كان للفن في زمن الزعيم جمال عبدالناصر طعم ومذاق مختلف، يتحدث الشاعر أحمد رامي الذي كتب الكثير من الاغاني لسيدة الغناء أم كلثوم (كيف عرفت عبدالناصر؟) بأن أهل الفن كانوا كتيبة مهمة من كتائب المعركة، كانت تقوم بدور في تعزيز دعائم الوحدة الشاملة، وتأصيلها في نفوس العرب وتحريك العزائم العربية ليوم عظيم تتغلب فيه هذه الامة على أعدائها وتملأ المكان اللائق بها في المجتمع الدولي، وتثبت انها بحق خير أمة أخرجت للناس. ويستطرد أحمد رامي ليقول، كان جمال إنسانا بكل ما في كلمة الانسانية من معان سامية، كان يرى في ولده خالد رمزا لجيل الثورة، ويشعر نحو كل ابن من ابناء هذا الجيل بنفس احساسه نحو خالد، كان يرى أنهم كلهم أولاده، ويجب أن تتاح لكل منهم نفس الفرص المتاحة لخالد، حتى ينشأوا في جو من تكافؤ الفرص، لا فرق بين ابن رئيس الجمهورية وابن اي مواطن آخر، وهكذا يتجهون جميعا نحو بناء مستقبل مصر بإخلاص وإيمان. والواقع ان ايمان جمال عبدالناصر كان الاساس الأول لانسانيته، فمثلا كان لاغاني رابعة العدوية وقعا خاصا في نفسه، لما فيها من تصوف وروحانية، وكثيرا ما كان يقول لأهل الفن كلما التقى بهم في مناسبة من المناسبات، ان اغاني رابعة العدوية يجب أن تكون نصب اعينهم دائما كنموذج لمثالية الغناء، وكان حبه للموسيقى والغناء دليلا حيا على حسه المرهف إلى حد انه كثيرا ما كان ينكب على العمل في مكتبه وهو يستمع إلى الغناء المنبعث هادئا من الغرفة، ويقول رامي: كنت أشعر بالفخر حين اسمع انه يطلب اغنياتي فور تسجيلها في الاذاعة، وقبل ان تذاع على الناس، هكذا كان عبدالناصر إضافة إلى كل مواقفه الوطنية محبا للفن وساعيا لتطويره. 1 - كان مقررا أن يقوم الرئيس جمال عبدالناصر بزيارة لأسوان لوضع حجر الاساس لمصنع السماد وعندما علم أهالي اسوان بذلك أصروا على أن يقضي الرئيس بينهم يوما أو يومين، كما علم أهالي قنا بأن الرئيس سيزور أسوان فوجهوا إلى سيادته دعوة لزيارتهم وكذلك فعلت باقي مناطق الوجه القبلي، وقد وافق الرئيس عبدالناصر على قبول جميع الدعوات التي وجهت اليه، وقام بزيارة الوجه القبلي من أسوان إلى الجيزة، وبقية الزيارات حدد لها موعدا في الشهر القادم. 2- دمعت عينا الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي في موقفين مؤثرين، الموقف الاول عندما أمسك فخامته بالقلم ليوقع على وثيقة إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، أما الموقف الثاني فكان بعد توقيع الوثيقة عندما وقف بجانب الرئيس جمال عبدالناصر يتحدث إلى ابناء الجمهورية العربية المتحدة، وقبل ان يقدم المذيع الرئيس القوتلي إلى المواطنين نظر إلى السيد أسعد هارون الوزير السوري الذي كان يقف خلفه ثم قال: الحمد لله.. الحمد لله، ثم أخرج منديله ليمسح دموعه من عينيه. 3- كانت بعض الاذاعات الاستعمارية تحرص على التشويش على اذاعة الجمهورية العربية المتحدة بدمشق عندما يخطب الرئيس، وحتى يتجنب السيد عبدالقادر حاتم مستشار الرئيس جمال عبدالناصر التشويش على خطابه الذي فضح فيه مؤامرة التشويش، أعلن ان الرئيس سيلقي خطابه في الساعة الثامنة مساء، وأذيع فعلا من اذاعة القاهرة وإذاعة دمشق، ثم تبين ان الرئيس سيلقي خطابه في تمام الساعة الخامسة، وليس في الثامنة، وطوال الفترة التي ألقي فيها خطاب الرئيس لم تتمكن الاذاعات الاستعمارية من (رصد) اجهزة التشويش على اذاعة دمشق، ونجحت الخدعة التي ابتكرها الدكتور عبدالقادر حاتم. 4- دأب خروتشوف رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي على الخروج على البرنامج الرسمي المعد لزيارة الرئيس جمال عبدالناصر، فلم يكن مقررا ان يكون خروتشوف ضمن مستقبلي الرئيس في المطار ولكن المستقبلين فوجئوا بخروتشوف بينهم في انتظار وصول الطائرة. 5- في اليوم الأول لوصول الرئيس جمال عبدالناصر إلى موسكو أمر خروتشوف شخصيا بتغيير البرنامج بالنسبة لوسائل الانتقال التي كان مقررا ان ينتقل بها الرئيس داخل الاتحاد السوفيتي، فقد أعد البرنامج على اساس ان يقطع الرئيس المسافات الطويلة بالطائرة النفاثة ت:ي 104 ويقطع المسافات القصيرة بالطائرات (الاليوشين) ولكن خروتشوف امر بأن تكون جميع تنقلات الرئيس بالطائرة النفاثة حتى تكون أكثر راحة لسيادته، وحتى يتمكن من تنفيذ البرنامج الطويل في المواعيد التي حددت له، ومما يذكر ان هذه هي المرة الاولى التي يستعمل فيها رئيس اجنحة الطائرة النفاثة في التنقل إلى جميع ارجاء الاتحاد السوفيتي. 6- كانت هناك حساسية لدى عبدالناصر تجاه الفلوس، كان يكره أن يلمسها، وكان يحرم على معاونيه ان يتعامل في اصغر المبالغ الا بالشيكات، لهذا فهو الوحيد من رؤساء الدول الراحلين الذي يمكن أن تجد وثائق لكل قرش تعامل به حتى مصروفات بيته، وبنفس القدر كان نفور عبدالناصر من امتلاك الاراضي أو العقارات، أو استثمار النفوذ. كانت له في ذلك مواقف مع اهله وبيته وموظفيه يحتاج سردها إلى خيال روائي رائع، والشاهد على ذلك كان محمود الجيار حيث كان شاهدا يسجل ما وعته ذاكرته، حيث كان ما يراه في نظره أغرب مما يخطر بخيال الروائيين. مسك الختام: إن القومية العربية هي نظرية استراتيجية من قبلنا كعرب مخلصين لعروبتهم لأنها تتفق مع رؤيتنا كعروبيين وإن تطلعاتنا منطلقة من حقائق تفرض نفسها، فالتجربة التي عشناها ابان المد القومي في عهد جمال عبدالناصر منذ عام 1952 جعلت العالم يشعر بمدى عمقها وتأثيرها في الواقع العربي وفي الاطار الدولي.
مشاركة :