رأى الشيخ محمد صنقور، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، أن «الإرهابَ الذي يضربُ العديدَ من الدولِ الناميةِ والتطرفَ والطائفيةَ والفقرَ والطبقيةَ الفاحشةَ والجهلَ والشحَّةَ في الكوادرِ الكفوءةِ وضعفَ المواردِ وتوالي الأزماتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ كلُّها إفرازاتٌ لظاهرةِ الفساد الإداري والسياسي، وكلَّما تعاظمَ الفسادُ كلَّما تعاظمتْ هذه الآثارُ المدمِّرةُ للأوطان». وبدأ صنقور خطبته بقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وقال صنقور: «تُقرِّرُ الآية الكريمة بأنَّ منشأ الفسادِ في الأرضِ هو ما كسبته أيدي الناس، فالفسادُ أيَّاً كانت طبيعتُه ينشأ بفعلِ الإنسانِ وسوءِ اختيارِه كما تقرِّرُ ذلك الآيةُ المباركة، والمعنى الجامعُ للفسادِ هو الخَرابُ ويُقابلُه الصلاح، وفسادُ كلِّ شيءٍ بحسبه كما أنَّ للفسادِ مراتبَ تشتدُّ وتضعُف، ووصفُ شيءٍ أو فعل بالفاسد معناهُ عدمُ أدائِه للغرضِ والغايةِ المُنتظَرةِ منه، ويكونُ الشيءُ أو الفعلُ أشدَّ فساداً حين يُؤدِّي إلى نقيضِ الغرضِ والغايةِ المُنتظَرةِ منه، فالطعامُ يكونُ فاسداً حين يُصبحُ فاقداً للقيمةِ الغذائيةِ المُنتظَرةِ منه، ويكون أشدَّ فساداً حين يترتبُ على تناولِه نقيضُ ما يُنتظرُ منه كأن يُصبح ضارَّاً أو سامَّاً، وكذلك الفعلُ يصحُّ وصفُه بالفاسدِ حين لا تترتب عنه الغاية المترقبة من مزاولته، ويكون أشدَّ فساداً حين يكونُ الأثرُ المترتِّبُ عنه مناقضاً للغايةِ من مزاولتِه، فحين يُزاولُ الإنسانُ فعلاً يبتغي من ورائِه منفعةً فيفاجأ بعدمِ ترتُّبِ تلك المنفعة وأنَّ جهدَه الذي بذلَه قد ذهبَ هدراً فإنَّ هذا الفعل يصحُّ وصفُه بالفاسد، ويكون أشدَّ فساداً لو تمخَّض عن ذلك الفعلِ ضررٌ أو تبعاتٌ ممقوتةٌ كان يُحاذرُ من الوقوعِ فيها». وتابع «إنَّ الفسادَ قد يُطلقُ ويُرادُ منه الإفساد كما في قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}، وقوله تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}، والإفسادُ لا يكونُ غالباً إلا عن تعمُّدٍ أو تراخٍ ينشأُ عن عدم المبالاة، فهو أشدُّ سوءً من الفسادِ الذي قد ينشأُ عن القصورِ أو العجزِ وعدمِ الكفاءة». وأوضح أن «الفساد بكلا استعماليه يُمكنُ تطبيقُه على ما يُسمَّى بالفسادِ الإداري والفسادِ المالي والفسادِ السياسي، فحينَ يتمُّ التشكيلُ لدائرةٍ من الدوائرِ لغاياتٍ وأهدافٍ محدَّدةٍ فيمضي الوقتُ الافتراضي دون أنْ تتحقَّقَ تلك الغاياتُ فذلك يعني أنَّ تلك الدائرةَ فاسدةٌ وذلك لعجزِها عن بلوغِ الغايةِ من تشكيلِها، وتكونُ أشدَّ فساداً حين يترتَّبُ عن تشكيلِها وتفويضِها تبعاتٌ تضرُّ بالغاياتِ التي شُكِّلت هذه الدائرةُ من أجلِ تحقيقِها، فحين تكونُ الغايةُ مثلاً من تشكيلِها هي التنمية فينتجُ عن تشكيلِها تراكمُ الأعباءِ والتراجعُ في العوائد فتلك الدائرةُ أشدُّ فساداً من الحالةِ الأولى، وكذلك هي أشدُّ فساداً من الحالةِ الأولى حين تكونُ الغايةُ هي الحمايةَ للأموال ويكونُ الناتجُ هو ضياعَها وتبديدَها، وأسوءُ من الحالتين الفسادُ الناشئُ عن التعمُّدِ أو التراخي المعبِّرِ عن عدمِ المبالاةِ كالفسادِ الناشئِ عن سوءِ الاستغلالِ للوظيفةِ وذلك بأنْ تُستثمَرُ الوظيفةُ لتحصيلِ عوائدَ شخصيَّةٍ أو فئوية أو استغلال المنصبِ للابتزازِ أو الارتشاءِ أو الاختلاسِ المقنَّن». وبين أن «مظاهرُ الفسادِ كثيرةٌ جداً منها التغاضي عن التسيُّبِ لأغراضٍ شخصيَّةٍ، ومنها استغلالُ المنصبِ لتوظيفِ الأقاربِ والأصدقاءِ، ومنها إرساء المناقصاتِ وإبرام العقودِ ذاتِ العوائدِ الشخصيَّة، ومنها تعاطي الرشوةِ والمعاملاتِ المحاباتية، ومنها استغلالُ الثغراتِ القانونيَّة لتحصيلِ عوائدَ شخصيَّةٍ أو فئوية، ومنها توظيفُ المنصبِ لجلبِ المزيدِ من الولاءات، والقائمةُ تطول. وأما أسبابُ الفسادِ بمختلفِ صورِه ومراتبِه سواء الناشئ منها عن القصور أو الناشئ عن التعمُّدِ وسوءِ القصد فكثيرةٌ أيضاً، منها: إناطةُ المسئولياتِ الإداريَّةِ لغيرِ ذوي الكفاءة، فكلُّ سببٍ للتوظيفِ أيَّاً كان إذا لم تُراعَ فيه الكفاءةُ فهو منتِجٌ للفساد، فهو المنشأُ مثلاً لسوءِ التخطيطِ والتقييمِ والمراجعةِ وهو منشأُ العجزِ عن إدارةِ الأزماتِ الطارئةِ أو الناشئةِ عن تراكمِ الأخطاءِ والتجاوزات». وذكر صنقور أن «من أسبابِ الفسادِ عدمُ الأمانة، ومنها التعاطي مع الوظيفةِ على أنَّها غنيمةٌ له أو لمَن ينتمي إليهم أو أنَّها حقٌ خاصٌ يُديره كيف يشاءُ ويهوى، ومنها الاستبدادُ والحجرُ على المشاركةِ الفاعلةِ في اتَّخاذِ القرارات، ومنها غيابُ الشفافيةِ ذاتِ المصداقيَّة، ومنها عدمُ وجودِ آلياتٍ رقابيَّةٍ واضحةٍ وذاتِ صلاحياتٍ واسعةٍ لا يحدُّها شيء، فحينَ لا تكونُ ثمة آلياتٌ رقابيَّة أو تكونُ ولكنَّها محدودةُ الصلاحيَّات أو يكونُ القائمينَ عليها مبتلَون بالفسادِ أو فاقدينَ للكفاءة، فإنَّ الفسادَ سوف يستشري فيضربُ كل مفاصلِ الحياة حتى يصلَ إلى مستوىً يكونُ معه التداركُ مستحيلاً أو قريباً من الاستحالة، وكذلك فإنَّ من أسبابِ الفسادِ الأمنُ من العقوبةِ الصارمةِ إما لعدمِ استقلاليَّةِ القضاء أو لعدمِ وجودِ تشريعاتٍ رادعةٍ أو تشريع ما يُسمى بالحصانةِ من المُساءلةِ والإدانة». وشدد صنقور على أن «الإرهابَ الذي يضربُ العديدَ من الدولِ الناميةِ والتطرفَ والطائفيةَ والفقرَ والطبقيةَ الفاحشةَ والجهلَ والشحَّةَ في الكوادرِ الكفوءةِ وضعفَ المواردِ وتوالي الأزماتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ كلُّها إفرازاتٌ لظاهرةِ الفساد الإداري والسياسي، وكلَّما تعاظمَ الفسادُ كلَّما تعاظمتْ هذه الآثارُ المدمِّرةُ للأوطان». وأكد على أنَّ كلَّ بلدٍ تحرصُ على أنْ تكونَ دوائرُها في منأىً عن الآثار الكارثية للفساد فإنَّ عليها أن تُدركَ أنَّها لن تكونَ في منأىً عن ذلك ما لم تقضِ واقعاً على أسبابِ الفساد، وليس من شيءٍ أدعى للقضاءِ على أسبابِ الفسادِ من تحييدِ السلطةِ القضائية وتوسيعِ صلاحياتِ الأجهزةِ الرقابيَّة وعلى رأسِها المجلسُ النيابي الذي لن يكونَ فاعلاً ما لم يكنْ كاملَ الصلاحيَّاتِ وما لم يكن ممثَّلاً من كلِّ أبناءِ الوطنِ على قدمِ المساواة، فحينذاك وحينَ لا يُشاركُه في صلاحياتِه مجلسٌ أو مؤسسةٌ أخرى فإنَّ أسبابَ الفساد سوفَ تنحسرُ ويتضاءلُ أثرُها».
مشاركة :