معرض «العين تقرأ» يحتفي بالكتاب الإماراتي

  • 10/4/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

في روايته «ليلة لشبونة»، يروي لنا الروائي الألماني ماريا ريمارك، الذي سيتسلم أدونيس جائزته المسماة «جائزة إريش ماريا ريمارك للسلام» الشهر المقبل، مآسي وحكايات المهاجرين الألمان الفارين من النازية. ويحلل لنا طبيعة النظام النازي، والخراب الذي أحدثه في عقول ونفوس الناس. انعكست الآية. أحفاد هؤلاء اللاجئين يفتحون الآن أذرعهم وصدورهم وبيوتهم للاجئين السوريين، الذي شردهم بالدرجة الأولى نازيو بلادهم المعاصرون. في الشهر المقبل، وهو في طريقه لتسلم الجائزة، سيرى أدونيس، إن فتح عينيه جيدا، هؤلاء المهاجرين يملأون مخيمات البلد الغريب، ويفترشون شوارعه في أكبر هجرة لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ونتمنى أن يقول صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» في حفل تكريمه المهيب كلمة، ولو واحدة، عن أسباب وجود هؤلاء هناك. نعلم أنه قال مرة: «كيف يسمونه - يقصد الشعب السوري - ليس شعب الثورة، وقد هاجر عن سوريا ثلث سكانها»، لكنه لم يقل لنا لماذا. إنه استفهام ملئ بالإدانة والسخرية: إدانة لهذا الشعب الذي ثار «اعتباطا» وسخرية في الوقت نفسه من «هجرته بطرا». لن نطلب من أدونيس أن يزور أبناء وطنه في هذه المخيمات، فهو ليس أنجلينا جولي، ولا أن يتبرع بشيء من قيمة الجائزة المادية، كما فعل كتاب غرباء مثل هيلاري مانتل، وسلمان رشدي، وألي سميث، وخالد حسيني، بل المطلوب منه، بثقله الأدبي والمعنوي الكبير، أن يدعو في الأقل، تبريرا لموقف الذين منحوه الجائزة وانسجاما مع هدفها، لإنهاء حمام الدم في بلاده، وليسمِّ الأسماء، كل الأسماء، وأن لا يكرر ما فعل في فرنسا حين منحوه وساما وطنيا. لقد تحدث الكل عن محنة بلاده إلا هو. الصمت هنا ليس حقا شخصيا، والقتل ليس وجهة نظر. ولكن يبدو أن أدونيس لن يقدم على ذلك، فقبل يومين فقط، كما كتب في الزميلة «الحياة»، ألقى اللوم كل اللوم على «ثورات الربيع العربي»، وهو يقصد هنا الثورة السورية، التي لم تجمعها «سوى فكرة واحدة هي الاقتتال على السلطة»، ولم «يقرأ لها كلمة واحدة عن الحرية والعدالة والمساواة»، خالطا، بكل وعي، بين أهداف هذه الثورة الأساسية و«الذبح، والسبي، وبيع النساء، والنهب والسلب، وفي تدمير العمران»، وهو ما ترتكبه «داعش»، متناسيا ذلك النشيد البسيط، الذي اختصر كل الشعارات السياسية، والذي أطلقه المتظاهرون صغارا ونساء وشيوخا في ساحات سوريا كلها، وليس في مساجدها كما يتصور، ورقصوا عليه: «سوريا بدها حرية.. والشعب السوري واحد واحد»، قبل أن يحصدهم الرصاص القاتل. بكلمة أخرى، أدونيس يختزل هذه الثورات بـ«داعش». وهذه مغالطة فكرية وتاريخية كبرى. نعم، لكل إنسان الحق بقول ما يشاء، لكن غض النظر عن الطغاة، وتبرئتهم من كل حصل ويحصل من أفعال وحشية، بإلقاء اللوم على طرف وحد، هو تزكية ومباركة صريحتان لهؤلاء الطغاة. كل الكلام الهائم عن الحرية في قصائدنا وندواتنا سيصبح لغوا فارغا لا معنى له. إذن، ما الذي يجمع بين الروائي الألماني ماريا ريمارك والشاعر السوري أدونيس؟ سيرتهما الذاتية ومواقفهما الحياتية تقول لنا أن لا شيء يجمع بينهما، سوى جائزة مدينة أوسنابروك، حيث ولد ريمارك، الذي تناقض سيرته سيرة أدونيس تماما. لم يعانِ ريمارك من انفصام بين حياته وكتاباته، ولم يتردد لحظة واحدة في الخيار بين القاتل والمقتول، لأنه كان يعي أن الطريق الوحيد للسلام الإنساني الحقيقي هو النضال ضد القمع والقتل. لقد وقف مبكرا ضد نازية هتلر وحروبه في مواقفه وكتاباته، ودفع الثمن غاليا، فقد أصدر وزير الثقافة النازي غوبلز قرارا بإحراق كتبه في الساحات العامة، ثم سحبوا جنسيته، وظل يطوف من منفى إلى منفى لحين رحيله. ردود الأفعال الغاضبة على منح أدونيس جائزة للسلام لم تقتصر على المثقفين السوريين الذين شردهم بشار الأسد، بل امتدت إلى كتّاب ألمان، ومنهم مترجم أدونيس للألمانية شتيفان فايدنر، رئيس تحرير مجلة «فكر وفن»، الذي صرح بأنه «يتفهم حصول أدونيس على جائزة ثقافية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الحصول على جائزة سلام»، وكذلك رفض نافيد كرماني، الإيراني الأصل، الحاصل هذا العام على جائزة اتحاد الناشرين الألمان، طلبا للجنة تحكيم الجائزة بإلقاء كلمة تكريم لأدونيس قائلا: «أنا أقدر أعمال أدونيس الأدبية، لكني أنتقد في الوقت نفسه تجاهله للوحشية التي يتعامل بها النظام في دمشق مع شعبه». هل تتراجع لجنة الجائزة عن قرارها غير المدروس هذا؟ سننتظر ونرى.

مشاركة :