تحاول الدول الصناعية الكبرى عبر رسم ملامح نظام ضريبي جديد، منع عمالقة الشركات العالمية، من التهرب الضريبي، وبينما تعهد وزراء مجموعة السبع أمس بتفعيل حد أدنى للضرائب على الشركات، يطرح البعض تساؤلات حول إمكانية نجاح ذلك في الحد من التهرب الضريبي؟ في عام 2017، كلفت مجموعة العشرين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بمكافحة "تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح"، أي مكافحة الاستراتيجيات التي تسمح للشركات الكبيرة بالتهرب من الضرائب. واستؤنفت المفاوضات بعد اقتراح من جانب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحديد ضريبة دنيا قدرها 15 في المائة، وقبل ذلك بسبب تداعيات الأزمة الوبائية، إذ تسعى الدول إلى الحصول على إيرادات جديدة بعدما اعتمدت خطط إنعاش اقتصادي هائلة. ويذكر السيناريو بأزمة 2008 التي دفعت مجموعة العشرين إلى إعلان نهاية السرية المصرفية، ووضعت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي آنذاك نظاما تلقائيا لتبادل البيانات، مرغمة أصحاب الثروات الكبيرة ومصارفهم، على إخضاع حساباتهم في سويسرا وغيرها للرقابة الضريبية. ويأتي ذلك بعد منع الشركات من التخفي خلف "مؤسستها الضريبية" المقامة في دولة أو أخرى. ويشمل الإصلاح ركيزتين، تهدف الأولى إلى ضمان توزيع عادل بين الدول لـ"الرسوم الضريبية"، علما بأن مجموعة مثل "بريتش بتروليوم" النفطية موجودة في نحو 85 دولة، وسيتعين على الدول الاتفاق حول مستوى "الفائض الربحي" ليتم توزيعه تبعا للارباح المحققة في كل دولة. وتتطلع الركيزة الثانية إلى إرساء ضريبة عالمية دنيا لضمان عدم تهرب شركة متعددة الجنسية من الضرائب أينما كان مقرها. وكانت الولايات المتحدة قد وضعت سقفا مرتفعا نسبيا "21 في المائة"، قبل اقتراحها نسبة تحظى بتوافق أكبر، هي "15 في المائة على الأقل". إلا أن جابريال زوكمان وتوماس بيكيتي الاقتصاديين عدا النسبة "ضئيلة للغاية" لأن المعدل الوسطي للضرائب على الشركات في العالم يبلغ 22 في المائة، بعدما وصل إلى 50 في المائة عام 1985. وتلفت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أن الدول والمناطق التي تقل فيها النسب عن 15 في المائة هي الملاذات الضريبية، حيث النسبة 0 في المائة، على غرار جزيرة جيرسي وجيرنسي وجزر الباهاماس وبرمودا وجزر كايمان، وأيضا الإمارات والبحرين. أما في أوروبا، ففي إيرلندا "12.5 في المائة" والمجر "9 في المائة" وبلغاريا "10 في المائة". وقد تكون النسبة المعلنة في بعض الدول مرتفعة كما هي الحال في لوكسمبورج "25 في المائة" ومالطا "35 في المائة"، لكنها مصحوبة بعدد من الاستثناءات التي تقلل الفاتورة الضريبية النهائية. ولا تعني هذه الضريبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، إنما حصرا المجموعات الكبيرة التي لها فروع وشركات في أرجاء العالم وتمتاز بمداخيل وموارد ضخمة. والمقصود عمليا هي الشركات التي ترسي قنوات معقدة لخفض التكلفة الضريبية عليها. في البداية، استهدفت الركيزة الأولى من الإصلاح الشركات الرقمية، بما في ذلك المجموعات الأمريكية جوجل وأمازون وفيسبوك وأبل "جافا"، الأمر الذي كان يثير استياء الولايات المتحدة. ويوضح باسكال سانت-امانس مدير مركز السياسة وإدارة الضرائب في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن الاقتراح الأمريكي الجديد يقضي بالتعامل مع "الرابحين من العولمة، أي أكثر من مائة شركة ربحية في العالم، تحقق وحدها نصف أرباح العالم". وسيكون من بينها مجموعات "جافا" التي زادت أرباحها بشكل أكبر خصوصا في ظل تفشي وباء كوفيد - 19. فيما يتعلق بالركيزة الثانية للإصلاح، الحد الأدنى للضريبة العالمية، ستتأثر بها أقل من عشرة آلاف شركة كبيرة، وفق منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وتقدر منظمة التعاون المكاسب بمبلغ 81 مليار دولار سنويا، بناء على معدل 12.5 في المائة، للركيزة الثانية. ويلفت مرصد الضرائب الأوروبي إلى أن بمقدور الاتحاد الأوروبي زيادة إيراداته من ضرائب الشركات بمقدار النصف في حال اعتماده نسبة 25 في المائة. وبالنسبة إلى الشركات، التقدير ممكن فقط لتلك التي توافق على نشر أرباحها في كل من الدول العاملة فيها، وتلك ليست حال المجموعات الأمريكية "جافا". ويشير مرصد الضرائب الأوروبي إلى أنه في حال تطبيق معدل 25 في المائة، سيتعين على البنوك الأوروبية دفع ضرائب إضافية بنسبة 44 في المائة، وشركات مثل "شيل" و"ايبردرولا" و"اليانز" بين 35 و50 في المائة. ومن المتوقع أن يسهم الاتفاق الذي تم التوصل إليه الثلاثاء في بروكسل بشأن توجيه جديد يلزم الشركات بالإبلاغ عن أرباحها في "كل دولة على حدة"، في تعزيز الشفافية الضريبية وتسهيل تنفيذ الإصلاح الحالي.
مشاركة :