الحدث المتداول حاليا في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران ومحيطها الإقليمي هو الجدل حول انتخابات الرئاسة الإيرانية القادمة والمزمع أجراؤها في الثامن عشر من يونيو الجاري. وقد اشتدت حرارة الاحتجاج بين أوساط الناخبين من أبناء الشعوب الإيرانية بعد هبوط قائمة المرشحين للرئاسة من 590 مرشحا الى سبعة فقط جلهم من المحافظين المتشددين والمنتمين إلى مؤسسة الحرس الثوري، وحجب الثقة عن ثلاثة مرشحين بارزين كان لهم حظوظ كبيرة في المنافسة (أحمدي نجاد وعلي لاريجاني وإسحاق جهانجيري). لقد حظي هذا الاستبعاد باحتجاج واسع بين السياسيين الإيرانيين وكانت رسالة الرئيس الحالي حسن روحاني إلى المرشد الأعلى خامئني مؤشراً واضحاً على هذا الاستياء فقد طلب إعادة النظر في قرار لجنة مجلس صيانة الدستور في استبعاد المرشحين الثلاثة بعد استيفائهم لشروط الترشيح وأبدى روحاني في رسالته أن هذا الإجراء غير الديمقراطي يضعف المنافسة بين المرشحين وأن السبعة المختارين الذين يحظون برضاء المرشد الأعلى يمثلون لوناً سياسياً واحداً بتمثيلهم تيار المتشددين المحافظين في العملية السياسية الإيرانية إلا أن المرشد خامئني أيد قرار الاستبعاد واعتمد المرشحين السبعة الجدد (سعيد جلالي..سيد إبراهيم رئيسي..محسن رضايي..علي رضا زاكاني..أمير قاضي هاشمي.. محسن مهر علي زاده..عبدالناصر همتي ). تؤكد معظم الأوساط التحليلية لاتجاهات السياسة الإيرانية أن سيد إبراهيم رئيسي هو المرشح الأقرب لمنصب الرئاسة لقربه من المرشد خامئني فقد كان أحد تلاميذه في الحوزة الدينية وتقلد أكبر منصب قضائي في إيران وأصدر العديد من أحكام الإعدام على معارضي النظام في طهران ويطلق عليه المعارضون في الداخل والخارج لقب «قاضي الموت». إن المشهد السياسي الإيراني يتكرر مرة أخرى باستعادة الفترة التي شهدت تدحرج الكرة السريعة باختيار رئيس الجمهورية الأسبق سيد علي خامئني لمنصب المرشد الأعلى خلفاً للخميني وتجانسه مع ما تشهده طهران اليوم، فمؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية واختيار ما يعد (سيدا) لها (كما في التصنيف الحوزوي) حتى يكون مهيئاً للوصول إلى منصب المرشد العام خلفاً للمرشد الحالي علي الخامئني. ويرافق هذه العملية الانتخابية موجة عارمة من الاستياء الشعبي تجاه السلطة يظهر في شكل تظاهرات وحركات عصيان مدني ما يكشف ضعف حكم ملالي طهران سياسياً واقتصادياً بشهادة رأس السلطة التنفيذية حسن روحاني من خلال تقييمه حقبة التسلط على الشعوب الإيرانية بقوله (إيران تمر بأسوأ مرحلة اقتصادية منذ تأسيس النظام قبل 40 عاماً). هذا الاعتراف الرسمي يضع كل مؤسسات الدولة في مجال المساءلة الشعبية من قبل الجماهير الغاضبة في الشارع الإيراني الملتهب بكل مدنه وقطاعاته المهنية، والداعية الى مقاطعة الانتخابات الرئاسية ما اضطر مكتب المرشد الأعلى خامئني إلى التحذير من رفع شعار مقاطعة الانتخابات من قبل المعارضة بقيادة منظمة مجاهدي خلق وحركات التحرير في الأحواز المحتلة والذي سيقابله إجراءات عقابية وقهرية من سلطات الأمن الداخلي الإيراني. فبعد 40 عامًا من حكم هذا النظام التسلطي العاجز عن إدارة مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية في جميع مراحل حكمه ما جعل المواطنين يعيشون في فقر وعوز، أصبح أغلبهم من دون عمل يعتاشون منه بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد الإداري والمالي بين المنظومة الإدارية في مجموع الوزارات والمؤسسات الاقتصادية وكذلك محاربة كل معارض لوجودهم بمنعه من ممارسة حقوقه المدنية في اختيار العمل المناسب لمؤهلاته العلمية والعملية، بل أصبح الانتماء إلى المؤسسات الطائفية وتأثير الترشيح المباشر لمنسوبي الحرس الثوري هو المعيار المميز لنيل وظائف الدولة العامة من دون النظر إلى المؤهل المناسب والخبرة العالية ما جعل المنظومة الإدارية ضعيفة ومهترئة في مستويات أدائها نظرا إلى انتشار الرشوة والمحسوبية في مراكز القرار في الوزارات والمؤسسات التابعة للحرس الثوري المنتشرة في كل قطاع اقتصادي إيراني. وقد أعلن المرشح الأوفر حظاً سيد إبراهيم رئيسي في برنامجه الانتخابي عزمه الجاد على محاربة الفساد وتنشيط اقتصادات البلاد والاعتماد على الاكتفاء الذاتي في الصناعة والزراعة والعمل لإيجاد سياسة مالية تعيد إلى العملة الإيرانية المنهارة حيويتها مقابل الصرف المالي الدولي للعملات الأجنبية والعمل على تحقيق فرص العمل في أوساط الشباب العاطل والذي بلغت نسبته أكثر من 30% في سوق العمل الإيراني. إن تخوف رئيس الجمهورية الحالي حسن روحاني من عدم المنافسة الحرة ومستوى شفافية الانتخابات الرئاسية يعد تمهيدا لطريق الرئاسة للمرشح إبراهيم رئيسي بعد إبعاد الثلاثة الأكثر حظاً للمنافسة وهو مؤشر قوي بحسم نتيجة حجز المنصب الرئاسي للمرشح المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، وقد يكون منصب الرئاسة سلما يقود رئيسي تاليا إلى قمة السلطة السياسية والدينية في إيران حين يصبح كرسي المرشد العام شاغرا في الفترة القادمة.
مشاركة :