طيب الريس لـ "الخليج": ندعو إلى تغيير النظرة للوقف ليصبح أداة وقاية لا علاجاً

  • 10/4/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أكد طيب الريس الأمين العام لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر، الدور التاريخي للوقف في مواكبة وتحقيق التنمية في المجتمعات الإسلامية، وأهمية إسهام المال الوقفي في تأهيل وتمكين القوى البشرية المنتجة في المجتمعات الإسلامية القديمة. ودعا في حوار مع الخليج إلى تطوير ثقافة الوقف، وتغيير النظرة التقليدية التي أبقته أسيراً للعمل الخيري فقط لعقود طويلة، وقال إن أحداً لا ينكر أن من واجب المؤسسات الوقفية توفير الخدمات لكل من يحتاجها ومساعدة الفئات الاجتماعية الأقل قدرة من غيرها، ولكن يجب أن يتطور دور الوقف وينتقل من علاج النتائج إلى اجتثاث مسبباتها المادية، فانتشار الفقر والبطالة وغياب الخدمات الصحية والعلمية، سببه الأساسي هو غياب القاعدة الاقتصادية التنموية، مما تسبب في شح فرص العمل وتدني الدخل الفردي، والناتج الوطني العام في الكثير من البلدان الفقيرة. ولفت إلى أن إعادة بناء الاقتصاد العالمي المنهار يجب أن تتم على أسس إنسانية وعلى توازن بين الأهداف الاقتصادية والاحتياجات الاجتماعية، إذ لا يمكن الاستمرار بالحديث عن الشلل في الأسواق العالمية، دون التفكير في تعزيز مقدرة ملايين البشر المهمشين على العمل ورفع قدراتهم الشرائية لاستهلاك حاجاتهم الأساسية. وفي ما يلي نص الحوار: * كيف تقيمون دور مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر من خلال أدائها الحالي، وما حققته من إنجازات دعماً لمسيرة دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي؟ الوقف في الإمارات، له سماته التي تميزه عن غيره في باقي البلدان، وهي سمات تعود للتطور الاقتصادي، والنمو في الناتج القومي للدولة، وللرعاية الكريمة الرشيدة التي توليها القيادة للأعمال الخيرية والإنسانية ولمتطلبات التطور الاجتماعي، ما انعكس إيجاباً على دور مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر، ومكنها من القيام بدورها وتأدية واجبها. فعلى صعيد المؤسسات المالية، لدينا المصارف المتخصصة في تمويل المشاريع الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، ورعاية المؤسسات والمباني الدينية. هذه الميزة قد لا تكون متوفرة في الكثير من الدول، ويمكن الاستعانة بصناديق الاستثمار الوقفية التي قد تتطور وتصبح من المصارف القوية المؤهلة لأداء واجبها. نحن نفخر بالإنجازات العظيمة التي حققناها خلال السنوات الماضية، التي كان أبرزها مبادرة سلمى، وقرية العائلة، مبادرة الإمارات لصلة الأيتام والقصّر، إضافة إلى عدد من المشاريع الاستثمارية الأخرى خاصة في مجال العقارات لتمويل وضمان استمرار الصرف على المبادرات والنشاطات الإنسانية. هذا يدل على أن مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر استطاعت تغطية مساحة واسعة من حجم المساحة التي تستهدف أن تكون فاعلة فيها، ويدل أيضاً على أن العمل الاستثماري للمؤسسة وشركائها في الاقتصاد الوطني لا يزال في بداياته، وهو بحاجة إلى تطوير وتكثيف وتخصيص الجهود والإمكانات والخبرات والمهارات لتحقيق هذه المهمات. * هل يمكن للوقف مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والإيفاء بواجباته في ظل هذه التحولات؟ للوقف دور تاريخي في مواكبة وتحقيق التنمية في المجتمعات الإسلامية، وكان له الإسهامات الكبرى في بناء الحضارة الإسلامية، وفي تقديم صورة المجتمعات الإسلامية كمجتمعات متقدمة قادرة على توفير الشروط الأساسية للحياة كالصحة والتعليم والتمكين الاقتصادي. كما أسهمت الأوقاف في التأسيس للنهضة العلمية الثقافية الشاملة، التي كان من آثارها وجود مئات الآلاف من العلماء والباحثين والمؤلفين والمخترعين، ورجال الفكر ذوي الإبداعات المتنوعة، في شتى المعارف الإنسانية والتخصصات الثقافية والعلمية والاجتماعية، التي أفادت الحضارات كافة، ومنها الحضارة الغربية الحديثة. كما ساهم المال الوقفي في تأهيل وتمكين القوى البشرية المنتجة في المجتمعات الإسلامية القديمة، فمسؤولية الوقف تمثلت في تدريب الكوادر البشرية، وتمكينها من امتلاك المهارات الصناعية والحرفية والزراعية التي يحتاج إليها المجتمع، ثم توظيفها عبر تمويل مشاريع إنتاجية صغيرة يستفيد منها قطاع واسع من المجتمع. هذا الدور هو تمويلي وتأهيلي وتنموي شامل، لم يختزل نفسه بمهمة بناء دور العبادة أو حتى مرافق الصحة والتعليم، وأعتقد أن المهمة المطروحة الآن هي تطوير هذا الدور بما يتوافق مع متطلبات التنمية الاجتماعية في ظل اقتصاد معولم ومتعدد النشاطات. لقد أتاح الاقتصاد الإسلامي فرصة تاريخية للوقف بأن يكون جزءاً أساسياً من مكونات هذه المنظومة على اعتبار أن الوقف شكل من أشكال التمويل الإسلامي الذي يستهدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية والارتقاء بقدرات القوى البشرية في تأمين حاجاتها والمساهمة في دعم اقتصادات بلدانها. تطوير ثقافة الوقف * ما هو المطلوب ليكون الوقف مؤهلاً لتبؤ هذه المكانة في الاقتصاد الإسلامي بشكل خاص والاقتصاد الحديث بشكل عام؟ المطلوب هو تطوير ثقافة الوقف وتغيير النظرة التقليدية التي أبقته أسيراً للعمل الخيري فقط لعقود طويلة....صحيح أن من واجب المؤسسات الوقفية توفير الخدمات لكل من يحتاجها ومساعدة الفئات الاجتماعية الأقل قدرة من غيرها، ولكن يجب أن يتطور دور الوقف وينتقل من علاج النتائج إلى اجتثاث مسبباتها المادية، فانتشار الفقر والبطالة وغياب الخدمات الصحية والعلمية، سببه الأساسي هو غياب القاعدة الاقتصادية التنموية مما تسبب في شح فرص العمل، وتدني الدخل الفردي والناتج الوطني العام في الكثير من البلدان الفقيرة. هذه النظرة الجديدة للوقف ستعيد تفعيله على مستوى الشراكة في الاقتصاد الوطني، وبما أن الوقف في تعريفه البسيط هو مؤسسة إدارة أصول مالية متنوعة وتوزيع صرفها على المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، لذا يجب إدراج مؤسسات الوقف وصناديقها الاستثمارية تحت مظلة الحوكمة باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية. ستساعد الحوكمة المؤسسات الوقفية على تحقيق الاستفادة القصوى من نظام المحاسبة والرقابة الداخلية، وضمان فاعلية الإنفاق بربط الإنقاق بالإنتاج، وتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من أجل تحسين وتطوير أدائها، وتوجيه استثماراتها نحو خدمة المسيرة العامة للدولة. وهذا يستوجب إنشاء صناديق وقفية استثمارية تعتمد على التمويل بطابع استثماري تجاري وإنتاجي من ناحية، وتعزيز دور المصارف الوقفية وتنمية أصولها وشراكتها في العلمية الاقتصادية التنموية من ناحية ثانية، وذلك بابتكار أدوات تمويل جديدة تتوافق مع طبيعة دور الوقف وتوجهاته. إن دور المال في الإسلام هو دور إنتاجي تنموي، يوظف في تعميم الفائدة المباحة من ناتج الاستثمارات، ونحن نعتبر أن النهوض بالواقع الاقتصادي لكل بلد هو نهوض بواقعها الاجتماعي والعلمي والثقافي والأخلاقي، خاصة أن مشاريع الوقف متوافقة مع الشريعة الإسلامية مما يحقق فائدة إضافية وهي الحفاظ على النظام الاقتصادي السليم وحمايته من الأزمات والتفرد والاحتكارات والمضاربات غير الآمنة التي ألحقت الضرر الكبير بالنظام الاقتصادي على مستوى العالم. وهذا ينسجم مع أحد أهم استراتيجياتنا التي تأسست عليها مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر في دبي. لذا يجب دمج المؤسسات الوقفية وصناديقها الاستثمارية، ومصارفها، بمنظومة الاقتصاد الإسلامي لتعزيز قدرة هذا الاقتصاد على تمويل وإدارة المشاريع في قطاعات الحلال المختلفة، ولرفده بأدوات تمويلية إسلامية جديدة آمنة ومستدامة. كل هذا لا يمكن أن يتحقق دون التحديث المستمر للنظم الإدارية في المؤسسة الوقفية لتكون قادرة على أداء دورها بالتوازي مع متطلبات المسيرة الاقتصادية العامة. تشكيل صناديق استثمارية وإصدار سندات * مع اقتراب انعقاد القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي 2015 بدبي في أكتوبر المقبل، يبدو أن الاقتصاد العالمي يعاني من أزمة والحلول المتاحة لا تعد بالخروج من دوامة الأزمات. كيف يمكن للوقف بشكل خاص وللاقتصاد الإسلامي بشكل عام أن يسهما في حل تلك الأزمة من جذورها؟ لقد عمقت الأزمة المالية من مآسي ملايين البشر حول العالم، والقسم الكبير منهم يعيش في الدول الإسلامية النامية، التي يحبذ بعضهم تسميتها بدول العالم الثالث. إن واقع هذه البلدان الاقتصادي كان مأموماً حتى قبل الأزمة الأخيرة بسبب اتكال معظم أبنائها على العمل في الخارج أو المساعدات الخارجية والمؤسسات المالية العالمية. وجاءت الأزمة لتقلص من حجم التدفقات المالية الخارجية، ولتوقف الكثير من مشاريع التنمية، والبنية التحتية التي كانت قد بدأتها. إن مهمة إطلاق مسيرة التنمية والمشاريع النهضوية في تلك البلدان كبيرة لدرجة عجز الحكومات عن القيام بها منفردة، فمعظم هذه الحكومات واقعة تحت وطأة الدين العام من ناحية، والصراع من أجل توفير الخدمات الأساسية للمواطنين من ناحية ثانية. هذا التحليل يشير إلى أن الوقف في هذه البلدان قادر على إحداث تغيير جذري في واقعها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال البدء برصد الفرص الاستثمارية التي تتفق مع امكانات كل دولة على حدة وعلى احتياجات سوقها الخاص. ومن ثم البدء بتشكيل صناديق استثمارية وإصدار سندات تمثل شراكة معلومة في المشاريع المستهدفة وطرحها للبيع لتمويل المشاريع على غرار السندات التي أصدرتها الحكومة المصرية لتمويل قناة السويس. يجب على هذا النشاط أن يتزامن مع بناء المعاهد ومراكز التدريب لتأهيل القوى البشرية وتمكينها من القيام بدورها في عملية الإنتاج. كل ذلك يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومات المحلية وشركات القطاعين العام والخاص، وبشكل أكثر كثافة مع البنوك الإسلامية المحلية والخارجية، فهذه الدول تملك أسواقاً فارغة، وطاقات إنتاجية ضخمة غير مستغلة إضافة إلى صلاحية أراضيها للزراعة وإقامة المصانع. هذه فرصة كبرى لكل المهتمين بالاقتصاد والراغبين بإعادة صياغة الخريطة الإنتاجية للاقتصاد العالمي. صحيح أن المساعدات العاجلة لإغاثة المحتاجين ضرورية جداً لأن بعض الاحتياجات لا تستطيع الانتظار، ولكن يجب أن نعمل بوحي ثقافتنا الإسلامية التي تحض على العمل، فاليد العليا خير من اليد السفلى. تستحضرني هنا حكاية الصحابي الذي جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وطلب منه معونة، فأعطاه الرسول الكريم درهمين، وقال له، اشتر بواحد طعاماً، وبالآخر فأساً. فالعمل والإنتاج في الثقافة الإسلامية هما ركائز حل المعضلة الاقتصادية. إن إعادة بناء الاقتصاد العالمي المنهار يجب أن تتم على أسس إنسانية وعلى توازن بين الأهداف الاقتصادية والاحتياجات الاجتماعية، إذ لا يمكن الاستمرار بالحديث عن الشلل في الأسواق العالمية دون التفكير في تعزيز مقدرة ملايين البشر المهمشين على العمل ورفع قدراتهم الشرائية لاستهلاك حاجاتهم الأساسية.

مشاركة :