الفريق الجيد. أما مبابي فسيكون أمامه صيف آخر لتحقيق إنجاز عظيم، حيث سيقود منتخب بلاده في نهائيات كأس الأمم الأوروبية. ومن الناحية النظرية، تمتلك فرنسا خط هجوم نارياً في هذه البطولة. إن استدعاء كريم بنزيمة، الذي يتميز بأنه من نوعية اللاعبين الذين يلعبون من أجل الفريق، يعود إلى الرغبة في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من المواهب الرائعة في فرنسا. لكن على أي حال، من المتوقع أن يمتعنا مبابي بالكثير من مستودع موهبته الذي لا ينفد وسط كل هذا الضوضاء والضجيج لعالم كرة القدم الحديثة!
مشاركة :