تقدم ائتلاف اليمين المنتهية ولايته المعارضة الاشتراكية في الانتخابات التشريعية التي جرت أمس في البرتغال، وقد يحتفظ بغالبيته المطلقة في البرلمان، وفق ما أظهرت استطلاعات لدى الخروج من مكاتب الاقتراع. وأفادت ثلاثة استطلاعات نشرت قنوات التلفزة نتائجها بأن الائتلاف الحكومي لرئيس الوزراء بيدرو باسوس كويلو الحاكم منذ 2011 حصل على ما بين 36,4 و43 في المائة من الأصوات مقابل ما بين 29,5 و35 في المائة للحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس السابق لبلدية لشبونة أنطونيو كوستا. وستكون نتيجة الانتخابات بمثابة حكم على أربع سنوات من التقشف، وتجري المنافسة فيها بين ائتلاف وسط اليمين المنتهية ولايته والذي يتصدر استطلاعات الرأي، والمعارضة الاشتراكية. وبدا قبل الاقتراع أن الناخبين على استعداد لتجديد الائتلاف الحكومي الذي أخرج البلاد من الهوة المالية لقاء سياسة تقشف قاسية، ولكن دون منحه أكثرية مطلقة جديدة. وحسب متوسط آخر استطلاعات الرأي فإن الائتلاف الحاكم منذ 2011 بزعامة رئيس الوزراء، بيدرو باسوس كويلو، حصل على 37.5 في المائة من نيات التصويت، في مقابل 32.5 في المائة للحزب الاشتراكي الذي يرأسه أنطونيو كوستا، رئيس بلدية لشبونة السابق. ودعي أكثر من 9.6 مليون ناخب إلى انتخاب 230 نائبا في البرلمان الذي كان الائتلاف الحكومي يمتلك فيه حتى الآن أكثرية مريحة من 132 مقعدا. وفاجأ تصاعد التأييد للتحالف بين الحزب الاجتماعي - الديمقراطي (وسط يمين) والحزب الشعبي (يمين) الاشتراكيين الذين يتصدرون استطلاعات الرأي منذ خريف 2012، وهو أمر لم يكن واردا قبل أشهر قليلة. وقال الخبير السياسي، أنطونيو كوستا بينتو، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «اليمين استعاد جزءا من أصوات ناخبي الوسط وتمكن من إيصال الرسالة التي تفيد بأن عودة الاشتراكيين إلى الحكم ستقود البلاد إلى الإفلاس، كما حصل في 2011». وكان بيدرو باسوس كويلو الذي يبلغ 51 عاما، الوسطي الليبرالي الذي انتخب في يونيو (حزيران) 2011، تسلم زمام الحكم في البلاد بينما كانت على شفير التعثر في سداد مستحقاتها. وكان سلفه الاشتراكي خوسيه سوكراتيس طلب مساعدة قيمتها 78 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وفي مايو (أيار) 2014، تحررت البلاد من وصاية «ترويكا» الدائنين، وهو الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، من دون أن تطلب تمديد القرض، وهو ما يشكل ورقة قوية يتسلح بها باسوس كويلو. وتلقت هذه الحجة استجابة قسم من الناخبين. وقال المصرفي بيدرو نونس، الذي يبلغ 35 عاما: «أخشى أن يعود الحزب الاشتراكي إلى الإنفاق كما حصل في السابق، وأن نعود مجددا إلى الوضع نفسه الذي كنا فيه قبل أربع سنوات، ونضطر إلى الاستنجاد بالترويكا من جديد». وشهد البلد بعد سياسة تقشف غير مسبوقة، تضمنت زيادات في الضرائب واقتطاعات من الرواتب، انتعاشا اقتصاديا ولو أنه لا يزال ضعيفا، بينما تتراجع نسبة البطالة. وحرص كوستا الذي يبلغ 54 عاما، على الابتعاد عن الإرث الثقيل التي تركه خوسيه سوكراتيس، فقدم برنامجا اقتصاديا معتدلا واعدا بتفادي أي إسراف في الإنفاق العام. كذلك ألقت متاعب سوكراتيس القضائية التي أسهبت وسائل الإعلام في الحديث عنها، بثقلها على حملة الحزب الاشتراكي. فبعد توقيفه على ذمة التحقيق في قضايا فساد وتبييض أموال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وضع في الإقامة الجبرية مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي. كذلك يفترض أن تفيد الأزمة اليونانية التي تابعها البرتغاليون عن كثب، تحالف اليمين الذي لم يتردد في تشبيه الحزب الاشتراكي البرتغالي بحزب سيريزا. وتأثر الناخبون البرتغاليون بالمشاهد التي نقلها التلفزيون وتظهر فيها صفوف الانتظار الطويلة أمام المصارف في اليونان. لكنّ اليمين غير مؤكد من الفوز بتفويض واضح يمكنه من ممارسة الحكم. وفي غياب حلفاء محتملين فإن حكومة أقلية يمينية في حال قيامها ستواجه برلمانا تهيمن عليه أغلبية يسارية ولو منقسمة. وقد يعمد كوستا المعروف بمهاراته التفاوضية إلى تشكيل جبهة مشتركة مع الحزب الشيوعي والكتلة اليسارية، الحزب الشقيق «لسيريزا»، اللذين يؤمنان بالإجمال 16 إلى 18 في المائة من الأصوات، وذلك على الرغم من الخلافات السياسية. وتبقى كل الخيارات مرهونة بحجم النتائج. واعتبر الخبير السياسي خوسيه أنطونيو باسوس بالميرا أنه «إذا خسر الحزب الاشتراكي بفارق ضئيل، فليس من المستبعد أن يحاول تشكيل حكومة أقلية مع دعم اليسار المتطرف في البرلمان». لكن الفائز الأكبر في هذه الانتخابات قد يكون المقاطعة التي سجلت نسبة قياسية في 2011، وذلك رغم دعوة أخيرة إلى التصويت وجهها رئيس الدولة أنيبال كافاكو سيلفا، معتبرا أن هذه الانتخابات «بالغة الأهمية من أجل البلاد».
مشاركة :