هي أزمة كبرى وحلقة جديدة من مسلسل علاقات الغرب والعرب، أماطت اللثام عن فشل سياسات القارة العجوز وتخبّط قرارات دولها، بعدما صدع مسؤولوها الرؤوس دهراً على توحّدهم ويسر حل معضلة ركاب البحر. تباين الخطاب الفرنسي على غرار شقيقاتها الأوروبيات، إذ تعارض خطابها الرسمي الذي أكده رئيسها الاشتراكي فرانسوا هولاند ورئيس حكومته مانويل فالس وفريقه الحكومي الذين فحتوا الأبواب في وجه المهاجرين، وبقية رؤساء البلديات والمقاطعات الذين رفض بعضهم استقبال الضيوف أو رد المسلمين منهم على أعقابهم بحجة أنهم إرهابيون محتملون. يروي عبد الله زكري رئيس المرصد الفرنسي لمحاربة العداء للإسلام الإسلاموفوبيا ووجهه تغزوانه الحسرة والغضب، أوضاع مأساوية يعيشها اللاجئون السوريون والعراقيون في فرنسا، لاسيّما بعد التصريحات الخطيرة والعنصرية التي وردت على لسان نواب ومسؤولين فرنسيين غالبيتهم محسوب على يمين الوسط واليمين المتطرف، أمام صمت الهيئات والجمعيات المسلمة التي من المفروض أن تقدم لهم يد المساعدة. رفض بلديات وعلى الرغم من الخطاب الرسمي لتشجيع استقبال اللاجئين والترحيب بهم على الأراضي الفرنسية، إلّا أنّ الكثير من رؤساء البلديات رفضوا ذلك حيناً واشترطوا استقبال غير المسلمين فقط أحايين أخرى، متذرعين بثلاثة أسباب يضمنها لهم القانون الفرنسي كما يقول زكري: يحق لرئيس البلدية رفض استقبال اللاجئين المسلمين إما لأسباب عنصرية بحتة ـ حيث يمكن لهم أن يقولوا لا نريد لاجئين مسلمين لأنهم يمثلون خطراً بالنسبة لنا إذ يمكن أن يتحولوا لمتطرّفين وإرهابيين في المستقبل، ثانيا يمكنهم الرفض كذلك لأسباب اقتصادية بسبب ميزانيتهم المتدنية التي لا تسمح لهم بمساعدة اللاجئين مع نقص مساعدات الدولة في الفترة الراهنة، وثالثا لأنهم لا يملكون أماكن إيواء ومساكن شاغرة خاصة مع مشكلة المساكن الاجتماعية ذات الإيجار الرخيص التي تعاني منها فرنسا. لا تحرّك ويندّد زكري بعدم تحرّك المؤسسات والهيئات الممثلة للمسلمين بفرنسا للرد على هذه الحملة التي تستهدف اللاجئين لاسيّما المسلمين، حيث يقول: المسلمون بفرنسا لم يتحركوا أبدا لمساعدة اللاجئين منذ انفجار الأزمة، فالمؤسسات الرسمية كالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ومسجد باريس واتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا منشغلة بحسابات سياسية سلطوية، والمساجد تحولت إلى أسواق للتجارة والمساومة، لا علاقة للدين والإسلام بما تقوم به، اللاجئون آخر همها. ويمضي زكرى في حديثه: للولايات المتحدة ولأوروبا وبالخصوص فرنسا، مسؤولية كبيرة فيما يحدث اليوم مع اللاجئين، فهما ساهمتا في صناعة الإرهاب والجماعات المتطرّفة، الولايات المتحدة بحربها في العراق وفرنسا بتدخلها في ليبيا بفضل سياسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، لذلك عليهما تحمل مسؤوليتهما أمام الرأي العام العالمي. كشف حقيقة بدورها، تقول سمر دياب العضو المؤسّس في جمعية سوريا حرية في فرنسا، إنّ أزمة اللاجئين كشفت للرأي العام الأوروبي حقيقة ما يحدث في دول الشرق الأوسط لاسيّما سوريا، فالأوروبيون كانوا على الدوام بعيدين عن الكارثة الإنسانية التي تحدث ويعتبرونها لا تعنيهم، وهذا أيقظ فيهم ذلك الحس الإنساني والتضامن سواء على مستوى المجتمع المدني أو حتى السياسيين، رغم أن الكثير منهم يرفض لحد الآن فكرة مساعدة اللاجئين بحجة أن أوروبا لا يمكنها مساعدة مأساة الآخرين. وتبرز دياب السورية المقيمة بفرنسا منذ سنوات مخاوف من حدوث عملية تهجير متعمدة من قبل النظام السوري للطبقة المثقفة، مشيرة إلى أنّ غالبية اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى أوروبا اليوم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة والغنية التي تشكل النخبة من أطباء ومختصين ومهندسين، ولديهم الإمكانات المادية لدفع تكاليف السفر التي قد تصل إلى 15 ألف يورو للوصول إلى أوروبا، الأمر الذي ينمي مخاوف كبيرة من إفراغ سوريا من طبقتها المثقفة، مبيّنة أنّ السلطات السورية تعطيهم تسهيلات للخروج من البلاد، حتى أن بعض اللاجئين السوريين صاروا يأتون من مناطق آمنة هي تحت سيطرة النظام. نصيب أوروبا وتعتبر سمر دياب أن الكل يتقاسم المسؤولية فيما يحدث مع اللاجئين السوريين، مردفة: لا شك أن النظام السوري هو المسؤول ، معه كذلك داعش وبعض دول الجوار مثل إيران، ولكن لأوروبا نصيبها الكبير، فالأوروبيون بقوا مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث، وكل الذي استطاعوا فعله هو مؤتمرا جنيف 1 وجنيف 2 من دون أن يتمكنوا حتى من تطبيق توصياتهما، كما أنهم لم يحاولوا أبدا إيجاد حل سياسي، وعجزوا على إجبار النظام على الجلوس على طاولة المفاوضات، فمرة أخرى برهنت السياسة الأوروبية عن فشلها في حل الأزمات الدولية كما فعلوا قبلها مع الملف الأوكراني.
مشاركة :