المسرح المدرسي.. اللبنة الأولى لبناء مخيلة الأطفال

  • 10/5/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

محمود أبو العباس تؤكد مصادر المسرح في الكثير من التجارب العالمية بأن المسرح المدرسي هو اللبنة الأولى في تدعيم وتحصين المسرح ونقطة الشروع في تأسيسه، بل مجرد دراسة مراجع تأسيس المسرح في البلدان المتقدمة أو حتى الفقيرة منها والتي تنطلق في البداية من هذه المؤسسة المعرفية جعلت المسرح واحداً من أهم المقومات التي تثري وتخصب فكرة العمل الجماعي وتقوي بناء الإنسان وجعله يتمتع بحرية الفكر والرأي حتى إنه يمتلك التعبير المقنع في نقل فكرة المسرح من التلقينية إلى الإبداع الحر. وبنظرة سريعة لتجارب دول العالم، ومنها الوطن العربي تحديداً، نجد أن هذا الفن الذي يحاكي مجريات الحياة ويجسدها، يضيف قدرات ومهارات إلى الطالب الذي نعترف به جميعاً بأنه قائد المستقبل بل وهو نقطة الإشعاع المؤثرة في الوسطين العائلي والمجتمعي، لذا أولت الكثير من المؤسسات التعليمية في تجربة التعليم المتقدم مجالاً واسعاً للمسرح بل وللفنون الأخرى كالموسيقى والفنون التشكيلية ومهارات الكتابة في الشعر والخطابة وكل هذه الفعاليات تخلق توازناً فكرياً للطالب بل تعيد فيه فكرة الاعتماد على النفس وتجدد فكرة مسؤوليته في توجيه مجتمعه لذا لابد من النظر بعين الاعتبار إلى أن المسرح المدرسي ليس ترفاً أو مضيعة لوقت الطالب كما يروج له البعض من قصيري النظر بل هو الذي فتح الباب مشرعاً لتقديم المشروع المسرحي في الدول المؤسسة حضارياً بل وهو الذي تخرج منه قادة التنوير في المسرح، فالفرق المسرحية التي تقدم عروضها باستمرار جل أعضاءها ممن كانت بدايتهم مع المسرح المدرسي، فالمدرسة بقوانينها التي ترسخ انضباطاً عالياً للطالب حين تقوم بفعالية المسرح إنما هي تجدد فكرة الانضباط في نفسية الطالب وتأخذه إلى عوالم من الخيال الطموح عندما يعتلي خشبة المسرح ويقف أمام مجموعة من زملائه وأساتذته أو حتى العائلة، هذا الامتياز يجعله يشعر بروح القيادة وتحمل المسؤولية في خلق النموذج الذي يقتدى به داخل محيطه. لقد هيأت المدرسة الظروف المناسبة لجعل هذا النشاط النوعي، المدرسة، والذي ينجزه مجموعة وليس فرداً كما في الفنون الأخرى، فصفة الجماعية في العمل هي التي أبقت المسرح مجالاً للتجريب والاختبار والفكر والبناء المجتمعي النوعي في آن، ولأن المسرح يشكل قلقاً كبيراً في المجتمعات لما له من صفات التواصل الاجتماعي وتغذيته بأفكار حية تجسد أمامه وتتبنى نماذج إنسانية تعيد صياغة فعل الحياة فإنه تنوع وتعدد في وسائله بل واستثمر كل الفنون والآداب في التحويل من الفردي للحياتي الجماعي، ومجمل القول يمكن أن نكون قد مهدنا ليس لأهمية المسرح المدرسي الذي لا تفارقه الأهداف في أية خطة متقدمة لنيل وإقناع المسؤولين في المؤسسات التعليمية بل نريد أن ننقذ فكرة التعبير عند الطالب ونعضد فكرة إقامة المسرح المدرسي وفق أساسيات مرسخة ومقنعة لا ترتبط بالكثير من التبريرات التي توجز هدف المسرح في المدارس على أنه نوع من قضاء الوقت أو التأثير في مستوى الطالب الدراسي في وقت دراسته، فالمسرح يؤخذ مساقاً دراسياً في الكثير من الكليات العلمية المتخصصة كالطب والصيدلة والعلوم والهندسة ولا يؤخذ النشاط للهو والتسلية بل يعتبر واحداً من مقومات تنشيط المخيلة وتدعيم العقل في فهم أواصر العلاقات مع الحياة والعالم، ولا فرق بين الجامعات والمدارس من ناحية صرف الوقت لذا لابد من الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا النشاط الذي يعاني في وزارات التربية ليس في الوطن العربي وحسب بل وفي الكثير من الدول المتقدمة أيضاً حيث يعتبرونه نشاطاً هامشياً في الوقت الذي نجد أن هناك مناهج معدة للموسيقى والفنون التشكيلية ويدرس الطالب مثل أي منهج آخر عدا المسرح الذي يشكل هاجساً للإدارات التي تحاول تقديم صورة ضئيلة للمسرح حين يقومون بفتح أفق للطالب للعمل في مسرحية لمدة يومين وتقديمها هزيلة وفي مناسبة احتفالية، في مثل هذه المسرحيات لا يستطيع الطالب أن نوفر له فرصة الإيمان برسالة المسرح حيث الاستسهال الذي يمنح للطالب تبريراً من أن المسرح لعب أو ضحك على الذقون حين تقوم المدرسة بتشجيع الطلاب على مسرحيات مرتجلة لا تستند إلى مرجعية نصية بل إلى ما يمنحه الواقع في المدرسة من مسرحيات تقليد لشخصيات ربما تصل للتطاول على أهمية المعلم داخل المدرسة فقط في سبيل الإضحاك، أو يلجأ البعض لتقديم مسرحيات وعظية تضيق من خناق فكرة المتعة والتفكير اللتين تشكلان الدافع الأول في تقديم العرض المسرحي المدرسي. لذا نجد المدرسة أمام هذه البساطة في التعاطي مع المسرح لا تجد ضرورة للتخصص ما دام الأمر معقوداً بفطرة وتلقائية الطالب الذي يمتلك موهبة التقليد أو المعلم غير المتخصص بالمسرح والذي يؤدي واجباً كلفته المدرسة به ولا يهمه سوى رضا مسؤوله. في الجانب الآخر والأكثر تأثيراً في هذا التراجع في فهم المسرح المدرسي تلك المشكلة المتعلقة بالفراغ الذي شكله تسرب خريجي معاهد وكليات الفنون المسرحية الذين لا يجدون لهم موقعاً في المدارس لذا يسعون إلى تحويل اختصاصاتهم، فكم من خريج مسرح يدرس مادة ليس من اختصاصه وعلى وجه الدقة يدرسون التربية الفنية، أو يبحثون عن تخصص آخر يكفل لهم العيش خارج نطاق المدرسة، في الوقت الذي لابد من الحرص على هذه الكفاءات والتي تكون نادرة في أحيان كثيرة، إن وجود هذا التخصص في المدرسة يشكل منهجاً سليماً لإقامة دعائم المسرح الذي ارتبط بحضارات البلدان وأن نستفيد من طاقاتهم في تفعيل فكرة التعبير الخلاق عند الطالب فهناك تجارب حديثة في العالم تقوم على القياس النوعي لسوية الإنسان من خلال المسرح أو استخدامه كعلاج كما في السايكودراما. إن عدم الاهتمام بكفاءات المسرحيين من الخريجين يترك خللاً في المنظومة المعرفية لأهداف المدرسة إذا ما نظرنا إلى ما أفرزته تجربة المسرح العالمي في المدرسة فلا يقف المسرح هنا عند حدود التجربة التقليدية بل النوعية في تقريب وجهات النظر بين الطالب وما يدور حوله من تفاصيل في العالم، ولذا فإن اختيار النصوص المسرحية المناسبة لهندسة الفكر الطلابي أمر في غاية الأهمية والخطورة أيضاً، فمبدأ التأثر الذي تقوده أحداث المسرحية ربما تنتج لنا فرداً سلبياً كما أفرزته تجربة الألعاب الإلكترونية التي تنشر العنف بين الطلبة بل وترسخ وسائل التواصل خارج المراقبة عادات وتقاليد بل أمراضاً نفسية وصحية للطلبة حين لا يتم التحكم بما يقدم لهم، فليس الاستهلاك في الأفكار سوى سخرية من عقل المتلقي الطالب، ولابد للمسرح المدرسي من أن يقوم بهذا الدور التنويري في العمل، على أن تكون النصوص متعلقة فقط في المنهج الدراسي أو كما يسمونه درامياً مسرحة المنهج بل إن تتنوع مصادره في استفزاز عقل ومخيلة الطالب. لا نختلف على تسمية مناهج التلقي المسرحي بقدر ما نعطي المسرح وقتاً كافياً للتأثير وحصد المخرجات الإيجابية في فهم المسرح، لأن طاقة المسرح لا تفعل إلا من خلال نقل وجهات النظر من الثبات إلى الحركة، وهذا لا يتوفر إلا من خلال النص المسرحي الذي يكتب من أجل أن يكون مادة للإبداع بين يدي الطلبة فإن المسرحية كنص هي بوابة الفكر في اكتشاف القدرات الكامنة واستنطاقها، لذا فخطورة الواقع الذي نعيشه والذي يشهد تغيراً كبيراً في العلاقات الإنسانية بحاجة لوقفة في فهم أن المسرح مساهمة فعالة في الرقي بالوعي وهو من النشاطات الأكثر تأثيراً في تجاوز الفكر المظلم والمتطرف لأن الهاجس الإنساني هو الفكرة الأساس في عمل المسرح المدرسي. وذلك لا يمكنه أن يكون مؤثراً إلا بواسطة التعريف بالمسرح للإدارات المتخصصة في محاولة لفصل هذا النشاط عن النشاطات الأخرى وإعطائه الخصوصية المناسبة. يظل المسرح مفهوماً مبهماً في المدارس إذا لم تتولد القناعة عند المخططين لمناهج وزارات التربية بأهميته، وألا يكون المسرح فقط مناسباتياً بل يعد منهاجاً لمشاهدة العروض المسرحية المفحوصة فكرياً وجمالياً ليرتاد الطفل المسرح مرتين في السنة وضمن الفصلين الدراسيين، كما تدرج عليه مؤسسات التعليم في الدول المتقدمة التي تنظر للمسرح على أنه ثقافة وليس لهواً ومضيعة للوقت، على الصعيدين الإقليمي والمحلي تعتبر الخطوة الحضارية في تبني استراتيجية المسرح المدرسي وتعميم فكره في مدارس الوطن العربي فيما تقوم به الهيئة العربية للمسرح وبتوجيه ودعم مباشر من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة من جهود لمسنا حصادها في اللقاءات المتكررة مع وزارات التربية وتوقيع اتفاقيات تكفل نجاعة هذا المشروع من خلال العمل مع مصدر القرار في الوزارات، وأن تتحول تجارب ونشاطات ومهرجانات المسرح المدرسي ساحة للتعبير الحر ومقاماً محفوظاً للوعي بأهمية المسرح ومدارسنا التي هي حصون العلم والمعرفة والثقافة.

مشاركة :