حكايات من زمن الزعيم جمال عبدالناصر

  • 6/5/2021
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كان‭ ‬للفن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬طعم‭ ‬ومذاق‭ ‬مختلف،‭ ‬يتحدث‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬رامي‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاغاني‭ ‬لسيدة‭ ‬الغناء‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ (‬كيف‭ ‬عرفت‭ ‬عبدالناصر؟‭) ‬بأن‭ ‬أهل‭ ‬الفن‭ ‬كانوا‭ ‬كتيبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬كتائب‭ ‬المعركة،‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬دعائم‭ ‬الوحدة‭ ‬الشاملة،‭ ‬وتأصيلها‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬العرب‭ ‬وتحريك‭ ‬العزائم‭ ‬العربية‭ ‬ليوم‭ ‬عظيم‭ ‬تتغلب‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الامة‭ ‬على‭ ‬أعدائها‭ ‬وتملأ‭ ‬المكان‭ ‬اللائق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وتثبت‭ ‬انها‭ ‬بحق‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭.‬ ‭ ‬ويستطرد‭ ‬أحمد‭ ‬رامي‭ ‬ليقول،‭ ‬كان‭ ‬جمال‭ ‬إنسانا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬الانسانية‭ ‬من‭ ‬معان‭ ‬سامية،‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬ولده‭ ‬خالد‭ ‬رمزا‭ ‬لجيل‭ ‬الثورة،‭ ‬ويشعر‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬ابن‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬بنفس‭ ‬احساسه‭ ‬نحو‭ ‬خالد،‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬أنهم‭ ‬كلهم‭ ‬أولاده،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتاح‭ ‬لكل‭ ‬منهم‭ ‬نفس‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬لخالد،‭ ‬حتى‭ ‬ينشأوا‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬ابن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وابن‭ ‬اي‭ ‬مواطن‭ ‬آخر،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتجهون‭ ‬جميعا‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬مصر‭ ‬بإخلاص‭ ‬وإيمان‭. ‬والواقع‭ ‬ان‭ ‬ايمان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬كان‭ ‬الاساس‭ ‬الأول‭ ‬لانسانيته،‭ ‬فمثلا‭ ‬كان‭ ‬لاغاني‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬وقعا‭ ‬خاصا‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تصوف‭ ‬وروحانية،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لأهل‭ ‬الفن‭ ‬كلما‭ ‬التقى‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬من‭ ‬المناسبات،‭ ‬ان‭ ‬اغاني‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نصب‭ ‬اعينهم‭ ‬دائما‭ ‬كنموذج‭ ‬لمثالية‭ ‬الغناء،‭ ‬وكان‭ ‬حبه‭ ‬للموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬دليلا‭ ‬حيا‭ ‬على‭ ‬حسه‭ ‬المرهف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬انه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ينكب‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬وهو‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬الغناء‭ ‬المنبعث‭ ‬هادئا‭ ‬من‭ ‬الغرفة،‭ ‬ويقول‭ ‬رامي‭: ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بالفخر‭ ‬حين‭ ‬اسمع‭ ‬انه‭ ‬يطلب‭ ‬اغنياتي‭ ‬فور‭ ‬تسجيلها‭ ‬في‭ ‬الاذاعة،‭ ‬وقبل‭ ‬ان‭ ‬تذاع‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬عبدالناصر‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مواقفه‭ ‬الوطنية‭ ‬محبا‭ ‬للفن‭ ‬وساعيا‭ ‬لتطويره‭.‬ 1‭ - ‬كان‭ ‬مقررا‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بزيارة‭ ‬لأسوان‭ ‬لوضع‭ ‬حجر‭ ‬الاساس‭ ‬لمصنع‭ ‬السماد‭ ‬وعندما‭ ‬علم‭ ‬أهالي‭ ‬اسوان‭ ‬بذلك‭ ‬أصروا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬الرئيس‭ ‬بينهم‭ ‬يوما‭ ‬أو‭ ‬يومين،‭ ‬كما‭ ‬علم‭ ‬أهالي‭ ‬قنا‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬سيزور‭ ‬أسوان‭ ‬فوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬سيادته‭ ‬دعوة‭ ‬لزيارتهم‭ ‬وكذلك‭ ‬فعلت‭ ‬باقي‭ ‬مناطق‭ ‬الوجه‭ ‬القبلي،‭ ‬وقد‭ ‬وافق‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالناصر‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬جميع‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬اليه،‭ ‬وقام‭ ‬بزيارة‭ ‬الوجه‭ ‬القبلي‭ ‬من‭ ‬أسوان‭ ‬إلى‭ ‬الجيزة،‭ ‬وبقية‭ ‬الزيارات‭ ‬حدد‭ ‬لها‭ ‬موعدا‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬القادم‭.‬ ‭ ‬2-‭ ‬دمعت‭ ‬عينا‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬الأسبق‭ ‬شكري‭ ‬القوتلي‭ ‬في‭ ‬موقفين‭ ‬مؤثرين،‭ ‬الموقف‭ ‬الاول‭ ‬عندما‭ ‬أمسك‭ ‬فخامته‭ ‬بالقلم‭ ‬ليوقع‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬إعلان‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬أما‭ ‬الموقف‭ ‬الثاني‭ ‬فكان‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬الوثيقة‭ ‬عندما‭ ‬وقف‭ ‬بجانب‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يتحدث‭ ‬إلى‭ ‬ابناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقبل‭ ‬ان‭ ‬يقدم‭ ‬المذيع‭ ‬الرئيس‭ ‬القوتلي‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬السيد‭ ‬أسعد‭ ‬هارون‭ ‬الوزير‭ ‬السوري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬خلفه‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭.. ‬الحمد‭ ‬لله،‭ ‬ثم‭ ‬أخرج‭ ‬منديله‭ ‬ليمسح‭ ‬دموعه‭ ‬من‭ ‬عينيه‭. ‬ 3-‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الاذاعات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬اذاعة‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬بدمشق‭ ‬عندما‭ ‬يخطب‭ ‬الرئيس،‭ ‬وحتى‭ ‬يتجنب‭ ‬السيد‭ ‬عبدالقادر‭ ‬حاتم‭ ‬مستشار‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬خطابه‭ ‬الذي‭ ‬فضح‭ ‬فيه‭ ‬مؤامرة‭ ‬التشويش،‭ ‬أعلن‭ ‬ان‭ ‬الرئيس‭ ‬سيلقي‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‭ ‬مساء،‭ ‬وأذيع‭ ‬فعلا‭ ‬من‭ ‬اذاعة‭ ‬القاهرة‭ ‬وإذاعة‭ ‬دمشق،‭ ‬ثم‭ ‬تبين‭ ‬ان‭ ‬الرئيس‭ ‬سيلقي‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬تمام‭ ‬الساعة‭ ‬الخامسة،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الثامنة،‭ ‬وطوال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬ألقي‭ ‬فيها‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬الاذاعات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ (‬رصد‭) ‬اجهزة‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬اذاعة‭ ‬دمشق،‭ ‬ونجحت‭ ‬الخدعة‭ ‬التي‭ ‬ابتكرها‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالقادر‭ ‬حاتم‭.‬ ‭ ‬4-‭ ‬دأب‭ ‬خروتشوف‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬الرسمي‭ ‬المعد‭ ‬لزيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬مقررا‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬خروتشوف‭ ‬ضمن‭ ‬مستقبلي‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬ولكن‭ ‬المستقبلين‭ ‬فوجئوا‭ ‬بخروتشوف‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬وصول‭ ‬الطائرة‭. ‬ 5-‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لوصول‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬أمر‭ ‬خروتشوف‭ ‬شخصيا‭ ‬بتغيير‭ ‬البرنامج‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوسائل‭ ‬الانتقال‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مقررا‭ ‬ان‭ ‬ينتقل‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬فقد‭ ‬أعد‭ ‬البرنامج‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬ان‭ ‬يقطع‭ ‬الرئيس‭ ‬المسافات‭ ‬الطويلة‭ ‬بالطائرة‭ ‬النفاثة‭ ‬ت‭:‬ي‭ ‬104‭ ‬ويقطع‭ ‬المسافات‭ ‬القصيرة‭ ‬بالطائرات‭ (‬الاليوشين‭) ‬ولكن‭ ‬خروتشوف‭ ‬امر‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬جميع‭ ‬تنقلات‭ ‬الرئيس‭ ‬بالطائرة‭ ‬النفاثة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬راحة‭ ‬لسيادته،‭ ‬وحتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬البرنامج‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬المواعيد‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬له،‭ ‬ومما‭ ‬يذكر‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الاولى‭ ‬التي‭ ‬يستعمل‭ ‬فيها‭ ‬رئيس‭ ‬اجنحة‭ ‬الطائرة‭ ‬النفاثة‭ ‬في‭ ‬التنقل‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬ارجاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬ 6-‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حساسية‭ ‬لدى‭ ‬عبدالناصر‭ ‬تجاه‭ ‬الفلوس،‭ ‬كان‭ ‬يكره‭ ‬أن‭ ‬يلمسها،‭ ‬وكان‭ ‬يحرم‭ ‬على‭ ‬معاونيه‭ ‬ان‭ ‬يتعامل‭ ‬في‭ ‬اصغر‭ ‬المبالغ‭ ‬الا‭ ‬بالشيكات،‭ ‬لهذا‭ ‬فهو‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬الراحلين‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬وثائق‭ ‬لكل‭ ‬قرش‭ ‬تعامل‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬مصروفات‭ ‬بيته،‭ ‬وبنفس‭ ‬القدر‭ ‬كان‭ ‬نفور‭ ‬عبدالناصر‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬الاراضي‭ ‬أو‭ ‬العقارات،‭ ‬أو‭ ‬استثمار‭ ‬النفوذ‭. ‬كانت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مواقف‭ ‬مع‭ ‬اهله‭ ‬وبيته‭ ‬وموظفيه‭ ‬يحتاج‭ ‬سردها‭ ‬إلى‭ ‬خيال‭ ‬روائي‭ ‬رائع،‭ ‬والشاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬الجيار‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬شاهدا‭ ‬يسجل‭ ‬ما‭ ‬وعته‭ ‬ذاكرته،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬أغرب‭ ‬مما‭ ‬يخطر‭ ‬بخيال‭ ‬الروائيين‭.‬ مسك‭ ‬الختام‭:‬ إن‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬نظرية‭ ‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬قبلنا‭ ‬كعرب‭ ‬مخلصين‭ ‬لعروبتهم‭ ‬لأنها‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬رؤيتنا‭ ‬كعروبيين‭ ‬وإن‭ ‬تطلعاتنا‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها،‭ ‬فالتجربة‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬ابان‭ ‬المد‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬جعلت‭ ‬العالم‭ ‬يشعر‭ ‬بمدى‭ ‬عمقها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬وفي‭ ‬الاطار‭ ‬الدولي‭. ‬

مشاركة :