صادف أول أكتوبر الحالي الذكرى السنوية ال66 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. فيطيب لي بهذه المناسبة أن أتقدم باسم جميع أعضاء السفارة وباسمي شخصيا، بأصدق التحيات وأطيب التمنيات للمواطنين الصينيين الذين يعملون ويدرسون ويعيشون في السعودية، وأتقدم بخالص الشكر لقادة السعودية وشعبها الذين يقدمون على المدى الطويل الرعاية والدعم للصين وتطوير العلاقة الصينية السعودية. على مدى ال66 سنة المنصرمة، تضافر الشعب الصيني بجهوده الدؤوبة على بناء البلاد تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وحققت إنجازات هائلة. وخاصة منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في عام1978م، شهد الاقتصاد الصيني تطورا سريعا، وبلغ حجم ناتجها المحلي 10.3 تريليونات دولار أميركي في عام 2014م، مما جعل الصين الدولة الثانية التي تجاوز حجم ناتجها المحلي 10 تريليونات دولار أميركي في تاريخ العالم؛ كما تجاوز حجم التجارة 4 تريليونات دولار أميركي، فتبقى الصين في المركز الأول في تجارة السلع في العالم. إن ثمار التنمية في الصين تفيد شعبها على نطاق واسع، حيث انخفض عدد الفقراء في الصين بحوالي 660 مليون نسمة منذ عام 1978م، وهذا يمثل 90% من إجمالي عدد الانخفاض للفقراء في العالم؛ كما زاد عدد الموظفين الجدد بأكثر من 370 مليون شخص، وهذا يعني حل مشكلة العمل ل 10 ملايين شخص سنويا. وفي النصف الأول لعام 2015م، على الرغم من تراجع سرعة النمو الاقتصادي العالمي، حافظت الصين على سرعة النمو الاقتصادي المتميزة ب7%، وجذبت الاستثمارات الأجنبية بزيادة 9.2% في ال8 أشهر الأولى لعام 2015م، وساهمت أكثر من 30% في النمو الاقتصادي العالمي، مما يدل على أن الصين ما زالت من أكثر الاقتصادات جاذبية وحيوية. الاحترام المتبادل إحدى الركائز المهمة لتطور العلاقات بين الصين والمملكة إن إنجازات الصين في التنمية جاذبة لانتباه العالم بأسره، لكننا ندرك بيقظة أن الصين لا تزال دولة نامية، حيث إن معدل النصيب الفردي من الناتج المحلي الإجمالي الصيني يبقى يحتل المقام الثمانين في العالم تقريبا، والهيكل الاقتصادي ما زال في مستوى متوسط ومنخفض على وجه العموم، ولا تزال هنا كفجوة واسعة بين الصين والدول المتقدمة في القدرات العامة للعلوم والتكنولوجيا، ولا تزال المناطق الريفية والمناطق الوسطى والغربية متخلفة نسبيا. وفقا لمعايير البنك الدولي، هناك ما يقرب من 200 مليون فقير في الصين التي ما زالت دولة نامية. لذا، نحتاج إلى بذل الجهود الدؤوبة والشاقة لتحقيق هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل ودولة اشتراكية حديثة. إن هذا العام يصادف الذكرى السنوي ال 25 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة. وبعد مرور تطور العلاقات السريعة خلال ال 25 سنة الماضية، قد أصبح البلدان شريكين استراتيجيين، وأحرز التعاون الودي إنجازات مثمرة في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة. يعد الاحترام المتبادل إحدى الركائز المهمة لتطور العلاقات بين الصين والمملكة، فرغم الاختلاف بينهما في التاريخ والثقافة ونمط التنمية، إلا أن العلاقات تتميز دائما بالاحترام المتبادل ومبدأ المساواة في التعامل، إذ يحترم كلٌّ منهما الثقافة التقليدية والأنظمة الاجتماعية والمصالح الجوهرية للطرف الآخر. وبكونهما ممثلتين للحضارتين الصينية والإسلامية، فإنهما تدعوان للاحترام المتبادل والتعايش بين الحضارات المختلفة، وتعملان على دفع التبادل والحوار بينهما، حتى أصبحتا نموذجا يحتذى به في التسامح والتعايش، الأمر الذي يضمن تقدم العلاقات الثنائية في الاتجاه الصحيح دائما. وتعد المفاهيم المشتركة أساسا متينا لتطور العلاقات الصينية – السعودية، وكما يقول المثل العربي «اختر الرفيق قبل الطريق»، ويؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود دائما على التزام لمبدأ احترام السيادة، سعيا إلى حماية السلام والاستقرار في المنطقة، ومعارضة الإرهاب بشتى أشكاله، وهذا هو ما تدعو إليه الصين وتلتزم به: إن الصين تؤيد بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتلعب دورا إيجابيا في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وتؤيد أن تكون المنطقة خالية من السلاح النووي، وتدفع بنشاط التسوية السياسية للقضايا الساخنة في المنطقة. وفي المستقبل، فإن الصين والمملكة ستعملان على مزيد من التواصل والتنسيق بما يساعد على استقرار المنطقة وتنميتها. التعاون القائم على المنفعة المتبادلة بين البلدين دافع قوي لتطور علاقاتهما. المملكة أكبر مصدر نفطي عالمي، وأكبر شريك تجاري للصين على مستوى غربي آسيا وإفريقيا لسنوات طويلة. والبلدان يمران اليوم بمرحلة تاريخية مهمة للتنمية، فالصين من جهتها تسعى إلى التكيّف مع الأوضاع الجديدة للتنمية الاقتصادية وقيادتها، والعمل على الإسراع في تغيير نمط التنمية الاقتصادية، وتأسيس هيكل اقتصادي منفتح جديد. وتعمل المملكة من جهتها على تنويع الاقتصاد ودفع مشروعات البنية التحتية وزيادة معدلات التوظيف. وبسبب ذلك شهد التعاون بين البلدين توسعا وارتفاعا مستمرا في بناء البنية التحتية والاستثمارات والمجالات الجديدة، مثل الطاقة المتجددة والفضاء والعلوم والمالية، كما شهد التعاون في القدرات الإنتاجية إمكانيات ضخمة. إن طريق الحرير ربط الصين مع السعودية قبل ألفي سنة، حيث قاد المسلم الصيني الملاح تشنغخه أسطولا لزيارة السعودية في أسرة مينغ. وفي يومنا هذا، يقبل تطور العلاقات الصينية السعودية فرصة تاريخية جديدة وأمام التعاون بين البلدين في كل المجالات آفاق مشرقة. مع تطور الاقتصاد الصيني وتعمق الانفتاح على الخارج، إن الصين ستواصل توفيرا لدول العالم بما فيها السعودية مزيدا من الفرص في السوق والاستثمار والنمو والتعاون. من المتوقع أن الصين ستستورد السلع بقيمة أكثر من 10 تريليونات دولار أميركي وتستثمر أكثر من 500 مليار دولار أميركي في الخارج في السنوات الخمس المقبلة، ذلك سيتيح للتعاون بين الصين والسعودية إمكانيات ضخمة جدا. ومن أجل تحقيق السلام والتعاون والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، تعمل الصين حاليا على دفع التشارك في بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين»، وبناء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الجانب الصيني على استعداد للعمل يدا بيد مع الدول العربية في بناء إطار تعاون « 1+2+3» على أساس «الحزام والطريق» الذي يتخذ الطاقة كركيزة أساسية، والتجارة وتيسير الاستثمار كجناحين، والطاقة النووية والفضاء ومصادر الطاقة المتجددة كمحطات انطلاق مهمة. إن المملكة العربية السعودية كرائد التنمية الإقليمية، تحتل نقطة التقاء مهمة في «الحزام والطريق»وتعد من أهم الشركاء لبنائه، وقد حقق التعاون في هذا الصدد تقدما إيجابيا، حيث انضمت المملكة كالعضو المؤسس للبنك الآسيوي للاستثمار. ولدينا ثقة بأن التعاون بين البلدين تتمتع بمستقبل واعد، ونستعد للتمسك مع الجانب السعودي بروح الاحترام المتبادل والمفاهيم المشتركة لتعميق التعاون لما فيه الخير للشعبين الصيني والسعودي، والعمل على دفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد أعلى. قبل عدة أيام، شارك أكثر من 20 مليون مسلم صيني إخوانهم المسلمين في العالم في الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وجاء 14 ألفا من المسلمين الصينيين إلى مكة المكرمة للحج مع المسلمين من الدول المختلفة. فيسعدني أن أنتهز هذه الفرصة لأعبر عن أطيب التهاني للمسلمين من أنحاء العالم الذين أدوا مناسك الحج، وأسجل شكري الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والمملكة حكومة وشعباً على توفير الضمانات والتسهيلات للحجاج من مختلف الدول، وأتقدم لقيادة المملكة وشعبها والمسلمين في العالم بأطيب التحيات والتمنيات بهذه المناسبة السعيدة!
مشاركة :