يتنقل ثلاثة أشقاء بأزياء مهرجين بين أنقاض مبان مدمرة في غزة بفعل هجمات إسرائيل خلال موجة التوتر الأخيرة بغرض الترفيه عن الأطفال. ويرتدي حاتم كلاب (26 عاما) وشقيقاه ياسر (11 عاما) وكينان (5 أعوام) ملابس المهرجين أثناء استعراض حركات بهلوانية للعشرات من الأطفال قرب أنقاض برج (هنادي) الذي دمرته غارات إسرائيلية في مايو الماضي. ويحاول الأشقاء الثلاثة إدخال البهجة على نفوس الأطفال في غزة لتخفيف التداعيات النفسية عقب موجة التوتر الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في الفترة من 10 إلى 21 من مايو. وأسفرت موجة التوتر عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيا بينهم 66 طفلا و39 امرأة و17 مسنا في مقابل مقتل 13 شخصا في إسرائيل بينهم طفلان بحسب إحصائيات فلسطينية وإسرائيلية رسمية. ويقول حاتم لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان يمازح طفلا من الحاضرين لأحد العروض "نختار الأماكن التي تم قصفها وتدميرها لمساعدة الأطفال على تفريغ الطاقة السلبية عقب الحرب الأخيرة". ويضيف حاتم، وهو يرتدي زيا للمهرجين بألوان صاخبة، "كانت أيام الحرب قاسية وشديدة على الصغار والكبار، الجميع كان خائفا ومرعوبا من فكرة الموت والدمار، وهذا الشعور ترك آثارا نفسية سيئة على الأطفال". ويتابع "نحاول أن نرسم الابتسامة على وجوه الأطفال الذين كانوا قبل أيام مرعوبين من أصوات الانفجارات الشديدة الناتجة عن هجمات إسرائيل الجوية والمدفعية". وبدا شقيقه ياسر مفعما بالحيوية وهو يرتدي زيا للمهرجين ويضع شعرا مستعارا لونه أحمر، منشغلا بالترفيه عن أطفال الحي وحثهم على القفز إلى أعلى والتصفيق لبعضهم البعض. ويقول ياسر لـ ((شينخوا)) بينما يبتسم ويداعب شعره المستعار "نحاول الترفيه عن الأطفال الذين كانوا قريبين جدا من الموت في أيام الحرب ودوي الانفجارات في كل مكان" في غزة. ويضيف "لم يتوقع الكثيرون من سكان غزة أن ينجوا بحياتهم خلال أيام الحرب بفعل كثافة الغارات، لكن الحياة تستمر ومن المهم إدخال الفرحة مجددا على نفوس الأطفال". وعمل الأشقاء الثلاثة على تنفيذ أكثر من 22 فعالية ترفيهية للأطفال فوق أنقاض المنازل لاقت استحسانا من الأطفال وذويهم في أنحاء متفرقة من قطاع غزة المحاصر بحسب ما يؤكدون. ويتخلل العروض البهلوانية، العديد من الفقرات الترفيهية من بينها الرقص والغناء واللعب بالكرات الملونة، بالإضافة إلى المسابقات التي تعتمد على الذكاء وسرعة البديهة. وتندرج الفعاليات في إطار مبادرة تطوعية أطلقتها فرقة "السندباد" الفنية لتقديم العروض الفنية للأطفال بهدف مساعدتهم على التخلص من الآثار السلبية لموجة التوتر الأخيرة. ويقول المشرف على الفعاليات الترفيهية محمد نجم لـ ((شينخوا)) إن الخوف والرعب سيطر على سكان غزة طوال فترة موجة التوتر مما أثر سلبا على الوضع النفسي للأطفال. ويؤكد نجم أن "إعادة إعمار الإنسان خاصة الأطفال، من المهم أن تكون ضمن أولويات صناع القرار والمانحين خاصة أن جميع السكان يعانون من مضاعفات نفسية خطيرة". وحضرت الطفلة ريما العمصي (11 عاما) من سكان مدينة غزة العرض الترفيهي للمهرجين على أنقاض البرج المجاور لمنزلها المتضرر بشكل جزئي بسبب القصف. وتقول ريما بينما كانت تراقب أحد المهرجين وهو يؤدي مجموعة من الأغاني الترفيهية "هذه أول مرة أحضر فعالية ترفيهية منذ انتهاء الحرب وهو أمر أضحكني وأسعدني كثيرا". وتضيف ريما "تسببت الحرب بتدمير الحي الذي نعيش فيه وأصبح مكانا غير صالح للعب والحياة الطبيعية، فنحن نخاف أن نتعثر بالحجارة المتناثرة بكل مكان". وأبدت الطفلة سعادتها وهي ترقص وتغني مع بقية أطفال الحي بعد أن عانوا من "أيام عصيبة ومرعبة بسبب أصوات الصواريخ والانفجارات المتتالية" في قطاع غزة. ويقول أطباء نفسيون إن الأطفال في غزة يعانون من سلسلة من الأعراض النفسية المرتبطة بالخوف من القصف كالاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكية والتبول اللاإرادي وعصبية المزاج وغيرها. ويؤكد مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة فضل أبو هين، أن الأطفال هم أكثر الضحايا في جولات التوترات العسكرية سواء كان ذلك من خلال استهدافهم المباشر وقتلهم، أو حتى من خلال ترك آثار سلبية على نفوسهم. ويقول أبو هين لـ ((شينخوا)) إن "الحروب تترك آثارها الكارثية على نفسية الأطفال لما يعانوه من فزع ورعب شديدين وانعدام الثقة بالحياة والشعور بالأمان مما يجعلهم أكثر انطوائية أو أكثر عدوانية تجاه الآخرين". ويضيف أن أطفال قطاع غزة بحاجة إلى تبني استراتيجية بعيدة المدى تهتم بإعادة بناء شخصيتهم وتحقيق التوازن النفسي لهم بما في ذلك تبني القيم والمفاهيم اللازمة لإنشاء جيل سوي قادر على خوض الحياة بشكل طبيعي.
مشاركة :