في مدينة بني وليد، الواقعة شمال غربي ليبيا، بقي كل شيء على حاله منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي قبل عشرة أعوام؛ فالعلم الأخضر ما زال يرفرف في بعض مناطقها، وغالبية المباني التي شهدت معارك سقوط النظام الدامية باقية هناك دون تأهيل. وفي المدينة التي تعج شوارعها بالإهمال، وتعاني أطرافها سيطرة العصابات المتاجرة في البشر، بات الجميع هناك، وخصوصاً بعد زيارة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة، الأسبوع الماضي يأملون في كسر عزلة بني وليد، وينتظرون عودة الدولة سريعاً لإنقاذهم من إهمال حقبة كاملة، توقفت فيها جميع المشاريع والمصانع، ما تسبب في انعدام فرص العمل أمام شبابها. وخلال زيارة الدبيبة لوّح الناس بأغصان الزيتون عند مرور موكبه عبر المدينة، ورفع الصبية أيديهم بعلامة النصر، فيما تقدم الخيالة موكب رئيس الحكومة لحظة دخوله المدينة، فيما وعد رئيس الحكومة بإعادة العمل في جميع المشاريع التي تعطلت منذ سنوات. والدبيبة هو أول مسؤول حكومي كبير يقطع المسافة بين طرابلس وبني وليد، البالغة 180 كيلومتراً، منذ ما يقرب من عقد من الزمن. ونقلت «رويترز» عن المواطن عبد الفتاح جبارة، وهو معلم وصانع قهوة في وسط المدينة قوله إن بني وليد «مهمشة ومعزولة، وتحتاج للكثير من الدعم». وسلّط وجود عربات مصفحة من قوات «اللواء 444»، الذي يوجد مقره في طرابلس، لحماية الدبيبة وموكبه ووزراء الحكومة لدى مرورهم في بني وليد الضوء على المخاوف من عودة العنف. وتولى المقاتلون الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي والأقنعة مسؤولية تأمين كل نقاط التفتيش من ضواحي طرابلس، وحتى مشارف بني وليد. وفي مصنع للسجاد عُرف قبل 2011 بمنتجاته عالية الجودة من الصوف الطبيعي، انتشرت بيوت العنكبوت والأتربة على آلات غزل متوقفة، ولم يعد يعمل منها الآن إلا القليل. وتقول فاطمة مسعود (50 عاماً)، التي تعمل به منذ 20 عاماً: «المصنع يحتاج إلى الدعم، ولا شيء في المدينة يمكن أن يقدم مرتبات جيدة». ووعد الدبيبة الذي زار المصنع بزيادة مرتبات العمال في المصنع بنسبة 70 في المائة، وبتخصيص أموال للتطوير، وقال إن بني وليد «لن تكون ساحة للحرب مرة أخرى. وسنخلق فرص عمل للشباب». كما زار موقع بناء المدرسة النموذجية بمنطقة سوف الجين، الذي توقفت أعمال البناء به منذ سنة 2010 وأعطى تعليماته بسرعة إنجاز العمل بالمشروع. لكن محللين سياسيين يقولون إن التركيز على الإنفاق يخاطر بإضعاف حكومة الوحدة الوطنية، مع معارضة البرلمان في شرق البلاد لميزانيتها. مشيرين إلى أن «المحسوبية والثروة قد تثنيان الدبيبة عن الوفاء بتعهده بإجراء انتخابات لتشكيل حكومة دائمة لتحل محل حكومته». لكن أهالي بني وليد رحبوا بزيارة الدبيبة. يقول علي عبد القادر، أحد سكان المدينة خلال حضوره حفل تخرج حضره رئيس الحكومة: «الحياة هنا شبه معدومة في المدينة. نحتاج إلى دعم عاجل». وأمام تزايد شكاوى المواطنين من تغول العصابات المتاجرة بالبشر على أطراف المدينة، كثف اللواء «444 قتال»، التابع للحكومة، عملياته خلال الأيام الماضية، وألقى القبض على عشرات من أفراد هذه العصابات، و«حرر» عدداً من المخطوفين. وعندما انتفض الليبيون ضد القذافي في 2011 ودعم حلف شمال الأطلسي (ناتو) انتفاضتهم، كانت بني وليد معقلاً للرئيس الراحل، ورغم مرور عقد كامل على رحيل القذافي، فإن غالبية السكان لا تزال تتذكر مدة رئاسته بـ«الخير».
مشاركة :