يقترب حوض الأمازون بسرعة من نقطة حاسمة لا رجعة فيها. ويجب أن يثير هذا قلق الجميع، لأن ما يحدث في الأمازون له آثار على الكوكب. وتمتد منطقة الأمازون على طول ثماني دول في أمريكا الجنوبية وغيانا الفرنسية، ويوجد بها أكثر من 60 % من غابات العالم الاستوائية، و20 % من مياهه العذبة، وحوالي 10 % من تنوعه البيولوجي. ونتيجة للمضاربة على الأراضي، والطلب العالمي النهم على اللحوم، وفول الصويا، والذهب، والسلع الأخرى، تم بالفعل تدمير ما يقرب من 20 % من أكبر غابة استوائية في العالم. ويمكن أن يؤدي ارتفاع إضافي بنسبة 5 % في مستويات إزالة الغابات إلى سقام كارثي للغابات، الأمر الذي سيؤدي إلى فشل اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. ويخشى البعض أن تكون هذه الظاهرة قد بدأت بالفعل. وحتى لا يحصل هذا، يجب وقف عمليات إزالة الغابات في منطقة الأمازون بصفة نهائية بحلول عام 2030. وهذا بدوره يتطلب تقييماً علمياً واضحاً، وأهدافاً تستند إلى العلم. ويجب أن يصبح فريق العلوم المعني بمنطقة الأمازون، وهو تحالف يضم حوالي 200 عالم بارز من المنطقة، دائماً. ونظراً للثروة الهائلة الكامنة في الحفاظ على التنوع البيولوجي للغابات، فإن أفضل طريقة لحماية هذا المورد هي من خلال تحفيز ظهور اقتصاد أخضر. وبادئ ذي بدء، سيتطلب هذا شن حملة على عمليات إزالة الغابات غير القانونية، والشبكات التي تدعم ذلك. فقد أصدرت وكالة إنفاذ القانون البرازيلية، إيباما، في عام 2020، غرامات أقل بنسبة 20 % من نظيرتها في عام 2019، بسبب تخفيضات التمويل وتخفيف العقوبات، وتم دفع أقل من 3 % من الغرامات. ويعد تعزيز وكالة إيباما، وهي وكالة اتحادية، أمراً ضرورياً، كما هو الحال مع تعزيز مؤسسات الدولة الموجودة على خطوط المواجهة فيما يتعلق بالجرائم البيئية، مثل الشرطة، ورجال الإطفاء، ومكاتب تسجيل الأراضي. وتتم عمليات إزالة الغابات غير المشروعة بعدة طرق، ولكنها عادة ما تحدث عن طريق غزو غير قانوني للأراضي، ثم بعد ذلك، تتم عملية إزالة الغابات لأغراض الزراعة التجارية وتربية المواشي. ويُقوض اختراق آخر، وهو التعدين البري، الذي يكون الهدف منه في غالب الأحيان التنقيب على الذهب، النظم البيئية المحلية وصحة الإنسان، في حين أن الاتجار بالحياة البرية، الذي يغذيه الطلب العالمي المستمر على الطيور النادرة، والزواحف، والثدييات، يؤثر أيضاً على سلامة الغابات. وفي الوقت الراهن، لا يخضع ثلثا سلاسل التوريد العالمية لسياسات بشأن إزالة الغابات غير القانونية. فالاستثمار الضخم في أنظمة الاستشعار عن بعد عالية الدقة، وأنظمة الإنذار القائمة على الذكاء الاصطناعي أمر ضروري، شأنه في ذلك شأن تتبع السلع المستخرجة بطريقة غير مشروعة في سلاسل التوريد العالمية، وتعزيز التحقيق والمقاضاة. وتتمثل إحدى أهم الأولويات في منطقة الأمازون في تطوير نظام شفاف وخاضع للمساءلة، يسمح بتسجيل سندات الملكية، وترسيم الحدود البرية ومراقبتها بصورة صحيحة على مر الزمن. ونظراً للاحتيال والفساد الكبيرين اللذين يشوبان سجلات الأراضي في معظم بلدان الأمازون، فإن إنشاء دفتر محاسبة رقمي، وفي متناول اليد، وحديث، أمر بالغ الأهمية لإنفاذ القوانين الحالية، وتحفيز الأسواق القانونية. إن تطوير عملية تسوية المنازعات عبر الإنترنت لمعالجة الدعاوى القديمة، التي لم يبث فيها بعد بشأن المطالبات بالأراضي بصورة تنافسية، لا يقل أهمية. ومن شأن إنشاء نظام (بلوك تشين) للتحقق من سجلات الأراضي بهدف إظهار سلسلة واضحة للملكية والوصاية، على الرغم من صعوبة ذلك، أن يحسن إلى حد كبير من آفاق الاقتصاد الأخضر. والأولوية الأخرى هي تسريع وتيرة إعادة التحريج وتجديد الأراضي. ففي البرازيل، التي تضم 60 % من منطقة الأمازون، تعد ولاية (بارا) موقعاً يُبين بوضوح مثل هذه الجهود. وفي كولومبيا، وبيرو، والإكوادور، التي تضم مجتمعة ما يقرب من 23 % من الأمازون، تَبرز ولايات أمازوناس، ولوريتو، وباستازا على التوالي. إن الحل هو بناء خط أنابيب يمكن التنبؤ به لإعادة التحريج، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومشاريع الإدارة المستدامة للغابات التي يمكن أن تتوسع بسرعة. ويمكن لمبادرة خفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها أن تسرع وتيرة تمويل هذه الجهود. وسيساعد في ذلك التمويل الدولي، بما في ذلك صندوق أمازون وإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وأدوات مثل السندات الخضراء؛ في حين يمكن أن يضطلع التمويل المحلي أيضاً بدور مهم. كذلك، يمكن لمبادرات مثل تحالف المشاعات العالمية، ومنتدى 1t.org بموازاة مع نشاط المستثمرين، بما في ذلك الثروة السيادية وصناديق التقاعد. ففي عام 2019، دعا حوالي 230 مستثمراً عالمياً، يديرون أصولاً تزيد قيمتها الإجمالية عن 16 تريليون دولار، الشركات إلى الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بإزالة الغابات، وإلا ستعاني من عواقب اقتصادية سلبية. والأهم من ذلك هو الابتكارات لتعزيز الاقتصاد الأخضر ودعم المجتمعات التي تحرس حوض الأمازون. ويمكن تسريع مثل هذه المبادرات من خلال نسخة برازيلية من وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة التابعة للحكومة الأمريكية، من أجل تكثيف البحث والتطوير، بالإضافة إلى الأطر التنظيمية ذات الصلة لتمكين الاقتصاد الحيوي الشامل في منطقة الأمازون. وسيتضمن هذا النهج بحثاً تطبيقياً لجمع التنوع البيولوجي الذي تتمتع به منطقة الأمازون ورسم خرائط له، حيث يدرس العلماء الفواكه، والمكسرات، والمستخلصات النباتية، والألياف، ويستخدمون طائرات بدون طيار لأخذ عينات من التنوع البيولوجي في المناطق التي يصعب الوصول إليها، مقترناً بالمنصات الرقمية لتأمين الأصول البيولوجية للأمازون من أجل الصالح العام. ولضمان إدراج السكان الأصليين والمحليين والاستفادة منهم، يجب أن ترافق هذه الجهود قواعد وضمانات واضحة وقابلة للتنفيذ فيما يتعلق بمشاركة البيانات، من أجل تعزيز خلق القيمة المحلية والاحتفاظ بها. وفضلاً عن ذلك، يمكن أن يؤدي إنشاء مراكز ابتكار منخفضة وعالية التقنية في بلدان مختارة، إلى تحفيز الابتكار المحلي، وتسخير المعارف التقليدية، وضمان الملكية المحلية. وسيعتمد دفع عجلة الاقتصاد الأخضر وتحقيق مستوى صفر في إزالة الغابات في منطقة الأمازون على الجهود المشتركة للحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ففي البرازيل، تضطلع عدة مجموعات - بما في ذلك الجهود المنسقة من أجل منطقة الأمازون، والتحالف البرازيلي بشأن المناخ والغابات والزراعة - بدور محوري في تشكيل جدول الأعمال والربط بين أصحاب المصلحة. ونظراً لعدم مشاركة الحكومة الفيدرالية للبلاد في العمل بشأن هذه القضية، فإن الحكومات المحلية تكثف جهودها أيضاً. ويمكن للجهود الدولية والإقليمية المتضافرة - مثل ميثاق ليتيسيا (الذي وقعته سبع دول بأمريكا الجنوبية)- مقترنة بالتدخلات الوطنية ودون الوطنية، أن تخلق مستقبلاً أكثر إشراقاً لمنطقة الأمازون. فصحة الكوكب تعتمد على هذا. * مؤسسة مشاركة ورئيسة لمعهد إيغارابي، هي باحثة منتسبة في مركز الدراسات البرازيلية في جامعة برينستون، وزميلة في قسم السياسة العامة في جامعة كولومبيا. opinion@albayan.ae طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :