احتفل لبنان قبل بضعة أيام بالذكرى السنوية السبعين لاستقلاله، وهو استقلال ما عاد بإمكان المخلصين في لبنان سوى النظر إليه بقلق بالغ. وكان ملاحظا أن الاحتفالات اختصرت بعض الشيء لأن المناسبة جاءت في أعقاب تفجيرين إرهابيين هزا محيط السفارة الإيرانية في جنوب بيروت، ووسط أوضاع سياسية وأمنية ومعيشية مأزومة للغاية. بادئ ذي بدء، لا بد من التشديد على أن الإرهاب مرفوض تحت أي مبرر وفي أي ظرف من الظروف، وبخاصة أن العنف لا يستثير إلا العنف، والكراهية لا تنتج إلا الكراهية. ثم إنه لا حدود للإرهاب ولا ضوابط إذا استبد اليأس بالإنسان وجاء من يستغل هذا اليأس ليمده بالحقد والغضب، ويسوغ منطق الإلغاء والقتل لغة للتخاطب. الإرهاب مرفوض، إذن، وكذلك مرفوض تدمير الاستقرار وتسريع انهيار الدولة. ولقد جاءت دعوة المملكة العربية السعودية رعاياها إلى مغادرة لبنان مؤشرا، بل إنذارا صريحا، إلى اللبنانيين، وكذلك إلى المجتمع الدولي مؤداه أن الفترة التي يمر فيها لبنان استثنائية وخطرة. إنها حقا استثنائية وخطرة، لجملة من الأسباب، أبرزها: التسيب الأمني الذي تؤكده التفجيرات المتكررة ومحاولات التفجير التي أمكن ضبطها قبيل وقوعها. والانسداد السياسي الذي يعبر عنه إخفاق الأفرقاء السياسيين اللبنانيين في تشكيل حكومة منذ أبريل (نيسان) الماضي. والخطاب الطائفي التحريضي الذي يهدد بالقضاء على البقية الباقية من إمكانيات التحاور الوطني بين مكونات الشعب اللبناني، والتداعيات المدمرة للأزمة السورية على لبنان، وذلك في ظل إصرار حزب الله على المشاركة في معارك نظام دمشق ضد شعبه، أو محنة النازحين السوريين إلى الأراضي اللبنانية التي أخذت تفاقم وضعه الاقتصادي والاجتماعي الهش. لبنان اليوم، في أسبوع احتفاله بالذكرى السبعين لاستقلاله، دولة مهددة في سيادتها ووجودها، ليس بسبب الخلاف السياسي أو التنوع الديني والمذهبي الذي واكب مسيرة لبنان المستقل حتى اليوم، بل لأن ثمة قوى لبنانية باتت ترى نفسها حقا فوق الدولة وأقوى منها، بدلا من أن تكون جزءا منها، وتنضوي تحت سيادتها وشرعيتها. ثم إن ما يزيد الطين بلة كون القرار السياسي الفعلي لهذه القوى خارج لبنان، و«ساحة عملياتها» أوسع من حدوده، ومنظورها الاستراتيجي أبعد بكثير من مفهوم التعايش الحقيقي ضمن كيان يتساوى مواطنوه في الحقوق والواجبات. لقد اختار أهل الحكم في لبنان منذ اندلاع الانتفاضة السورية شعار «النأي بالنفس»، غير أن هذا الشعار العاقل سقط بفعل ضغط المصالح الإقليمية المستقوية بالقدرات النووية الإيرانية ومطامح طهران في الشرق الأوسط. اليوم، كما بالأمس، لا خيار أمام اللبنانيين إلا «النأي بالنفس». وفي المقابل، ما عاد جائزا للمجتمع الدولي تجاهل طبيعة الصراع الدائر اليوم علنا على امتداد الأراضي السورية، وضمنا في أقطار عربية أخرى. كذلك، ما عاد مقبولا التردد أو التقاعس إزاء الملف النووي الإيراني وعزوف بعض دوله عن الربط بين قدرات إيران النووية وتوقها للعب دور إقليمي نافذ ترى أنه من حقها، تارة تحت شعار تحرير فلسطين، وطورا تحت شعار الإخوة الإسلامية. لبنان هو اليوم جرس إنذار.
مشاركة :