يخيم الصمت على ساحة جامع الفنا القلب النابض لعاصمة السياحة المغربية مراكش منذ هجرها الحكواتيون والموسيقون الهواة ومروضو الأفاعي بسبب حالة الطوارئ الصحية التي حرمتهم من مورد رزقهم. وتقول الفنانة التي تؤدي عروضا موسيقية في الساحة مريم أمل إن بعض الأفاعي والقردة التي يستعملها مروضون في عروضهم البهلوانية، "نفقت وربما يأتي الدور علينا". في العام 2019، توافد ثلاثة ملايين سائح على المدينة الحمراء لكن إغلاق الحدود منذ 15 شهرا والقيود المفروضة على التنقل، أغرقها في أزمة غير مسبوقة. وتتابع أمل (55 عاما) التي بدأت تشارك في تقديم عروض موسيقية منذ سن العاشرة "هذه أول مرة في تاريخها تكون الساحة خالية"، مشيرة بحرقة إلى أن كثيرا من فناني الشارع الهواة "يجدون أنفسهم مضطرين للتسول"، في غياب أي حماية اجتماعية. واكتوى كل العاملين في القطاع السياحي عموما بنيران الأزمة الصحية مع تراجع مداخيله بنسبة 65 بالمئة مطلع هذا العام، بعدما بلغت حوالى 9 مليارات دولار العام 2019. ولم تستقبل المملكة العام الماضي سوى 2.2 مليون سائح بانخفاض يعادل 78 بالمئة مقارنة مع العام 2019، وفق أرقام رسمية. "تخلوا عنا" في خضم الأزمة، اضطر الحكواتي هشام لحنش (32 عاما) إلى "بيع ثلاجة وغسالة لأتدبر بعض المال، كدت أن أضطر للتسول". ثم اضطر بعد ذلك إلى تغيير المهنة التي كان يكسب عبرها حوالى 11 دولار في اليوم، لينتقل إلى بيع الخضر والفواكه "من دون أن يحالفني الحظ"، كما يقول واضعا وشاحا أزرق على رأسه ومرتديا جلبابا أخضر واسعا. ويضيف الرجل الذي يعيل طفلين "استسلمت ولم أعد أمارس أي عمل منذ ثلاثة أشهر"، وهو واقف على مقربة من المكان الذي كان يقدم فيه حكايات مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة. تبدو الأجواء كئيبة في الساحة، المدرجة على قائمة التراث العالمي للبشرية، بالقرب عن مسجد الكتبية التاريخي في مشهد مناقض تماما للمألوف. بدوره يعرب الجيلالي عن يأسه، قائلا "نشعر أن الجميع تخلوا عنا رغم أن الصورة السياحية للمدينة تعتمد علينا"، وهو أحد باعة مياه الشرب المتجولين في أرجاء الساحة بأزياء مزركشة والقرب الجلدية التي يضعونها على ظهورهم. ويضيف الرجل الخمسيني "كنت أعيش بفضل السياح الأجانب والآن بفضل مساعدات المحسنين". شاهد: الأفران التقليدية تلعب دورا رئيسيا في حياة المجتمع المغربي خلال شهر رمضان لأغراض طبية وصناعية.. المغرب يعتمد مشروعاً لتقنين زراعة القنب الهندي مصمم مشاهد سينمائية يهمس في أذن الخيول في المغرب "إنقاذ الموسم الصيفي" وخصصت السلطات منذ تموز/يوليو الماضي مساعدات مالية لدعم القطاع الذي يمثل نحو 7 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي، غير أنها تبقى بعيدة عن تعويض الخسائر. يراهن العاملون في قطاع السياحة حاليا في مراكش على موسم الصيف لتحقيق انتعاش يخفف من وطأة الأزمة، لكن النهوض المأمول يبدو "مهددا" في غياب برنامج واضح لفتح الحدود وتخفيف القيود المفروضة على التنقل، على ما يؤكد مدير فندق مفضلا عدم ذكر اسمه. ويشير مسؤول فندق آخر في المدينة إلى أن نصف فنادقها البالغ عددها نحو 200 مغلقة حاليا، "إذا لم تظهر رؤية واضحة بالنسبة لموسم الصيف ستضطر فنادق أخرى كثيرة للإقفال". ويضيف "العام الماضي كان كارثيا وهذا العام سيكون أيضا كذلك إذا استمر إغلاق الحدود"، لافتا إلى أن السياح الأجانب يشكلون حوالى 70 بالمئة من زبائن الخدمات السياحية في المدينة الحمراء. خففت السلطات في الفترة الأخيرة حظر التجوال الليلي ما يسمح لمطاعم بالعمل لوقت أطول نسبيا، في حين لم تتسرب بعد أي معلومات عن فتح الحدود واستئناف الرحلات الجوية التي تظل معلقة مع 54 بلدا حتى 10 حزيران/يونيو على الأقل. بموازاة ذلك، يبقى قدوم المغاربة المقيمين في الخارج هذا الصيف غير مؤكد أيضا. وبلغ عددهم في العام 2019 نحو ثلاثة ملايين قبل أن تمنعهم الجائحة من المجيء العام الماضي. وهم لا يزالون بانتظار ما يمكن أن يقع هذا الصيف. من جهتها تحاول السلطات تشجيع السياحة الداخلية لتحريك القطاع إذ أعلن قبل فترة قصيرة عن حملة ترويجية في هذا الصدد، لكن "رفع قيود الطوارئ الصحية يظل الوسيلة الوحيدة لإنقاذ السياحة"، على ما يؤكد أحد العاملين في القطاع.
مشاركة :