«إذا أتيح لأخصائيي الأرصاد الجوية وصول أفضل إلى بيانات الرطوبة في المستقبل، سيستطيعون تحذير الجمهور من حدوث إعصار قبل الفترة المسموح بها الآن بكثير» «يمكن جمع مستويات الرطوبة من الإشارات الخلوية الموجودة بالفعل، دون الوصول إلى أي بيانات خاصة أو التدخل في عمليات شركات الاتصالات اللاسلكية» في مكتب صغير يقع مقابل مركز متخصص في التنظيف الجاف للملابس في مدينة ويك فورست بولاية نورث كارولاينا الأمريكية، يقوم فريق من المهندسين باستكشاف إمكانية استخدام البيانات الموجودة في إشارات الجيل الخامس اللاسلكية لقياس مكون رئيسي في عملية الكشف المبكر عن الأعاصير.وتعتبر هذه المجموعة من المهندسين جزءًا من معمل اختبار غير ربحي، وشركة استشارات هندسية تسمى مركز الأبحاث اللاسلكية، وتُعرف اختصارًا باسم WRC، والتي تتخصص في اختبار التكنولوجيا اللاسلكية والهوائيات.وأثبت هذا الفريق بالفعل أنه يمكن قياس الرطوبة بناءً على التغيرات في الإشارات التي تنبعث من أبراج الخلايا الخاصة بشبكات الجيلين الرابع والخامس، وهو يريد الآن إجراء مزيد من الاختبارات على هذه التكنولوجيا، ليؤكد أن هذه الإشارات نفسها يمكن أن تساعد في إنقاذ الأرواح، من خلال مساعدة علماء الأرصاد الجوية على التنبؤ بالطقس القاسي في وقت أقرب بكثير مما تسمح به الطرق الحالية.ويستخدم علماء الأرصاد عادة محطات الطقس أو الأقمار الصناعية لقياس الرطوبة، ولكن كلتا الطريقتين لهما قدرات محدودة. فمحطات الطقس متفرقة وتغطي مساحات كبيرة، وبالتالي يمكن أن توفر قراءات أقل دقة. أما القمر الصناعي، فيمكن أن تعيق الظروف الجوية، مثل السحب، وموقع القمر الصناعي نفسه من قدرته على قياس الرطوبة بدقة.وعلى النقيض من ذلك، فإن خدمة الشبكات الخلوية منتشرة في كل مكان تقريبًا، ومع بدء تشغيل شبكات الجيل الخامس، يتم حاليًا تثبيت المزيد من المعدات. وتُعرف الإشارات التي يمكن من خلالها قياس بيانات الرطوبة بـ«الإشارات المرجعية». وترسل الأبراج الخلوية هذه الإشارات كل مللي ثانية تقريبًا لمساعدة الهواتف المحمولة على اكتشاف مدى قوة أو ضعف اتصالاتها. وهذه الإشارات لا تنتقل في خطوط مستقيمة، إنما تتأثر مساراتها بانكسار أو انحناء الأمواج، والذي يزداد عندما يكون هناك بخار ماء في الهواء. ويمكن قياس التغير في الإشارات الناتجة عن الانكسار واستخدامها لاستخلاص معدل الرطوبة. ويظهر التأثير بشكل خاص في جبهات الطقس التي يختلط فيها الهواء الجاف بالكثير من الهواء الرطب.ويقول مايك بارتس Mike Barts، كبير المهندسين في مركز الأبحاث اللاسلكية: «إذا قمت بقياس إشارة خلوية قادمة من خلال تلك الطريقة، فستصطدم الإشارة بذلك الهواء الرطب وفجأة ستنحني بطريقة أخرى».لقاء مصيري:ويقول بارتس إن مركز الأبحاث اللاسلكية اهتم بكيفية إنتاج الإشارات الخلوية للمزيد من بيانات الطقس، بفضل عالم في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. ففي عام 2018، كان جيرارد هايس Gerard Hayes، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث اللاسلكية، يحضر مؤتمرًا للطيران في العاصمة الأمريكية واشنطن، وهناك التقى بمارك ويبر Mark Weber، وهو عالم أبحاث كان يعمل في ذلك الوقت مع مختبر نواا NOAA الوطني لرصد العواصف الشديدة. وتحدث الاثنان، وقررا أن يتعاونا معًا لمعالجة فكرة قياس الرطوبة باستخدام إشارات الأبراج الخلوية.ويسعى باحثو نواا دائمًا لرصد بيانات أفضل، بحيث يتمكنوا من تحسين نماذج الطقس الخاصة بهم، وقدمت الوكالة مبلغًا يقدر بنحو 25 ألف دولار، وقام مركز الأبحاث اللاسلكية بإعداد تجربتهم.وفي البداية، حاول الفريق استخدام إشارات من برج خلوي حقيقي، ووضعوا معداتهم في الخارج، بالقرب من مكتبهم في ويك فورست، لكن بارتس يقول إنهم واجهوا بسرعة مشاكل في فك تشفير البيانات، باستخدام البرنامج الذي قاموا بإنشائه.وبدأ المهندسون يستنفدون مواردهم من حيث الوقت والمال، وفي النهاية استقروا على نسخة معدلة من التجربة يتم عملها في الداخل.وفي غرفة يبلغ ارتفاعها 30 قدمًا، قام الفريق بتوليد إشارة خلوية على جانب واحد وتم استقبالها بواسطة هوائيين على الجانب الآخر. وتم قسمة الغرفة إلى نصفين باستخدام لوح أسود بلاستيكي، مع الحفاظ على جانب واحد جاف والآخر رطب بمساعدة جهاز ترطيب. ونظرًا لأن التجربة تم إعدادها في غرفة مشتركة، كان على بارتس وفريقه العمل أثناء الليل وخلال عطلات نهاية الأسبوع، حتى لا يسير أحد عن طريق الخطأ في الغرفة خلال تجربتهم ويؤدي إلى تحريف النتائج.وبعد مرور عدة أسابيع من الاختبارات، التي تم الانتهاء منها في مايو 2020، خلص الباحثون في تقرير مؤلف من 75 صفحة تم تقديمه إلى نواا خلال الصيف الماضي، إلى أن بيانات الرطوبة يمكن أن تُشتق من المعلومات الموجودة في إشارات الجيلين الرابع والخامس، وأن هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات وإجراء تجربة على برج حقيقي، قبل أن يتم تنفيذ المفهوم الذي تم التوصل له على أرض الواقع. وعن ذلك يقول بارتس، لكن هذه التجربة «وفرت لنا دليلًا كافيًا لنقول إن هذا الأمر يستحق المتابعة».ومن أجل إعداد تجربة أكثر شمولاً مع الإشارات القادمة من برج خلوي، يقول بارتس إن مركز الأبحاث اللاسلكية سيحتاج إلى حوالي 100 ألف دولار. ويضيف إن المهندسين يبحثون بنشاط عن المنح الحكومية، التي يمكن أن تسمح لهم بمواصلة البحث.تحذيرات أفضل:ويقول ويبر، الذي غادر نواا العام الماضي، إنه إذا أمكن جمع بيانات الرطوبة على نطاق واسع من إشارات الجيلين الرابع والخامس، فقد يساعد ذلك علماء الأرصاد الجوية على التنبؤ بشكل أفضل بالأعاصير. ويعتبر الكشف عن الرطوبة في الهواء أمرًا أساسيًا للتنبؤ بالعواصف، كما يقول ويبر، وهو الآن موظف تقني كبير في مختبر لينكولن التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي يبحث في التكنولوجيا المتعلقة باحتياجات الأمن القومي.ويرصد علماء الأرصاد حاليًا الأعاصير باستخدام رادار دوبلر Doppler، الذي يقيس بيانات المطر والبرد والرياح داخل العاصفة. ويعطي رادار دوبلر الناس عمومًا تحذيرًا لمدة 15 دقيقة من حدوث إعصار محتمل، كما يقول ويبر.وإذا أتيح لأخصائيي الأرصاد الجوية وصول أفضل إلى بيانات الرطوبة في المستقبل، من خلال التبني الواسع النطاق لطريقة مركز الأبحاث اللاسلكية، سيستطيعون تحذير الجمهور من حدوث إعصار قبل الفترة المسموح بها الآن بكثير، حسب تأكيد ويبر.ويقول ويبر: «تقليص الوقت المطلوب للرصد إلى ساعة واحدة فقط سيشكل فرقًا كبيرًا من حيث قدرة الجمهور على اتخاذ ردود فعل فعالة».ويمكن جمع مستويات الرطوبة من الإشارات الخلوية الموجودة بالفعل، دون الوصول إلى أي بيانات خاصة أو التدخل في عمليات شركات الاتصالات اللاسلكية. ويقول بارتس إنه يمكن إعداد المعدات بعيدًا عن الأبراج الخلوية، ولن يكون هناك حاجة إلى التعاون مع شركات الاتصالات اللاسلكية.ويوضح بارتس: «يكمن جمال هذه الطريقة في أنه إذا كان بإمكانك القيام بذلك، فلن تضطر الحكومة إلى الخروج وإنفاق مليارات الدولارات على إنشاء مصادر إشارات لجمع البيانات منها»، واختتم: «شركات الاتصالات مثل إيه تي آند تي وسبرينت قاموا بذلك الدور بالفعل».السيد كويروز جوتيريز كاتب المقال عمل كمراسل سابق لصحيفة وول ستريت جورنال في نيويور
مشاركة :