استؤنفت أمس المفاوضات حول اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ التي تم تمديدها ليوم ثالث من أجل التوصل إلى تسوية بشأن نقاط الخلاف والتوصل إلى اتفاق بين الدول الـ 12 المشاركة. ويبدو أن التوصل إلى تسوية لاتفاق عبر المحيط الهادئ أقرب من التوصل إلى اتفاق عبر المحيط الأطلسي إلا أن الوقت يدهم إدارة أوباما التي تقترب ولايته الرئاسية الأخيرة من نهايتها. وبحسب "الفرنسية"، فقد كان من المفترض أن يختتم المشاركون المجتمعون منذ الأربعاء في أتلانتا (جورجيا، جنوب) المحادثات أمس الأول إلا أنهم فضلوا التمديد يوما إضافيا نظرا لأهمية الأهداف المحددة، وأكد متحدث باسم المندوب الأمريكي لشؤون التجارة أن المفاوضات مستمرة. وتمثل الدول الـ 12 المطلة على المحيط الهادئ وبينها الولايات المتحدة وروسيا 40 في المائة من التجارة العالمية وتسعى إلى إقامة منطقة تبادل حر واسعة لن تضم الصين في الوقت الحاضر، لكن هذا لا يزال تصطدم بعدة عراقيل. ويقول مفاوضون إن اليابان تطالب خصوصا بتقليص الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة أمام استيراد قطع غيار للسيارات من دول لا تنتمي إلى منطقة التبادل الحر في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك). وتأمل اليابان، الاقتصاد الثالث في العالم أن يؤدي الاتفاق إلى إقرار إصلاحات داخلية لا تلقى شعبية من أجل تحرير قطاع الزراعة، فيما تأمل فيتنام بدخول أسواق جديدة لا تزال مغلقة أمامها اليوم. ويعتبر بيتر بتري معد دراسة حول اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ لمعهد بيترسون، أن هذه المفاوضات التجارية هي الأكثر أهمية منذ 20 عاما، مشيرا إلى أنه سيكون لها فوائد مهمة غير مباشرة على الطريقة التي سيعاد فيها صياغة القواعد التجارية في مختلف أنحاء العالم. ونقطة الخلاف الثانية تكمن في انفتاح سوق منتجات الحليب في كندا والولايات المتحدة واليابان أمام منتجات نيوزيلندا وأستراليا. وأعرب روبرت بوتيت ممثل صناعات منتجات الحليب الاسترالية عن قلقه إزاء التحفظ الأمريكي أمام فتح هذه السوق قائلا إنه ليس لدينا أي دعم حكومي ومع ذلك فنحن ندعم التبادل الحر. وتوجه وفد من المنتجين الكنديين إلى أتلانتا لحض المفاوضين على عدم فتح السوق بشكل أكبر أمام المنافسة من الخارج. وحذر بيار باراديه وزير الزراعة في مقاطعة كيبك في كندا من أنه إذا تم الإبقاء على الاقتراح بإدخال 17 ألف طن من الأجبان إلى كندا فإن 400 مزرعة تملكها عائلات سيكون مصيرها الزوال. ويحاول المفاوضون الاتفاق حول تمديد مهلة حماية براءات الأدوية العضوية من خمس إلى ثماني سنوات، إلا أن جمعيات حماية المستهلكين ومنظمات غير حكومية ترى أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية. وأشارت منظمة "بابليك سيتيزن" غير الحكومية إلى أن هذه الزيادة ستشكل تغييرا في المقاربة التي تعتمدها الولايات المتحدة، التي تمنح الدول الأكثر فقرا مرونة أكبر لضمان حصول سكانها على أدوية بأسعار رخيصة. وبدأ المفاوضون محادثاتهم الأربعاء الماضي بعد اجتماعات فنية استمرت عدة أيام، وحذر أورين هاتش السيناتور الجمهوري الأمريكي من أن الكونجرس يمكن أن يرفض المصادقة على الاتفاق إذا لم يكن يضمن حماية كافية للمصالح الأمريكية، مؤكدا أنه لا أحد يجب أن يتسرع لإتمام المفاوضات إذا كان ذلك معناه نتائج دون المستوى لبلادنا. وتوصلت الإدارة الأمريكية إلى أن يقتصر دور الكونجرس على إقرار نص الاتفاق أو رفضه دون أن حق التعديل، واضطر البيت الأبيض لقاء تحقيق ذلك إلى مواجهة معارضة من داخل معسكره الديمقراطي. وتشمل المفاوضات التي بدأت في عام 2008 أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا والبيرو وسنغافورة والولايات المتحدة وفيتنام. ولا تشمل الصين بسبب التحفظ الأمريكي والياباني إزاء السياسة التجارية لبكين، كما تأمل واشنطن بالتوصل إلى اتفاق بشكل سريع تفاديا لمناقشات مطولة حول إقرار الاتفاق في الكونجرس بالتزامن مع الحملة الانتخابية الرئاسية العام المقبل. وتندد منظمات المجتمع المدني بالسرية التي تحيط بالمفاوضات وبأنها تريد إنشاء هيكلية قضائية خارجية لحل النزاعات بين مستثمرين ومؤسسات الدول الموقعة على الاتفاق. ويشارك في المفاوضات ممثلون عن المجتمع المدني وقد تجمع قسم منهم في بهو الفندق حيث تجري المفاوضات وهم يهتفون "لا لاتفاق الشراكة. أوقفوا السباق نحو الربح". وواضح أن هذه الاتفاقية موضع قلق للمجتمع المدني الذي يخشى أن يؤدي اتفاق الشراكة إلى رفع قيود عامة على حساب الحقوق الاجتماعية والبيئية. وأعلنت نقابة "إيه إف إل - سي آي أو" وهي من الأبرز في الولايات المتحدة أنه من الواضح أن اتفاق الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ لن يؤدي إلى إنشاء وظائف كما أنه لن يحمي البيئة أو يضمن النوعية الجيدة للواردات، مشيرة إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات هي المستفيد الأول. وبحسب وثائق سرية نشرها موقع ويكيليكس فإن الاتفاق يمكن أن يتيح لمستثمرين أن يقاضوا دولا وأن يؤدي إلى رفع أسعار الأدوية وتعزيز حماية الملكية الفكرية على حساب المستهلكين. وأكد دين بيكر من معهد "سنتر فور إيكونوميك آند بوليسي ريسيرتش" أن الناس سيدفعون مبالغ أكبر لشراء أدوية أو منتجات عليها براءة اختراع، والأمر مشابه لزيادة في الضرائب. وتعد هذه الانتقادات مشابهة لما تتعرض له اتفاق الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الأطلسي الذي لا تزال المفاوضات بشأنها جارية بين الأمريكيين والأوروبيين منذ تموز (يوليو) 2013.
مشاركة :