تقترب الحكومة الأميركية من الإعلان عن عجز مالي محتمل ومدمّر، وقد شرع المسؤولون في البيت الأبيض وزعماء من الحزبين الكبيرين في الكونغرس في محادثات تهدف إلى الوصول إلى صفقة بشأن الميزانية تمتد لعامين، وانتهاز ما يوصف بأنه فرصتهم الأخيرة لاتفاق الآراء قبل أن يتحول خروج جون بوينر إلى ما يمكن أن يكون قيادة أكثر حدة وقتالية لمجلس النواب.
وجاءت افتتاحية المفاوضات، التي بدأت خلال هذا الأسبوع مع اجتماعات مغلقة تضم كبار المسؤولين من البيت الأبيض وأعضاء من كابيتول هيل، إثر تحذيرات صادرة عن جاكوب ليو وزير الخزانة الأميركي يوم الخميس بأن الولايات المتحدة اقتربت من استنفاد قدراتها على الاقتراض بحلول 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، إذا ما رفض النواب زيادة مقدار الأموال التي يمكن للحكومة اقتراضها بصورة قانونية.
ويأتي تاريخ العجز المشار إليه قبل أسابيع مما توقعه النواب من قبل، كما أنه رفع وعلى الفور من حدة الضغوط لتجنب وقوع أزمة مالية جديدة وكسر حالة الجمود، التي صارت من الأمور الاعتيادية داخل واشنطن. سادت حالة من التشاؤم لدى المسؤولين من كلا الحزبين الكبيرين حيال أي توقعات لنجاح المفاوضات، ولكن توقيت التهديدات الاقتصادية المتوقعة قد يفتح الباب لفرصة نادرة للتعاون فيما بينهما.
ويقول النائب بيتر كينغ (الجمهوري، نيويورك) «إن حالة التردد الكبيرة تلك تقربنا جميعا من حافة الهاوية، وإنها ممارسة حكومية سيئة للغاية، كما أنها تلقي بظلال قاتمة على الأسواق وعلى السياسة كذلك. إن المواطن العادي من الناخبين في الشارع لا يعتبرنا إلا مجانين».
من غير المتوقع أن تضم المحادثات النائب كيفين مكارثي (الجمهوري، كاليفورنيا)، الذي يُنتظر أن يخلف السيد بوينر كرئيس للمجلس، وهو النائب الذي لم يعمل البيت الأبيض معه بشكل وثيق من قبل. وعلى النقيض من ذلك، ينظر مستشارو الرئيس أوباما إلى السيد بوينر من واقع أنه معروف لديهم وذو شخصية مباشرة، وهو شريك تفاوضي مهم حتى وإن لم يكن يتمتع بقدر كبير من التعاون معهم.
تبقى الخطوط العريضة لنقاط الخلاف الرئيسية والحالية ما بين الحزبين كما هي من دون تغيير، حيث يصر السيد أوباما والحزب الديمقراطي على رفع قيود الإنفاق الصارمة عن البرامج المحلية، بينما يستمر الجمهوريون في القول إن أي زيادة في الإنفاق المحلي ينبغي أن يقابلها وفورات في البرامج الاجتماعية غير الخاضعة للتقديرات السنوية للكونغرس. والمقترحات المطروحة، مثل رفع سن الأهلية للحصول على الرعاية الطبية وتغيير طريقة فهرسة مزايا التقاعد التأميني الاجتماعي مقابل التضخم، لا تعتبر من المسائل التي تحظى بدعم لدى الحزب الديمقراطي أو البيت الأبيض.
وعلى الأرجح، سوف يبحث المفاوضون عن بعض «المحسنات الديكورية» للتغطية على البرامج الحكومية الغامضة.
ومع الإعلان المفاجئ من جانب بوينر الخاص بتنحيه عن منصبه في نهاية هذا الشهر، يعتقد المسؤولون في البيت الأبيض أن رئيس مجلس النواب، الذي قال عنه الرئيس أوباما إنه كثير ما تركه وحيدا «عند المذبح» حالما كانوا يقتربون من الوصول إلى أي اتفاق، قد يكون الآن في موقف سياسي يجبره على إبرام أحد الاتفاقيات.
يقول المسؤولون في الإدارة الأميركية إنهم حريصون على اختبار استعداد السيد بوينر في تحدي أغلب الأعضاء المحافظين داخل حزبه المعارض حيال التوصل لتسوية ما، التي إذا ما أُبرمت، فسوف تتطلب أصواتًا من الحزب الديمقراطي لتمريرها. يخطط البيت الأبيض للدفع من أجل زيادة سقف الدين الفيدرالي، وبصورة منفصلة وضع مشروع قانون لتمويل النقل وإعادة افتتاح بنك التصدير والاستيراد.
يقول جوش ارنست السكرتير الصحافي للبيت الأبيض: «إننا مهتمون بالاستماع لما سوف يقوله رئيس مجلس النواب».
ومن غير الواضح إذا ما كان بوينر يشاركهم الرغبة نفسها في التوصل لتسوية مالية - وإذا كانت لديه الرغبة بالفعل، فمن غير الواضح إذا ما كان سوف يتفق مع السيد أوباما على تفاصيلها. ولكن بوينر قد اقترح أنه يفضل أن يترك السجلات نظيفة لمن يخلفه على رئاسة المجلس، وخالية من أكثر الأصوات السياسية صعوبة مما ابتليت بها فترة رئاسته.
إن آفاق النجاح خلال الأيام الـ30 المقبلة تحمل قدرًا كبيرًا من الحيرة: يمكن لأوباما إنهاء معارك الميزانية خلال الفترة المتبقية من ولايته. ويمكن لبوينر البعث برسالة إلى الأعضاء المحافظين الذين عذبوه لسنوات مفادها أنهم لا يملكون السيطرة عليه.
ويمكن لزعماء الحزب الجمهوري إظهار قدراتهم على السيطرة في الوقت الذي يدخل مرشحوهم في سباق الرئاسة إلى عام الانتخابات. ويمكن أيضًا للمعسكر الديمقراطي الحصول على إغاثة مرحب بها من ضغوط الإنفاق المستمرة التي تهدد بتقويض البرامج الحكومية. ومع ذلك، فإن الكثيرين يساورهم حذر شديد إثر الكثير من الأمل في أن الحزبين على وشك الانقسام مجددا.
وتوقع الكثير من النواب تلاشي احتمال الوصول إلى اتفاق عقب مغادرة السيد بوينر لمنصبه.
وقال النائب تشاك شومر، وهو النائب الديمقراطي الثالث من نيويورك: «من الصعب وضع سيناريو معين لما يمكن أن تتحسن عليه الأمور».
وأظهر رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته هذا الأسبوع استعدادا للعمل مع الجانب الديمقراطي ومعاندة أكثر الأعضاء المحافظين من خلال الموافقة على قانون الإنفاق الذي يحافظ على بقاء الحكومة قيد العمل حتى 11 ديسمبر (كانون الأول). ولقد تمت الموافقة على تدابير الإنفاق بدعم من 186 نائبا ديمقراطيا و91 نائبا جمهوريا.
ولكن التوصل لاتفاق أوسع نطاقا بشأن الإنفاق الحكومي حتى عام 2017 سوف يتسم بالكثير من الصعوبة.
من المقرر خروج النواب في عطلة تستمر أسبوعًا كاملاً احتفالاً بيوم كولومبس في 12 أكتوبر (تشرين الأول). كذلك، يمكن تهميش المحادثات خلال الأحداث السياسية الكبيرة المحيطة بانتخابات قيادات الحزب الجمهوري خلال هذا الأسبوع وشهادة هيلاري كلينتون أمام لجنة استماع بنغازي هذا الشهر.
وقال النائب روي بلانت (الجمهوري، ميسوري)، أول من أمس (الخميس)، إن صفقة الميزانية والدين «جديرة بالاستكشاف»، ولكنه أضاف أن هناك مساحة قليلة من الوقت المتاح لاستكمال أي الصفقتين.
والسيد بوينر المتحرر، حاليا، من ضغوط الجناح المحافظ المضطربة التي طالما طالبت بالتخفيض من الإنفاق الحكومي وبإجراء التغيرات في السياسات المتعلقة بحق النقض (فيتو) الخاص بالسيد أوباما، لم تعد لديه حرية الاختيار بين الاحتفاظ بوظيفته والتعاطي مع ذلك النوع من المساومات التشريعية، حتى عدد قليل من السنوات الماضية، مما كان أمرا شائعا قبل ذلك في واشنطن.
كان السيد أوباما، ولفترة طويلة، يعتبر السيد بوينر من الشخصيات الواقعية والعقلانية، من نوع النواب الجمهوريين أصحاب عقليات رجال الأعمال البراغماتية، الذي تمكن من إبرام الكثير من الصفقات معه خلال سنواته عمله كحاكم لولاية إلينوي. أما عيب السيد بوينر الوحيد من زاوية الرئيس هو، على نحو ما أفاد به مسؤولو البيت الأبيض في سرية، عدم مقدرة السيد بوينر المستمرة على إقناع زملائه الجمهوريين المعارضين بقبول أو الموافقة على الاتفاقيات التي يبرمها.
قال السيد أوباما خلال الأسبوع الماضي عقب إخطار السيد بوينر له عبر الهاتف بعزمه التخلي عن منصبه: «أعتقد أن السيد بوينر في بعض الأحيان كان في موقف عسير نظرا لوجود أعضاء داخل لجنته الانتخابية يعتبرون أن أي مساومة من أي نوع ليست إلا ضعفا أو خيانة في مواجهة الآخر».
ليست هناك من فرصة تقريبا، كما يعترف مستشارو السيد أوباما، بأن مغادرة السيد بوينر لمنصبه سوف تسفر عن أي مفاجآت تتعلق بالأولويات السياسية الأخرى لدى السيد الرئيس، مثل خطة إصلاح الهجرة، أو خطة مجانية التعليم الأهلي، أو المراجعة الكبيرة للقوانين الضرائب.
ولكن المسؤولين في البيت الأبيض والكابيتول هيل يقولون إن التردد الجمهوري قد أتاح نافذة لفرصة نادرة للسيد أوباما والسيد بوينر للاتفاق على حزمة معقولة من شأنها معالجة بعض القضايا الملحّة.
وبالإشارة إلى تعليق السيد بوينر الأخير بأنه مهتم «بتنظيف جميع السجلات قبل رحيله»، قال السيد ارنست أول من أمس (الخميس) إنه إذا ما أراد السيد بوينر العمل بأسلوب الحزبين الكبيرين.. «فسوف يجد شركاء داخل البيت الأبيض على استعداد تام للمساعدة في ذلك».