الحزام الاقتصادي لطريق الحرير

  • 10/5/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارته لكل من كازاخستان في سبتمبر 2013م وإندونيسيا في أكتوبر 2013م مبادرة التشارك في بناء "الحزام والطريق" ("الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري في القرن ال21")، التي تعد خطوة مهمة تتخذها الصين من أجل تعميق الإصلاح والانفتاح وخاصة تعزيز الانفتاح نحو غرب الصين. إن "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" الذي يغطي مناطق الصين وغرب آسيا وأوروبا، و"طريق الحرير البحري في القرن ال21" الذي يمتد من الصين إلى منطقة الخليج مرورا بجنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي والبحر العربي، يشكلان حزاما اقتصاديا تعاونيا يحقق المنفعة والكسب للجميع ويتميز بطابع الانفتاح والتشارك. إن مبادرة بناء "الحزام والطريق" قوامها ومحورها تعاون اقتصادي يتخذ التواصل الإنساني والثقافي دعامة مهمة له، تلتزم هذه المبادرة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولا تسعى وراء انتزاع الدور القيادي في الشؤون الإقليمية أو رسم نطاق النفوذ في المنطقة. إن "الحزام والطريق" ليس كيانا أو آلية منفردة، بل هو فكرة ومبادرة للتعاون والتنمية تعتمد بشكل أساسي على الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة بين الصين والدول ذات الصلة وتستند إلى أطر التعاون الإقليمية القائمة والفعالة. فإن المضمون الرئيس لبناء "الحزام والطريق" يتمثل في خمس نقاط وهي تناسق السياسات وترابط الطرقات وتواصل التجارة وتداول العملات وتفاهم العقليات، وسيعود بفوائد ملموسة على شعوب الدول ذات الصلة: العرب في نقطة التلاقي إن العالم العربي يقع في نقطة التلاقي بين "الحزام" و"الطريق" في طرفهما الغربي، ويعد شريكا طبيعيا ومهما للصين في بناء "الحزام والطريق"، إذ إن التعاون الصيني - العربي في هذا المجال سيساهم في تحقيق الالتحام المطلوب بين الجانبين من حيث الموارد والمزايا المالية وإمكانات السوق، وكذا تعزيز التدفق الحر والمنتظم والتوزيع الأمثل لعناصر الموارد بين الصين والدول العربية. كما أن التشارك في بناء "الحزام والطريق" سيحقق الاندماج الاقتصادي على مستوى أعلى بين العالم العربي وشرق آسيا وجنوب شرقي آسيا. يسرنا أنه خلال السنة الماضية تقدَّم البناء المشترك ل"الحزام والطريق" بشكل متواصل، حيث وقَّعت الصين والدول الممتدة على طوله سلسلة من الاتفاقيات الإطارية، التي بموجبها بدأ إنشاء عدد من المشروعات المهمة، مثل: بناء جسور وسكة حديد وطرق عامة ومناطق صناعية وممرات معلوماتية عابرة للحدود، وفتح دفعة من الخطوط الجوية الدولية ومنافذ المطارات للترانزيت لمدة 72 ساعة دون تأشيرة. وتدور حاليًا مفاوضات الشراكة الشاملة الإقليمية ومفاوضات رفع المستوى لمنطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان، وبدأت أعمال إنشاء منصتي الاستثمار والتمويل للبنية الأساسية وصندوق طريق الحرير. وعلى صعيد التعاون بين الصين والسعودية وغيرها من الدول العربية، فقد شهد هذا التعاون مؤخرًا تقدمًا إيجابيًا، حيث طرحت الدورة السادسة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني - العربي إطار تعاون "1+2+3"؛ أي اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كقاعدة أساسية، واتخاذ مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين، والارتقاء بمستوى التعاون العملي الصيني العربي في ثلاثة مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة كنقاط اختراق، تشمل: الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية والطاقات المتجددة. وفي هذا الإطار يستمر التعاون العملي الصيني - السعودي في مجالات البنية التحتية والطاقة والعلوم والتقنية والثقافة... إلخ، كما انضمت السعودية برفقة مصر والإمارات وقطر والكويت وعمان والأردن، مؤخرًا، إلى البنك الاستثماري الآسيوي للبنية الأساسية بصفة العضو المؤسس، وتمت كتابة دعم البناء المشترك "الحزام والطريق" في البيانات المشتركة الثنائية بين الصين وكل من السعودية ومصر وقطر، ووقعت الصين مع كل من قطر والكويت اتفاقية التعاون ذات الصلة، وتستمر مفاوضات التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفي السنوات العشر المقبلة ستعمل الصين والدول العربية على زيادة حجم التبادل التجاري إلى 600 مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار، كما سيتم من الجانب الصيني تنظيم زيارات متبادلة بين 10 آلاف فنان صيني وعربي للتواصل، وتشجيع ودعم التعاون التخصصي بين 200 مؤسسة ثقافية صينية وعربية، وتوجيه الدعوة وتقديم الدعم ل500 موهبة ثقافية وفنية عربية لزيارة الصين للمشاركة في الندوات الدراسية. وخلال الثلاث سنوات المقبلة سيقوم الجانب الصيني بتدريب 6 آلاف موهبة عربية في مختلف التخصصات. إن الصين على استعداد لتعزيز الدمج بين الاستراتيجيات التنموية لها وللدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، والتمسك بمبادئ التشاور والبناء والتمتع المشترك، لكي يغتنم الطرفان الفرصة الظاهرة في إضافة حيوية عصرية جديدة. التعاون في القدرات الإنتاجية التعاون في القدرات الإنتاجية هو مجال نمو جديد ومهم في التعاون الاقتصادي الثنائي بين الصين والمملكة. إن التعاون الصيني - السعودي في القدرات الإنتاجية، بمجمل القول، هو التعاون في الصناعة والاستثمار بين الصين من جهة باعتبارها من القوى الصناعية الكبرى في العالم، والسعودية من جهة أخرى باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم العربي، وذلك لالتقاء استراتيجية التنمية وخطة بناء الصناعات وتحقيق تكامل المزايا والتنمية المشتركة بين الطرفين. إن التعاون في القدرات الإنتاجية يعني تعددية التنمية، وفي السنوات الأخيرة بذلت المملكة العربية السعودية جهودا نشيطة في تطوير اقتصاد الصناعات غير النفطية، وبنت المناطق الصناعية والمدن الاقتصادية في الجبيل وينبع وجازان وغيرها، وقد شاركت الشركات الصينية في بناء الصناعات السعودية، مثل الإسمنت ومواد البناء والتعدين والبنية التحتية والمنتجات البلاستيكية... إلخ، الأمر الذي دفع إلى تعددية الاقتصاد ورفع القدرات الإنتاجية ذات الصلة. والصين تتمتع حاليا بالقوة الشاملة والقدرة التنافسية الدولية في بعض المجالات، مثل: السكك الحديدية والكهرباء والاتصالات والطاقة النووية والفضاء، أما السعودية فهي تستمر في تعزيز بناء الصناعات المحلية، وتهتم بالمجالات التكنولوجية، وكل ذلك يؤدي إلى التكامل الممتاز بين المزايا الصناعية للصين، ومزايا الموارد والجغرافيا واحتياجات التنمية للسعودية. ومرة أخرى، فإن التعاون في القدرات الإنتاجية يعني الاستفادة الكاملة من الموارد الطبيعية، فالسعودية تتمتع بموارد طبيعية غنية، مثل النفط والغاز الطبيعي، وهذان الجزءان يتم تطويرهما بشكل جيد، كما لها احتياطيات مميزة من المعادن، مثل الذهب والزنك والنحاس والفوسفات، وهذا التعاون يسعى إلى حُسن استغلال القائم، واستكشاف الجديد، فعلى سبيل المثال نجحت الصين والسعودية في التعاون بمشروع المصفاة المتكاملة، ما مدد سلسلة صناعة النفط ورفع قدرة المعالجة للموارد. ومثال آخر: السعودية تتمتع بكثافة أشعة الشمس العالية وأراض مترامية الأطراف، وبلغت كمية تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية فيها 124560 تريليون واط، وهي من أغنى دول العالم من حيث الطاقة الشمسية، أما الصين فتملك أكبر صناعة للطاقة الشمسية في العالم، ولديها التكنولوجيا والتجارب والسلسلة الصناعية الكاملة، والشركات الصينية والسعودية تبحث الآن التعاون في الطاقة الشمسية لبناء قدرتها الإنتاجية المتقدمة في السعودية. إن التعاون في القدرات الإنتاجية يعني توسيع الاستثمارات، وهو يعود بالفوائد الشاملة والطويلة المدى لتنمية الصناعات، فيستحق زيادة الاستثمار فيه، وعلى سبيل المثال إن مصفاة ينبع التي تشارك في تمويلها شركة سينوبك الصينية تحقق القدرة الإنتاجية ب400 ألف برميل كل يوم، وتعد أكبر مشروع للاستثمار البتروكيماوي الصيني في غرب آسيا وأفريقيا، حيث استثمر فيه الجانب الصيني 3.75 مليارات دولار. وفي السنوات الأخيرة ازدادت الاستثمارات الصينية في الخارج بسرعة، حيث بلغ حجم الاستثمارات المباشرة في الخارج عام 2014م 102.89 مليار دولار، الذي تجاوز الاستثمارات الأجنبية تجاه الصين لأول مرة. وحاليا تركز الصين على دعم التعاون الاستثماري في الخارج عبر الطرق المختلفة المتمثلة في الأموال الخاصة لتنمية التجارة الخارجية والقروض التفضيلية وضمان ائتمانات التصدير على المديين المتوسط والطويل وغيره، كما أن بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية الذي تشارك الصين والسعودية فيه، سيعطي الاستثمارات في المنطقة قوة دافعة. ويعطي التعاون في القدرات الإنتاجية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة القوة على تنمية نفسها، وكما هو معلوم فإن صناعات الصين تتمتع بميزة التكلفة، فبالنسبة إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعد كثير من خطوط الإنتاج والتكنولوجيا أكثر منافسة من حيث الأسعار مقارنة بخطوط أخرى، كما أنه يتفق مع طلبات الأسواق، فمثلا في الدمام هناك مصنع الأنبوب الفولاذي الذي تشاركت فيه المؤسسات الخاصة الصينية - السعودية، وتم استيراد خطوط الإنتاج الكاملة من الصين، ويصنع بها الأنابيب لشركة أرامكو السعودية. وأنا شخصيا قمت بزيارة إلى أحد مصانع مواد البناء في ينبع الذي يستخدم التجهيزات والتقنية الصينية ويصنع مواد بنائية عالية الجودة تحظى بإقبال حار في أسواق السعودية وأوروبا وأميركا. وإلى جانب ذلك، قال لي كثير من الأصدقاء السعوديين إنهم الآن يفكرون في استيراد خطوط الإنتاج الخاصة بمواد البناء العالية الجودة ومواد الديكور وإطارات السيارة من الصين، ما يعطينا أملا في نمو وازدهار هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. والتعاون في القدرات الإنتاجية يعني أيضا زيادة فرص العمل وتطوير قدرات اليد العاملة، ونظرا لأن عدد الشبان السعوديين تحت سن 25 عاما يحتل أكثر من 51 في المئة من إجمالي عدد سكان السعودية، فإنه إذا تم تطوير إمكاناتهم بشكل كامل سيكونون بمنزلة موارد أكثر حيوية وإبداعا، ما سيوفر منصة لتأهيل الأكفاء والدفع بهم بقوة، فمثلا حققت مصفاة ينبع 80 في المائة من نسبة السعودة، ووفرت وظائف الإدارة والفن لأكثر من ألف سعودي. كما أسست شركة هواوي الصينية في الرياض مركزا للتدريب، حيث جرى تدريب 8 آلاف نسمة لشركة الاتصالات السعودية وشركة أرامكو السعودية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن خطط الشركة مستقبلا تقديم تدريبات ل5 آلاف نسمة خلال العامين أو الثلاثة المقبلة. وفي النهاية فإن التعاون في القدرات الإنتاجية يعني رفع القدرة الشاملة للدول النامية، حيث من المستحيل لأي دولة نامية أن تعتمد على نفسها فقط للتنافس والحصول على الموقع الأعلى والأفضل في السلسلات العالمية للتوريد والصناعات والقيمة، بل يجب تعزيز التعاون بين الدول النامية لتحسين الهيكل الصناعي الداخلي وتحقيق الترابط والتطوير المتبادل لصناعاتها. وفي عصرنا هذا الذي يشهد فيه الهيكل السياسي والاقتصادي الدولي تغيرات عميقة، فإن الصين والسعودية بصفتهما من الدول النامية الكبرى في آسيا ومن مجموعة العشرين، لا بد أن تتحملا مسؤوليتهما لمواكبة تطورات العصر واستجابة لمتطلبات النهضة الوطنية، وعليهما التقدم يدا بيد على طريق التعاون في القدرات الإنتاجية.

مشاركة :