جرى في الاسبوع الماضي اجتماع بين وزير الصناعة والتجارة والسياحة ووزير ريادة الاعمال بدولة الامارات ضمن التعاون الخليجي في سياق التنمية الاقتصادية العربية. كذلك في الاسبوع نفسه بحث رئيس غرفة التجارة مع رئيس هيئة الاستثمار المصرية فرص تعزيز الاستثمار بين البلدين بمناسبة اطلاق رالي عربي لريادة الاعمال، وناقش الفريقان (البحريني والمصري) كيفية زيادة الاستثمارات التجارية والصناعية في البلدين. وفق الامانة العامة لدول مجلس التعاون هناك تنسيق للنشاط الصناعي بين دول المجلس ووضع السياسات واقتراح الوسائل المؤدية إلى التحول الصناعي على أساس تكاملي، وذلك من خلال توحيد تشريعاتها وأنظمتها الصناعية، وتشجيع إقامة الصناعات المكمّلة للمشروعات الأساسية موزعة في الدول الأعضاء حسب الميزات النسبية. يرتكز هذا الاهتمام على الاتفاقية الاقتصادية المعدلة 2001 التي دعت الى زيادة مساهمة قطاع الصناعة استنادا الى «الإستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية لدول المجلس»، تحدد فيما بعد هدف الوصول الى مساهمة الانتاج الصناعي بنسبة 25% في الناتج المحلي عام 2020 مقارنة بـ 10% في 2015، ورفع مساهمة الاستثمار الصناعي من 323 مليارا الى تريليون دولار بعد ثلاث سنوات. ووفق بيانات غرف التجارة فإن الإمارات تتصدر قائمة الدول الخليجية المستضيفة للمشاريع الصناعية المشتركة (خليجي خليجي) بنسبة 42.7% من مجمل الاستثمارات، بينما تتصدر السعودية حجم الاستثمارات الصناعية الكلية (خليجية واجنبية) بنسبة 51%. وقد بلغ عدد الصناعات الخليجية 14 الف منشأة صناعية توفر مليونا و261 الف فرصة عمل (منظمة الخليج للاستشارات الصناعية). وفي نهاية العام الماضي أُعلن في السعودية عن أن مصنعا للسيارات سوف يبدأ بعملية تجميع في عام 2023. هذه جميعها تطورات تدعو الى التفاؤل. للمضي في هذا المسار حددت دول الخليج عددا من القطاعات ترى انها تملك فيها ميزة تنافسية تمكنها من التقدم مثل صناعة البتروكيماويات والصناعات المعدنية (الحديد والالمنيوم) وقطاع تحلية ومعالجة المياه والصناعات الغذائية بشكل خاص. يمكن لقطاع البتروكيماويات والصناعات المعدنية الاخرى ان يمثلا القاطرة التي تقود الصناعة الخليجية. فمثلا بدأت دول شرق اسيا مرحلة التصنيع معتمدة على تطوير الزراعة او ما سمي «اصلاح الاراضي وتوزيعها»، فتح هذا الاصلاح مجال عمل كبير وزاد من الغلة الزراعية وخلق سوقا للمنتجات الصناعية محليا فيما بعد، وكذلك تطوير القدرات على استيعاب التكنولوجيا وتوطينها وانتاجها والاصرار على التصدير لرفع القدرات التنافسية والكفاءة. فهل تقوم هذه الصناعات في الخليج بالوظيفة التي قامت بها الزراعة في دول شرق آسيا؟ كذلك نتساءل هل ما يحدث هو مبادرات فردية مستقلة ام انها استجابة لسياسات وتوجه الحكومات؟ واذا كانت سياسة عامة فما هي مرتكزات هذه السياسة؟ بالنسبة لدول شرق اسيا كانت الثلاثية التي مكنتها من الانطلاق هي السياسة الزراعية واصلاح الاراضي (توزيع الاراضي على المزارعين لخلق كثافة انتاجية تستوعب العمالة) ثانيا سياسة صناعية لحماية الصناعات الوليدة وتطويرها وتيسير الحصول على التكنولوجيا واستيعابها وتطوير قدرات تكنولوجية محلية قادرة على المنافسة المحلية والاجنبية، ثالثا سياسة مالية ترتكز على تشجيع التصدير وتيسير التمويل له مع اشتراط وقف التمويل للصناعات التي تفشل في التصدير. فما هي مرتكزات التوجه نحو التصنيع في منطقة الخليج؟ كما هو معلن فان الحوافز المقدمة من السعودية لبرامج التصنيع تصل الى 44 مليار ريال لاستقطاب 3 الى 4 شركات لصناعة السيارات وشركات لصناعة قطع الغيار والاطارات. مما نشر يتضح ان الاعتماد سيكون على شركات اجنبية تصنع في المملكة، كخطوة اولى، لكن هذه الشركات قد تتحفظ على نقل التكنولوجيا كما حدث في اندونيسيا وتايلاند. كذلك يحتاج الامر الى وضع وتطبيق سياسات تحفز رؤوس الاموال (المحلية بدرجة اولى) في التوجه نحو التصنيع، بالنسبة لنا في البحرين فإن اكبر ست شركات ليس لها نشاط صناعي يذكر. ثانيا بناء قدرات لتوطين التكنولوجيا واستيعابها وانتاجها تحسبا لوقف التكنولوجيا الاجنبية. ثالثا الاصرار على اقتحام الاسواق الخارجية والمنافسة فيها، رابعا تسخير رؤوس الاموال لهذه الصناعات ودعم المبادرات والريادة في هذا المجال بالدعم المادي وصرامة بيروقراطية تشترط التصدير لاستمرار الدعم. بالإضافة الى ذلك تواجه دول الخليج في مسيرتها نحو التصنيع عددا من التحديات. اولا ان الوقت لم يعد في صالحها وتحتاج الى الاسراع في تكوين القدرات الصناعية والتنويع الاقتصادي بخطى وكفاءة تختلف عن ما اعتادت عليه البيروقراطية الخليجية؛ التحدي الثاني هو قضية التكنولوجيا المطلوبة لاقتحام ميدان التصنيع، فما هي سياساتنا للحصول على التكنولوجيا وكيف سنطور القدرات لاستيعاب التكنولوجيا وتطويرها بقدرات ذاتية لتحقيق الاستقلال التقني والبناء عليه؛ والتحدي الثالث هو كيف سنتعامل مع تكوين الخبرات والعمالة الماهرة وغير الماهرة المحلية والتحول نحو القيمة المضافة العالية التي تناسب العمالة المحلية؛ والتحدي الرابع هو جودة السياسات الحكومية التي ستحدد الدعم الذي ستقدمه الحكومات للمشاريع الصناعية الخاصة والعامة؟ وما طبيعة المؤسسات التي ستقوم بتقييم المشاريع وتقديم الدعم واهدافها والانظمة والقوانين التي تحكمها؟ وكيف ستتمكن من بناء القدرة التنافسية في هذا المجال واقتحام الاسواق الخارجية؛ التحدي الخامس هل تتمكن شركات البتروكيماويات والالمنيوم من خلق ما يكفي من الصناعات المتفرعة عنها وامتلاك تكنولوجيا لإنتاج منتجات استهلاكية متفرعة عن المنتجات الاساسية والمتوسطة التي تنتجها منذ عقود؛ التحدي السادس والأهم هو كيف نحفز عددا كافيا من كبار رجال الاعمال المحليين لخلق زخم قادر على اقتحام ميدان التصنيع للتصدير واخراجهم من عقلية الانشطة التجارية والاستثمار العقاري المعتمد على السوق المحلي واموال النفط. ان الوصول الى العالمية في التصنيع سوف يحتاج الى منظومة من البحث العلمي المساند وتطوير القدرات على استيعاب التكنولوجيا وخلقها، وتوظيفها في تطوير منتجات في قطاعات يتم تحديدها ضمن سياسة صناعية وتكنولوجية واستثمارية شاملة، تمثل السعودية فرصة للنجاح من خلال الشركات الكبيرة التي تتوجه نحو التصنيع مثل ارامكو وسابك. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :